الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السينما الهندية: مئوية الإبهار والواقعية الحالمة

السينما الهندية: مئوية الإبهار والواقعية الحالمة
23 أكتوبر 2013 19:54
يحتفي مهرجان أبوظبي السينمائي في دورته السابعة التي تنطلق مساء اليوم بقصر الإمارات بالسينما الهندية العريقة التي تحتفل هذه الأيام بمرور مائة عام على انطلاقتها. ويقدم مهرجان أبوظبي لجمهوره السينمائي في الإمارات بهذه المناسبة مجموعة متنوعة من الأفلام التاريخية والجماهيرية والمستقلة التي قدمتها السينما الهندية بصيغ فنية وبصرية وروائية متعددة، استطاعت من خلالها أن تتصدر صناعة الأفلام في العالم بإنتاجها لأكثر من 100 فيلم في العام الواحد، وبأرباح تتجاوز سقف الأربعة مليارات دولار، وهو رقم قابل للنمو بعد أن بدأت شركات الإنتاج في بوليوود بالتعاون مع شركات الإنتاج الشهيرة في هوليوود مثل ديزني وفوكس وورنر برذرز من أجل تمويل الموجة القادمة من هذه الأفلام. ومع وجود فرص التمويل المتنوعة والمتزايدة هذه، يتوقع النقّاد أن تصل الأفلام الهندية قريبا للجودة الفنية المضاهية لأفلام الغرب، وأن تتجاوز الكثير من العقبات التقنية والمناهج التقليدية للتوليف والمعالجة الإخراجية والكتابة السينمائية. ويقدم مهرجان أبوظبي في دورته الحالية برنامجا خاصا يضم مجموعة مختارة من أبرز الأفلام الهندية ولألمع المخرجين المعروفين في المشهد السينمائي الهندي والدولي، وتشكل هذه الأفلام علامة فارقة في إيجاد حساسية فنية ولغة سينمائية جديدة في الوقت الذي تعكس فيه الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي من خلال تجارب سينمائية تطمح إلى التميز والاستقلالية، خصوصا لدى مناقشتها لمواضيع ساخنة ومتوترة مثل الظلم والفساد وعدم المساواة، وتقديم هذه الحكايات المتراوحة بين الحلم والانكسار وبين الألم والنشوة في قالب بصري فائض بالأحاسيس وبالاكتشافات الصادمة لواقع الحياة في القارة الهندية الشاسعة. ويأتي في مقدمة الأعمال المخصصة لهذه الاحتفالية فيلم “الرياح الحارقة” المنتج في عام 1974 والذي قدمه المخرج م. ج. ساتيو وترشح لجائزة الأوسكار في ذلك العام، وهو الفيلم الذي قدم اسم (ساتيو) كأحد الملهمين والرواد لظاهرة الموجة الجديدة في السينما الهندية، ويحكي الفيلم قصة كفاح وعذابات عائلة مسلمة بعد تقسيم الهند. كما يعرض مهرجان أبوظبي في سياق الاحتفالية مختارات من أعمال المخرج الراحل (جورو دوت)، الذي يعد أحد أهم أعمدة السينما الهندية على مدى تاريخها، والذي اعتبره البعض (أورسون ويلز) الهند، وقد اختارت مجلة “التايم” في عام (2005) عملين من أعماله من بين أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما العالمية، وسيعرض المهرجان شريطه المهم “الظمأ” الذي أنتجه ومثّل فيه فضلاً عن إخراجه، ويحكي فيه قصة شاعر يبحث عن الاعتراف به إبان مرحلة ما بعد استقلال الهند، كما سيعرض ضمن هذا البرنامج فيلم “خيط الذهب” الذي أنتج عام 1965 لريتوييك جهاتاك، الذي أُدرج نقدياً ضمن تيار الواقعية الجديدة، والذي حاز