السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قاع المدينة في محيطها

قاع المدينة في محيطها
23 أكتوبر 2013 19:54
ضمن منافسات مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، يعرض الفيلم الإيطالي “ساكرو” (طريق روما الدائري) للمخرج جيان فرانكو روزي، وقد فاز هذا الفيلم مؤخرا بجائزة الدّب الذهبي لأفضل فيلم وثائقي في ختام الدّورة السبعين لمهرجان البندقية السينمائي الدّولي، وهو يتناول حياة مجموعة من النّاس يعيشون على امتداد الطريق الدائري ذي السمعة السيئة، والذي يجري إنشاؤه حول مدينة روما. وبالنسبة لنا، فهذه مفاجأة تحمل في طياتها الكثير من المعاني والدلالات، وبخاصة أن هذا الفيلم، يقف الآن أمام 15 فيلما تتنافس على اللؤلؤة السوداء في هذه الدورة، أما عن مخرجه فكانت أول تعليقاته على الفوز بقوله “هذا شرف عظيم لي”، كما كانت أولى مبادراته بعد هذا النجاح الساحق، أن أهدى الجائزة إلى شخصيات فيلمه الذين أتاحوا لي المجال للدخول في تفاصيل حياتهم، كما وجه الشكر إلى رئيس الدورة السبعين لمهرجان البندقية “برناردو برتولوتشي” لمنحه هذه الجائزة، وهي المرة الأولى التي تمنح فيها لفيلم وثائقي، كما أنها المرة الأولى التي يفوز فيها عمل إيطالي، منذ فوز الفيلم الشهير “كوسي ريديفانو”، للمخرج جياني إميليو، عام 1998. ويبدو من تحليلات موضوع الفيلم، فإنه جاء في سياق الدورة السبعين لمهرجان البندقية، التي ركزّت الاهتمام على الأفلام القائمة التي تتناول انهيار القيم والروابط العائلية والاجتماعية، والجنون، وانعدام الأمل في الحياة والحب، في ظل عولمة لا تنحاز لكرامة الإنسان، وكان فيلم “الطريق الدائري” بشكل أو بآخر يلامس تلك الاتجاهات ذات الجانب الإنساني. لم يكن روزي، يتوقع حصد مثل هذه الجائزة، وقال: “لم أكن أتوقع الفوز بمثل هذه الجائزة الكبيرة والقيمة، مقابل مشاركتي بفيلم وثائقي، لقد كانت خطوة لجنة التحكيم خطوة شجاعة، لقد قمنا أخيراً بكسر أحد الحواجز، التي تقف في وجه الوثائقي أمام الروائي، وبخاصة في المهرجانات”. لكننا في الواقع نرى أن حصول روزي على هذه الجائزة، لم يكن من قبيل المصادفة أو من باب المجاملة، فإن المجهود الخرافي المبذول لمدة عامين، لإنجاز الفيلم بصورته الحالية، لا يجعلنا نتشكك لحظة في مكانة وأهمية الرجل في عالم السينما، فقد قضى عامين كاملين في سيارات (الميني فان)، كان يبحث من خلالها عن حلمه بفيلم وثائقي كبير، وقد ضم “الطريق الدائري” مئات الحوارات والمحادثات مع مختلف أطياف المجتمع الإيطالي، وتجاوز عقبات التصوير وسط ضوضاء المدينة، وطريقة تجهيز مواقع التصوير، ومن ثم عمليات المونتاج المضنية، وأخيراً تقديم صورة صادقة لحياة مجموعة من الإيطاليين الفقراء الذين يعيشون على هامش هذه المدينة المتخمة بكل الكماليات، والرفاهية، من خلال طريقها الدائري الذي بات يشكل حديث الناس. ولد روزي في أرتيريا، ويحمل الجنسيتين الإيطالية والأميركية، وأخرج خلال حياته المهنية ثلاثة أفلام وثائقية، حققت نجاحاً نقدياً وجماهيرياً طيباً، وتدور حول شخصيات هامشية، قلقة، من المجهول، مثل، بحار هندي، ومستوطني الصحراء في كاليفورنيا، وقاتل مكسيكي محترف، وربما يكون أهم أفلامه ذلك الذي حمل عنوان “تحت مستوى البحر” الذي فاز بجائزة أفضل فيلم تسجيلي في مهرجان البندقية عام 2008، فيما عكف على إنجاز فيلمه “الطريق الدائري” نحو عامين، مخرجاً ومصوراً ومصمماً للصوت، ومن دون سيناريو محدد، بحسب عناوين الفيلم التي تظهر في مقدمته، وقد نجح بمجهوده الكبير، ومجهود رفاقه في الفيلم، في أن يصيغ أسلوباً درامياً قوياً، يجمع بين المشاهد التسجيلية الخالصة والمشاهد التي يوجّه فيها شخصياته المختارة من الواقع الإيطالي، حيث كانوا يقومون بتلقائية واضحة بتمثيل حياتهم في الطريق الدائري. أما روزي هذا سارق الأضواء من كبار المخرجين المخضرمين الذين شاركوا في المهرجان، فهو رجل متعدد الاهتمامات والثقافات، وقد أفاد من جولاته ورحلاته الواسعة في تشكيل أفلامه، فهو رحّالة درس في نيويورك، ويقيم حالياً في باريس، وأن هذه الرحلات المتواصلة التي يقوم بها إلى مناطق مجهولة من العالم، قد أفادته كمصادر طبيعية حقيقية لصناعة أفلامه القليلة جدا، والتي لم تزد عن خمسة أفلام عبر مسيرة سينمائية تزيد على 20 عاماً، فهو كما يردد، لا يأبه للوقت، إنه يريد صناعة أفلام كبيرة، وأن فيلماً واحداً متكاملاً ممتازاً، مختلفاً، مبتكراً في لغته وأسلوبه ومفرداته وفكره، يوازي عشرات الأفلام المتشابهة، ومن ذلك منجزه “الطريق الدائري حول روما”، الذي رفع أسهمه عالياً في سماء التظاهرات السينمائية، ليس لجودته فقط، ولكن لحسه الإنساني، الذي يديننا، لنسيان هذه الفئة المهمشة التي تعيش حول هذه الطريق، فئة محرومة، قابعة خلف الأسوار وداخل الحدود المرسومة بدقة هندسية لا تخطئها العين. لكن ربما يكون أهم تحدٍ واجهه روزي بعد إعلان فوزه تلك الانتقادات اللاذعة التي أصابته من بعض النقاد، الذين اعتبروا أن قيمة الجائزة أكبر بكثير من فيلمه الوثائقي. في التفاصيل يبدأ الفيلم بلقطات تجريدية، يجري التقاطها ليلاً، على أنوار السيارات التي تخترق الشارع، تتابع اللقطات وتنتهي، لتتركز الأخيرة منها على شاشات مراقبة الطريق، ما يتيح لنا مشاهدة واستكشاف كل جوانبها في وقت واحد، ونتابع بشكل متوازٍ مجموعة من الشخصيات مثل: خبير في زراعة الأشجار، يفحص كل شجرة في الطريق، ويدوّن ملاحظاته، وصياد فقير، يتحرك في قارب متهالك عبر النهر، ويعيش حياته بالكامل مع زوجته في كوخ صغير معدم، وهنا أرستقراطي سبعيني، يعيش واقعه المترف، المتخم في فيللا فاخرة، توازياً مع ظهور ثلاث عائلات، واحدة منها من المهاجرين غير الشرعيين، عائلات تحتل ثلاث شقق، يجري تصويرها بحرفية عالية من خارج نوافذ العمارات المطلة على الطريق، وتصبح هذه النوافذ وكأنها شاشات داخل الشاشة، ثم هناك المسعف العالم في إحدى سيارات إسعاف الحوادث، ونراه في تقطيعات مختلفة بين عمله وحياته في شقته القريبة من والدته المريضة المسنة الصامتة. كل هذه الشخصيات والخطوط تتقاطع في “الطريق الدائري”، متمازجة مع مشاهد لحظية تتداخل بسرعة مع المشاهد الرئيسة على جانبي الطريق، مثل امرأتين في منتصف العمر، تعيشان حياتهما البائسة داخل سيارة نوم متنقلة، ومن المشاهد الصغيرة أيضاً رؤية مجموعة من نساء الليل، وفرسان سباق الخيل في الصباح المبكر، وعمّال يفكّون التوابيت في مقبرة تقليدية، ويعيدون دفنها في مقابر جماعية، تمهيداً