الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أرمينيا·· متعة الأمكنة ودفء الشرق

أرمينيا·· متعة الأمكنة ودفء الشرق
1 مارس 2008 01:34
المكان: أرمينيا·· الزمان: أواخر ستينات القرن العشرين··· كنّا مجموعة أصدقاء من مشارب واهتمامات مختلفة؛ من الشعر إلى الرسم والغناء، ومن السياسة إلى الاقتصاد والتاريخ، وفي ''مطار يريفان'' بالعاصمة الأرمينية،حضر التاريخ زاهياً متوهجاً بحضور عدد من الأصدقاء والأساتذة الذين يتابعون دراساتهم هناك، ومعهم كوكبة من تلامذة المدارس الصغار يحملون باقات الزهر ويلوحون بالأعلام· يبدو أن أبناء أرمينيا لا ينسون أن لهم إخوة في بلاد الشام يعدون بمئات الألوف، وينتشرون في مدن سورية ولبنانية وأردنية وعراقية، وقد مضى على هجرتهم أكثر من نصف قرن، وكانت تلك المدة كافية لالتحامهم واندماجهم في النسيج الاجتماعي إذ صاروا جزءا من جماهير مجتمعات هذه البلدان، كما ظلوا متميزين بالصناعات الدقيقة؛ كإصلاح الساعات، والأجهزة الكهربائية، وميكانيك السيارات، فضلاً عن الموسيقا وألوان خاصة من الطعام والشراب· الآجر الأحمر يريفان العاصمة مدينة قديمة تمتاز بحدائقها ذات التنسيق الهندسي الجميل ومتاحفها حافلة بروائع من تحف الماضي وآثاره، وكثرة الآجر الأحمر في مبانيها يجعلها تبدو كوردة في سهول أرارات، أهم معالمها التاريخية ''قلعة إريبوني'' التي يعود تاريخها إلى القرن الثامن قبل الميلاد، و''ميدان الجمهورية'' من أجمل ملامحها الحديثة، ويزيدها ''نهر زانجو'' جمالا، وتقوم على ضفافه سلسلة من المقاهي والمطاعم تذكرك بوادي بردى، وإن اختلفت الطبيعة بين السهل المنبسط وسفوح الجبال· من المصادفات اللطيفة أن مرافقنا كان أستاذاً جامعياً يتقن اللغة العربية التي تعلمها في ''جامعة بغداد''، وفي إحدى الأمسيات شاركنا جنرال من أبطال الحرب العالمية الثانية، وكان صدره حافلا بالأوسمة، وهو ما يزال يحتفظ بقامته الشامخة وشخصيته العسكرية الصلبة، وإن تجاوز عمره الستين· كان برنامج الزيارة حافلا، ولعل ''بحيرة سيفان'' إلى الشرق من العاصمة، كانت أجمل المواقع التي توجهنا إليها، بحيرة وسط الجبال يبلغ ارتفاعها ما يزيد قليلا عن 1900 متر فوق سطح البحر، وتبلغ مساحتها ما يقارب 1400 كيلو متر، أي ما يقارب 5 بالمائة من مساحة البلاد، كان الزورق السياحي راسياً على الضفة بانتظارنا، وأثناء تجوالنا الذي استغرق أكثر من ساعة، كنا نرى أنواعا من الحجارة والحصا في قاعها من شدة صفاء مائها، لكنهم كانوا يشعرون بمسحة من الأسى، لأن مياهها تتناقص وينخفض مستواها عاما بعد آخر، سواء بفعل التبخر أو الاستهلاك، سواء في الشرب أو ري الحقول· بحيرة لكل الأنهار قيل لنا إن 29 نهراً تصب جميعها في تلك البحيرة المحيطة بالجبال، وهذه الأنهار هي التي تزودها بالماء العذب، وإن لم تكن كافية للمحافظة على مخزونها كاملا، لذلك يفكرون بجر المياه إليها من مسافة أربعين كيلو متراً ليحافظوا على مستوى منسوبها· وأخبرنا الأستاذ المرافق أن جمال البحيرة كان مسرح إلهام لبعض الشعراء والكتاب حتى إن مكسيم غوركي، صاحب رواية (الأم) كان مأخوذاً بزرقة مياهها، فقال عنها: ''إنها قطعة هبطت من السماء''، وربما كانت أسماكها من ألذ المأكولات مذاقا، ومن المؤكد أن لجمال الطبيعة وطيب الهواء أثرهما الإيجابي الفعال حتى على الشهية ولذة الطعام· أربعون سنة مرَّت على تلك الزيارة، الذكريات غالية، لكن الخوف أن يكون تلوث العصر قد امتد على تلك البقعة الجبلية النادرة، إن المتعة في الترحال واكتشاف أمكنة مختلفة لا تقتصر على اكتساب معارف ومعلومات جديدة، وإنما تجعلنا نكتشف ذاتنا في مرايا تلك الأمكنة وكأنها تغسلنا من الداخل وتنعش الرؤى والمشاعر والأفكار وتجدد عشقنا للحياة ورغبتنا في مزيد من الاكتشاف·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©