المرتبة الحادية عشرة في استفتاء للنقاد السينمائيين أجرته مجلة “سينمايا”. وعلى الرغم من شهرته المتواضعة عند وفاته، كان لأسلوب (جهاتاك) الأثر الواضح على عدد من المخرجين الشبان مثل تلميذه المخرج ماني كول، الذي سيعرض له المهرجان فيلما بعنوان مثير وهو “حيرة في عقلين” من إنتاج العام (1973). وبجانب هذا البرنامج المستقل، سيستضيف مهرجان أبوظبي مجموعة من الأفلام الهندية ضمن مسابقاته الرسمية المختلفة، ومن هذه الأفلام “سيدهارت” للمخرج ريتشي مهتا وهو من إنتاج هندي وكندي مشترك، ويعرض ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، أما فيلم “قصة” للمخرج أنوب سينغ وهو إنتاج هندي وألماني وفرنسي مشترك فيعرض في مسابقة آفاق جديدة المخصص للمخرجين الشبان في أعمالهم الروائية الأولى أو الثانية. أما قسم العروض السينمائية العالمية في مهرجان أبوظبي فسوف يستضيف فيلمين هنديين هما “صندوق المجوهرات” للمخرج أبارنا سن، وفيلم “خنزير” للمخرج ناغراج مانجولي. توابل بصرية يعد المخرج (دادا صاحب بهالكي) المؤسس الأول للسينما الهندية بمقاييسها التطبيقية التي تجاوزت فنون الفرجة واستعادة الملاحم التاريخية في المسرح الهندي، وذلك عندما قدم أول فيلم روائي طويل في تاريخ السينما الهندية، وبالتحديد في 21 أبريل عام 1913 وحمل الفيلم عنوان “راجا هاريشندرا” ـ وذلك قبل اكتشاف تقنيات الصوت ـ وهو فيلم مقتبس من الأساطير الهندية المشحونة بالغرائبيات والأبعاد الميثولوجية العميقة الجذور في الثقافة الهندية، وتناول هذا العمل الصامت حكاية قديمة لملك شريف ضحى بمملكته وزوجته وأطفاله كي يوفي بوعده لأحد القديسين، وما زال هذا الملك أو (الراجا) حاضرا في المخيلة القصصية الهندية كرجل أسطوري نبيل يجسد المثاليات النادرة عند الأبطال الهنود التاريخيين. وكان عرض الفيلم في ذلك الوقت حدثا استثنائيا لا يمكن إهماله لأنه أطلق الشرارة الأولى لسينما باتت الآن متفردة وتحمل مذاقا خاصا ومزدحما بالبهارات والتوابل البصرية والسمعية والتي ما زال وقعها اللاذع والحاذق حاضرا ومتوهجا إلى اليوم في أغلب صالات السينما في العالم. ويذكر المؤرخون أن البداية الحقيقية لتعرف النخب المثقفة في الهند على الصورة السينمائية كانت في العام 1896 عندما عرض الأخوان الفرنسيان لوميير في بومباي (مومباي حاليا) ستة أفلام قصيرة صامتة، وقبل عام من عرضها بشكل رسمي في العاصمة الفرنسية باريس. ومع ظهور فيلمه الأول أصبح (دادا صاحب بهالكي)، هو الأب الروحي للسينما الهندية، واتخذه المخرجون الذين أتوا من بعده نموذجا ومثالا للشغف السينمائي الناطق بخصوصية التاريخ والجغرافيا الهندية سواء في المستوى الأفقي المتماهي مع الأحداث اليومية والراهنة، أو مع المستوى العمودي الذي يناقش إشكالات اللغة والدين والطبقية والفوارق الاجتماعية داخل هذا النسيج الواسع من الإثنيات العرقية الحائرة بين الصراع والاندماج وبين الوحدة القومية والشتات العقائدي. وتشير مدونات الأرشيف السينمائي الهندي أن بدايات هذا الفن الطليعي كانت مليئة بالمفارقات، حيث