لاستخدام الأرض لأغراض لا نعرفها. يخلو الفيلم من الموسيقى التصويرية، واستعاض المخرج عنها بأصوات عبور الطائرات على شريط الصوت بين الفينة والأخرى، إلى جانب المؤثرات الصوتية الطبيعية الصادرة عن حركة الطريق الدائري ومهمشيه. أخيرا كانت الطريق بالنسبة لمخرج الفيلم، مجرد مفردة إتكأ عليها، لكي يعبر منها إلى العالم الإيطالي، بكل ما يحتويه من متناقضات وإشكاليات، وتبقى إشارة أخيرة، ربما يسجلها نقاد مهرجان أبوظبي، حول الفيلم ومخرجه، فهل ينال “الطريق الدائري” جائزتين من مهرجانين في وقت واحد؟ الأفلام المرممة تستعيد هيتشكوك وسيرجيو ليوني و «لص بغداد» أفلام من زمن البدايات تحت عنوان “شذرات من الزمن: أيقونات كلاسيكية”، تخصص الدورة السابعة لمهرجان أبوظبي السينمائي، برنامجاً خاصاً بالأفلام الكلاسيكية المرممة، يخاطب كل الأجيال والفئات العمرية. في البرنامج فيلم الفريد هيتشكوك “أطلب الرمز ميم للقتل” (1954) الذي صوره قبل هذا التاريخ بعام واحد وبصيغة الأبعاد الثلاثية التي لم تكن سائدة آنذاك، ولم تنتشر إلا بعد ذلك بعقود عدة. كما سيحتفي عشاق أفلام “الوسترن” بالاستمتاع بفرصة مشاهدة النسخة الرقمية المرممة الكاملة لفيلم سيرجيو ليوني “حدث ذات مرة في الغرب” (1968) على الشاشة الكبيرة، وبمصاحبة الموسيقى التصويرية الشهيرة لإنيو موريكوني بصيغتها الرقمية المجسمة. ومثلما اعتبر هذا الشريط على نطاق واسع واحداً من أعظم أفلام “الويسترن” على مدى التاريخ، فإنه أعاد الاعتبار لأهمية هذا النوع من السينما. وسيستمتع الرومنسيون بالفيلم الموسيقي “مظلات شيربور” لجاك ديمي (1964)، من بطولة كاترين دونوف، وشريط بلايك إدواردز “إفطار في تيفاني” (1961) مع أودري هيبورن في دورها الأيقوني “هولي غولايتلي”. ويحتفى البرنامج بالسينما البريطانية الكلاسيكية من خلال رائعة المخرجين مايكل بويل وإمريك بريسبورغر “الحذاء الأحمر” (1948)، الذي استغرقت عمليات ترميمه أكثر من عامين. الفيلم اقتبست أجواؤه من حكاية خرافية لهانس كريستيان أندرسون حول صعود نجم راقصة بالية. وقد أَثّر الفيلم في أجيال عديدة من محبي السينما من خلال الأداء الرائع وجماليات الصورة. وضمن البرنامج عينه، سيكون جمهور المهرجان باختلاف فئاته العمرية، على موعد مع فانتازيا المغامرة “لص بغداد” (1940)، الذي تعاون على إخراجه ثلاثة مخرجين هم: لودفيغ بيرغر، مايكل باولوتيم ويلن. يعد هذا الفيلم علامة فارقة في هذا النوع من أفلام الخيال والمغامرة، بما يجعل النسخة المرممة حديثاً تحية لملكة الخيال. تعليقاً على البرنامج، يقول علي الجابري، مدير المهرجان: “هذه الأفلام الكلاسيكية والمرممة تغني برنامج المهرجان، وتلفت الانتباه إلى تاريخ الفن السينمائي. نحن فخورون بتقديم هذه الأفلام البارزة التي تشع من جديد بفضل عمليات الترميم الرائعة التي تظهرها أحياناً بأفضل مما كانت عليه في الأصل. هذان البرنامجان الخاصان بأفلامهما التاريخية هما فرصة حقيقية لكل الجمهور ليكتشف أو يعيد اكتشاف أفلام كبيرة وخالدة. ولهم أن يكتشفوا بأنفسهم كيف أن رواة الحكايات الكبار قادرون على تجاوز الزمن بحكاياتهم التي تخاطب قلوبنا وعقولنا اليوم”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©