الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البرازيل··· وطريق القارة الواحدة

البرازيل··· وطريق القارة الواحدة
7 يناير 2008 00:28
في عام 1837 قال الليبرالي الأرجنتيني والمدافع عن الحكم الدستوري ''خوان بوتيستا آلبيردي'' إن الدول -شأنها في ذلك شأن الإنسان- لا تمتلك أجنحة، وإنما تقوم برحلتها مشيا على الأقدام، خطوة خطوة؛ اليوم، تجاهد أميركا اللاتينية، التي طالما كانت ضحية للسراب الطوباوي لثوارها وقادتها العسكريين، من أجل استيعاب هذه الحقيقة؛ غير أنه ومثلما يشير الكاتب ''مايكل ريد'' في كتابه ''القارة المنسية''، فإن أنظمة ديمقراطية دائمة بدأت تظهر عبر المنطقة· في السنوات الأخيرة، ظهرت في هذه الديمقراطيات مجموعة متنوعة من الزعماء من أمثال ''ميشيل باشليت'' في الشيلي، و''لويس إينياسيو لولا دا سيلفا'' الذي صعد إلى الحكم في البرازيل، والزعيم الفنزويلي ''هوغو شافيز'' الذي نشأ في الأحياء الفقيرة لبلاده· كانت النتائج متفاوتة؛ فقد اختبر ''شافيز'' صبر الجميع بخطاباته النارية التي يغذيها النفط حول ثورة اشتراكية سريعة، ولكن القارة تحولت تدريجيا إلى مجتمعات مفتوحة وانخرطت في الاقتصاد العالمي· وقد يأتى هذا التقدم بالرغم من التفاوت الصارخ من حيث الدخل؛ تماما مثلما يعكس النجاح المبكر لـ''باراك أوباما'' و''مايك هاكابي'' مجتمعا متعطشا للتغيير، ضاق ذرعا بالشركات العملاقة التي تتملص من الضرائب التي يدفعها المواطنون العاديون· بيد أن الرحلة البرازيلية تعثرت كثيرا، وهو ما نتج عنــه استنتاج بأن الأمر يتعلق ببلد ذي مستقبل واعد، ولكنه محكوم عليه بالتأمل الأبدي، وأرقام جرائم القتل السنوية تشهد على المشاكـل الاجتماعيــة المستمرة· ومع ذلك، ومثلما توصل إلى ذلك ''لولا'' بحسه البراجماتي المتوقد -كيف لا وهو الذي تجمعه صداقة بكل من شافيز والرئيس بوش في آن واحد- فإن الرياح تهب لمصلحة البلاد؛ وعليه، فمستقبل البرازيل هو اليوم؛ وهناك خمسة أسباب: الأرض، والمواد الخام، والطاقة، والبيئة، والصين· فالبرازيل تتميز بمساحتها الشاسعة، والاستغلال الزراعي لم يطل جميع أراضيها؛ ثم إن البرازيل، التي تعد أكبر مُصدر عالمي للبُن ولحوم الأبقار والسكر وعصير البرتقال، تعمل على زيادة صادراتها لمواد غذائية أخرى بسرعة كبيرة، ومن ذلك الدجاج (الذي صدرت منه ما قيمته 4,2 مليار دولار في ،2007 مقارنة مع 2,9 مليار دولار في 2006) والصويا، هذا علما بأن أزيد من 220 مليون فدان -وهي مساحة أكبر من تلك المستغلة زراعيا اليوم- مازالت غير مستغلة زراعيا خارج الغابات المطرية· ومن الصادرات التي تعرف ارتفاعا لافتا أيضا خام الحديد، غير أن الصين التي تستثمر بكثافة هنا في البرازيل ترغب في كل ما يمكنها الحصول عليه، مثلما تريد المواد الغذائية (شأنها في ذلك شأن الهند) والطاقة التي تزخر بها البرازيل ويمكنها أن تتوفر على المزيد منها، إذ تتوفر البلاد على موارد كبيرة للطاقة المائية، كما اكتُشف بها مؤخرا حقل نفطي ضخم بالقرب من ساحل جنوب شرق البلاد· لعل الأهم على المدى البعيد، هو زعامتها العالمية بخصوص الوقود المستخرج من النبات، وبخاصة الإيثانول المستخرج من قصب السكر، الذي يُنتج من الطاقة ضعف ما تنتجه الذرة التي يستخرج منها معظم الإيثانول الأميركي بثماني مرات بالنسبة للهكتار الواحد؛ وحين نضيف إلى ذلك الأراضي الزراعية التي لا نهاية لها تقريبا، يبرز مدى التحول الكبير الذي ينتظر البرازيل· ومثلما كتب ''ريد'' فـ''إذا كانت الصين في طريقها إلى أن تصبح مصنع العالم والهند مكتبه الخلفي، فإن البرازيل هي مزرعته -ومن الممكن أن تصبح مركز خدماته البيئية''· وعلاوة على ذلك، فإن زعامة البلاد بخصوص الوقود غير الأحفوري والتنوع البيولوجي الذي لا نظير له لغاباتها المطرية في الأمازون تجعل منها زعيما طبيعيا لجهود محاربة الاحتباس الحراري خلال القرن الحادي والعشرين؛ والحقيقة أن لا شيء مما سبق ذكره كان سيكون ذا قيمة لو أن البرازيل لم تكن تتمتع بالاستقرار؛ إلا أنها، وعلى غرار معظم بلدان القارة، فإنها أصبحت بلدا بالامكان التنبؤ بتطورات الأمور فيه· وقد أدركت الصين هذا الأمر، ونتيجة لذلك، فهي تعمل على تطوير علاقاتها التجارية بسرعة مع البرازيل وبلدان أخرى من أميركا الجنوبية، في حين سعت الولايات المتحدة، من جانبها، إلى إبرام سلسلة من اتفاقات التجارة الحرة، وإن أتت بنتائج متفاوتة· غير أن هناك شعورا بأن الولايات المتحدة أهملت القارة، وهو شعور غذاه عدم وفاء ''بوش'' بالوعد الذي كان قد أطلقه قبل الحادي عشر من سبتمبر بتركيزٍ جديد على القارة يعكس حجم ما ينيف عن 40 مليون لاتيني يعيشون في الولايات المتحدة· ولذلك، فسيكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة مطالَبا بأن يجعل من النظر صوب الجنوب إحدى أولوياته، بحيث تكـــون البرازيـــل محــور هذا الاهتمــام· لقد تم التقليل من شأن التحول الذي عرفته أميركا اللاتينية في العقود الأخيرة، والحال أنه تحول سياسي واقتصادي، وثقافي أيضا، تمت خلاله مواجهة الأفكار المسبقة بخصوص السكان الأصليين وأولئك المنحدرين من خليط عرقي، وإن لم يتم القضاء عليها، فقد تم تقويضها على الأقل؛ ومن الناحية التاريخية، فيمكن القول إنها كانت فترة لتعريف أصحاب البشرة الداكنة بأن الأميركيتين بصدد التحول اليوم؛ وبالرغم من الخطاب المناوئ للولايات المتحدة الذي يصــدر عن ''شافيز'' إلا أنهمـــا في طريقهمـــا -تدريجيا- لأن تصبحا قارة أميركية واحدة· روجر كوهين كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©