لم يكن مسموحا في ذلك الوقت للنساء بالقيام بأدوار في الأفلام، وكانت تتم الاستعاضة بالرجال لتمثيل الأدوار النسائية، وهو الأمر الذي شهد ثورة معاكسة بعد سنوات قليلة عندما أصبحت المرأة هي عصب ونواة ومحور الأفلام الناطقة، كما تصدرت المرأة معظم الأفلام الملونة في الستينيات وما بعدها عندما أصبحت التابوهات الاجتماعية في الهند محلا للنقاش والجدل، بل أن بعض الممثلات قمن بأداء أدوار لشخصيات نسائية تاريخية كرموز نضالية ضد التهميش والإقصاء والنظرة الدونية التي عانت منها المرأة الهندية لحقب طويلة. وكان عام 1931 عاما تاريخيا بالنسبة للسينما الهندية، بفضل إدخال الصوت في الأفلام، فظهر أول فيلم سينمائي ناطق، وهو “ألام آرا”، وكان باللغة الأوردية الشائعة وحقق شهرة مدوية في جميع أنحاء الهند، وتلاه في نفس العام فيلم “بهاكتابراهلادا” بلغة التيلوغو ثم فيلم “كاليداس” باللغة التاميلية. أحدث الفيلم الناطق تغييرا جذريا في السينما الهندية، حيث لعبت النساء أدوارا في الأفلام وكانت هناك محاولات لإنتاج أفلام ناطقة في الثلاثينيات بلغات محلية مختلفة، وأحدثت فكرة أن يسمع ويشاهد المرء فيلما بلغته الأم انتشارا لصناعة الأفلام في جميع أنحاء الهند. ومع تقدم تقنيات الصوت في الثلاثينيات، شهدت السينما الهندية إدخال الموسيقى، من خلال إنتاج أفلام غنائية مثل “إندراسابها” و”ديفي ديفياني” معلنة بذلك بداية الأفلام الهندية التي تتميز بالاستعراضات الغنائية، ثم انتشرت استوديوهات التصوير بتسارع مذهل في المدن الكبرى مثل مدراس وكلكاتا ومومباي، حيث أصبحت صناعة السينما حرفة معروفة وقائمة بذاتها بحلول العام 1935. وفي العام 1937 شهدت الهند ظهور أول فيلم ملون بعنوان “كسيان كانيا” ومن تنفيذ المخرج أردشير إيراني، وفي العام الذي تلاه نفذ ذات المخرج فيلماً ملوناً آخر هو “أمنا الهند” أو Mother India مع ذلك لم تشهد الأفلام الملونة حضورا شعبيا حتى نهاية الخمسينيات. ففي ذلك الوقت كانت الأفلام الموسيقية الرومانسية ذات الإنتاج الضخم وأفلام الميلودراما هي المصدر الرئيسي للدخل في السينما، وكان من ضمن الممثلين الناجحين في تلك الفترة كل من ديف أناند وديليب كومار وراج كابور، أما الممثلات الناجحات فكان منهن: نرجس ومينا كوماري ونوتان ومادوبالا. أحلام الفقراء رغم تفاوت الأفكار والمواضيع والقصص التي تناولتها السينما الهندية في بداياتها، ورغم ميلها الواضح لبث الحياة في الحكايات الخرافية اللصيقة بمغامرات العشاق وسير الشخصيات المعروفة التي لم تستطع الكتب والمسرحيات أن تمنحها هذا الدفق البصري الملامس لحواس المشاهدين البسطاء في الهند، إلا السينما هناك وبتأثيرها السحري وخلطتها المشحونة بالميلودراما والكوميديا والرقص والغناء، استطاعت في حقبة الستينيات وما بعدها أن تخلق واقعا بديلا لقسوة التبدلات الاجتماعية والكثافة السكانية التي جلبت معها ظواهر جديدة مثل غياب الطبقة المتوسطة وشيوع الفقر والبؤس كحالة عامة ومسيطرة، وهو الأمر الذي حول السينما إلى ما يشبه الغيبوبة اللذيذة التي أمّنت للطبقات المسحوقة رغيفا من الأحلام المؤقتة، ووجبة من الخيالات والأوهام العاطفية المخففة نوعا ما من وطأة الإحساس الواقعي المؤلم لدى هذه الطبقة. ولذلك فليس من المستغرب عندما تتباهى الهند بإنتاج ما يقرب من ربع إنتاج العالم من الأفلام بلغات متعددة بما يزيد على 13.000 دار عرض ويصل عدد مشاهديها إلى 15 مليون مشاهد يوميا، رغم الحقيقة المرة، وهي أنها مدفوعة بالاختلافات الحادة في الدين والطبقة الاجتماعية والعرق واللغة، “لكن الجميع يضحكون ويبكون معا أثناء مشاهدة هذه الأفلام” حسب وصف الناقدة الهندية براكريتي غوبتا. لقد قدمت السينما الهندية أنواعا مختلفة من الترفيه، من الرومانسية التي تعطي مذاقا للفيلم إلى الاستعراضات الغنائية المتعددة في مواقع التصوير المحلية المدهشة، والحركات المثيرة في عالم الجريمة، إلى الميلودراما الاجتماعية القوية والقصص الوردية المبهجة. ومن الأفلام الأخاذة التي تلقى رواجا حتى ضمن الأفلام المتعددة المنتجة خصيصا للهنود الذين يتحدثون الإنجليزية، والأفلام الخاصة بالهنود غير المقيمين في الهند التي تتميز بالمحتوى المؤثر والمشبع بالحنين والاقتران بالوطن. ويمكن القول إن ذروة صناعة السينما الهندية بمفهومها التجاري انطلقت في الستينيات من القرن الماضي مع ولادة الجيل الذهبي الذي بشّر به ممثلون سيطروا لزمن طويل على الشاشة الهندية وتحولوا إلى ما يشبه الأيقونات والأساطير الحية في تلك الفترة ونذكر منهم الممثل راجيش كاناه، وبران، ووحيد رحمان، وسونيل دوت، والممثلة ممتاز، بالإضافة إلى العديد من النجوم الآخرين كالنجم راج كومار وشاشي كابور وشرميلا طاغور، حيث قدموا نتاجات ما زالت خالدة في ذاكرة عشاق السينما الهندية مثل فيلم “وقت” الذي ظهر مدويا في العام 1965، وفيلم “ديفار” أو (جدار) في العام 1966 من بطولة النجمين دارمندرا وكيشور كومار. وجاءت فترة السبعينيات والثمانينيات لتكون المرحلة الأكثر ازدهارا في ذلك الوقت، حيث عرفت تطورا ملحوظا في تقنيات الإخراج والأداء التمثيلي وتقديم قصص توازن بين الرصد الاجتماعي ونقد الواقع وبين الترفيه كجرعة نفسية تمنح أملا افتراضيا وتفاؤلا معنويا للطبقات الكادحة والمهمشة في الهند، وتحول ممثلون سيطروا على تلك الحقبة أمثال أميت باتشان الذي يمثل جيل الغضب، ومعه فيروز خان وفينود خانا إلى شخصيات كاريزمية وملهمة لقطاع واسع من الشباب الهندي المتمرد الباحث عن مستقبل أفضل وحياة تتجاوز الظروف القاسية. رومانسية وإثارة وبرز هذا الهاجس التغييري بشكل واضح في فيلم مهم وهو فيلم “شعلة” أو Sholay الذي استطاع أن يحقق المطلب الجماهيري دون أن يتنازل عن الشرط الفني وتقديم قصة مؤثرة في قالب روائي محكم. ومع أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات عرفت السينما الهندية طفرة وقفزة نوعية من جميع النواحي، حيث عرفت تطورا لا بأس به في استعمال تقنيات بصرية جديدة والتطرق لمواضيع شبه محظورة كما عرفت ظهور نجوم بارزين، ورغم أن قصص هذه الأفلام بقيت تتخذ نفس منحى مثيلاتها القديمة حيث إنها تجمع بين الرومانسية والإثارة والتشويق، إلا أنها عرفت نجاحا أكثر بسبب الإقبال الكبير عليها خصوصا بعد ظهور ممثلين حملوا بالصدفة لقبا مشتركا هو (خان): أمير خان، وسلمان خان، وشاه روخ خان، الذين استطاعوا بسط سيطرتهم على بوليوود وأصبحت لهم شعبية جارفة، ومن الأفلام التي لاقت نجاحا باهرا في اوائل التسعينيات فيلم “قلب” أو (Dil). وخلال منتصف التسعينيات عرفت السينما الهندية انفتاحا أكثر على العالم الخارجي حيث أصبح المخرجون يلجأون إلى دول أوروبية للتصوير فيها، أبرزها سويسرا التي صورت بها العديد من الأفلام. كما عرفت تطورا أكثر في كلفة الإنتاج فكانت الحصيلة ظهور أفلام عرفت نجاحا ساحقا نافست مثيلاثها الغربية وبالخصوص الأميركية منها، وازدادت هذه الأفلام تطورا أكثر فباتت تنافس السينما العالمية، وذلك من خلال تطرقها لمجمل المواضيع السينمائية سواء في الأفلام الرومانسية أو أفلام الحركة أو الأفلام السياسية، أو حتى الجريئة في مشاهدها العاطفية، حيث أصبحت السينما الهندية حاليا تتطرق لمواضيع كانت تعتبر محرمة بالسابق. ومع دخول القرن الواحد والعشرين ازداد بريق السينما الهندية بعد استعانتها بالتقنيات الحديثة، وانتشرت في جميع أنحاء العالم واستطاعت الحصول على احترام الجميع حتى أصبح حلم الكثير من الممثلين والمخرجين العالميين هو العمل في هذه السينما القادمة بعنفوان وطموح من قلب الشرق. والمتابع للأفلام الهندية الحديثة يجد ميلا للتطرق إلى سينما الرعب والخيال العلمي بشكل غير مسبوق، ورغم الحسابات الربحية الحذرة التي تفرضها هذه النوعية من الأفلام إلا أن وجود الممثلين النجوم وتوافر التقنيات الحديثة، صنع لهذه الأفلام سوقا رائجة بين جمهور كبير من المراهقين وعشاق الأفلام الغرائبية. الممثل علي خميس: شاهدناها في سينما (هارون) واستخدمنا (الريل) لتسجيل حواراتها واستعاداتها السينما الهندية في الإمارات: غواية التقليد.. الأعمى تزامن عرض الأفلام الهندية في الإمارات مع بدايات ظهور دور السينما بأنماطها المتواضعة والبسيطة والمتناسبة مع قلة الكثافة السكانية في الفترة التي سبقت قيام دولة الاتحاد، ويورد لنا الفنان الإماراتي المعروف علي خميس بعض التفاصيل الشخصية هنا حول علاقته بالأفلام الهندية في بداياتها، ويقول: “تعلقت منذ طفولتي بالأفلام الهندية التي كنت أشاهدها في سينما (هارون) بالشارقة في الستينيات، لأنه لم يكن هناك من جاذب لي غير طقس المعايشة الخيالية مع جو الفيلم الهندي ذي الطابع الخاص والطعم المختلف، ثم أنني ومن شدة تعلقي بأبطال الفيلم كنت أقوم بتقليدهم في كل شيء ابتداء من الملابس وطريقة المشي وليس انتهاء بتسريحة الشعر، وكان أهلي وأصدقائي يطلقون علي لقب (راجيش كنّا) الذي كان من أشهر الممثلين الهنود في أواسط الستينيات، حيث كنت أتقمص شخصيته بشكل أعمى ولا إرادي”. ويضيف علي خميس: “من الأشياء الطريفة التي أذكرها الآن، أننا وفي الأيام المخصصة لعروض النساء كنا نلتحف العباءات النسائية ونتحمل المخاطرة حتى لا تفوتنا الأفلام التي لم نشاهدها، وكنا نذهب للسينمات الأخرى في دبي وعجمان ونلاحق الفيلم الهندي الجديد أينما عرض، ومع أننا كنا نقلد الأبطال الطيبين في الأفلام، إلاّ أن شريحة أخرى من أصدقائنا كانت تقلد الشخصيات الشريرة أمثال الممثلين (بران) و(آجيت)، وأذكر أن حلمي الكبير الذي كنت أعلنه على أصدقائي في المدرسة هو المشاركة في الأفلام الهندية مستقبلا، وحاولت في السبعينيات أن أراسل إحدى الجامعات الهندية المختصة بالسينما كي أدرس فنون التمثيل بالمراسلة، ولكن شرط الجامعة كان يتمثل في الحضور الشخصي ولم أذهب لارتباطي بالعمل، ولكن حلمي الشخصي بالتمثيل في قلب (بوليوود) لم يجهض، وتحقق فعلا عندما شاركت مؤخرا في الفيلم الهندي العالمي “تاج محل” للمخرج المعروف (كبير خان)”. ومن الطرائف التي يوردها علي خميس أن بعض الأشخاص كانوا يحضرون معهم أثناء مشاهدتهم للأفلام الهندية في السينما مسجلات (الريل) القديمة، وكانوا يسجلون كل ما يرد في الفيلم من أغان وحوارات، وفي طريق عودتهم الطويلة إلى بيوتهم مشيا على الأقدام، كانوا يعيدون سماع الفيلم مرة أخرى ويستعيدون كل أحداثه وبالتفصيل!”. ويضيف علي خميس: “إن وجود السينمات الأولى في الإمارات ساهم في خلق مناخ من الحرية والفضول والمغامرة والرغبة في السفر، ورؤية العوالم السينمائية كما هي في أماكن تصويرها الحقيقية، لقد خلقت هذه السينمات ثقافة التسامح مع الجنسيات والديانات الأخرى، وثقافة الحوار والتبادل المعرفي مع الآخر، ورغم أن معظم هذه الأفلام كانت قائمة على عنصرين أساسيين هما الخيال والمبالغة الدرامية، إلا أنها ساهمت في تعلقنا بالتمثيل وتشجيعنا على خوض المغامرة الدرامية المحلية، وخلق الملامح الأولى للتمثيليات والسهرات التلفزيونية والأعمال المسرحية في الإمارات أواسط الستينيات وما بعدها”. في سياق مضاد ومختلف يرى بعض المعاصرين لفترة ظهور السينما الهندية في فترة مبكرة من تاريخ الإمارات أن الأفلام الهندية في الستينيات والسبعينيات ساهمت وبشكل سلبي في التبشير للطقوس البوذية، كما أنها ساهمت في هروب كثير من الشباب من الدراسة، وتكوين ظاهرة العصابات العشوائية التي امتهنت الجريمة وممارسة السرقة كنوع من التقليد الأعمى لأبطال وأشرار الأفلام الهندية. ويوضح هؤلاء المنتقدون لهيمنة السينما الهندية في تلك الفترة، أن سبب إقبال الجمهور عليها كان يعود لخلطتها السحرية التي تجمع بين الميلودراما والأغاني العاطفية والمواضيع الخيالية التي جعلت جيوب موردي هذه النوعية من الأفلام تمتلئ ذهبا، وكانت صالات سينما (ميترو) في منطقة البحيرة حاليا بالشارقة، وسينما النصر هي الوحيدة التي لم تكن تعرض أفلاما هندية، وكأنها تغرد وحيدة خارج السرب. ويشير بعضهم إلى أنه في منطقة السطوة بدبي كانت هناك سينما تعرض الأفلام الإيرانية فقط، وكانت هذه الأفلام أكثر واقعية وأكثر تناولاً للمشاكل الإنسانية والاجتماعية مقارنة بالأفلام الهندية المنسوخة قصصها من الأفلام العالمية الشهيرة والمليئة بالمشاهد اللامعقولة وبالأبطال الخارقين والأحداث التي لا يمكن أن تتحقق سوى في الأحلام!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©