الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البحر.. نحر وصدر وفخر ودهر وسهر

البحر.. نحر وصدر وفخر ودهر وسهر
23 أكتوبر 2013 19:57
أنت.. أنت الراشف من كؤوس الرمل نخب الحياة، الزاحف على زعنفة، الواقف على ظهر محارة، جسّدت الحلم الأبدي.. أنت الناهل من عرق، وغسق، وشفق، وألق، وقلق، وشهقة الرابض في العمق السحيق، الناهض من سواعد، وقواعد، ومواقد، وشواهد، ومراقد، وشوارد.. أنت مثل ذاك الجبل ترقب عن كثب كيف تحشد الأشجار أغصاناً كشرايين الغواص، وكيف تمارس القوارب لعبة العطش حين يكون الماء موجة، ومهجة، ولهجة، وغنجة، وبهجة، وسراج يهفهف الهواء شمعته، وتداعب لسانه الضوئي، كأنه الطفل البالغ سن المناغاة.. أنت في الأصل أنشودة، وتغريدة، وقصيدة تطارد المفردات كأنها طيور فرّت من غزوة مباغتة. أنت تكابد في الزمن كما يكابد الحادبون في صحراء الظمأ، وترفع الأسئلة المبهمة، لعل وعسى تصحو الأمنيات فتغسل عين الغافية على سرير اللوعة. أنت تجاهر في الحب مثل عاشق ملَّت أحلامه من سرد الصور الغاربة في اللاشعور، وما مللْت أنت من البوح، تغرق أشياءك في مخبأ الذاكرة، ثم تفرك جفون المسغبين، بمرور الأمل، وتسكب الملح على الجرح وأنت ما بين الجمع والطرح، نشيد على لسان الطير، عندما ترقص الأجنحة فرحة بهبوب الريح، لعل وعسى تشذب الأشجار أغصانها، وتنبت الأوراق بالأخضر لا الأصفر.. المد والمدى أنت يا سيد الأبد، أنت الأمد، والمد والمدى، أنت الندى، والقطرات شقشقة الفجر على وجه امرأة تنهيدتها رعشة النجوم في السماء، وارتجافة القمر حين ترنو غيمة معبَّقة بعطر المطر، حين تمص الكويكبات ريق الدهر، ولا يبقى في الزمن بحر من دون خفقة في صدر امرأة، جادت في العطاء وأبحرت في عيون الشهقة حتى بلغت حدود الإغماءة، والغواية شبه وشاية أزلية بدأت ببصيرة التفاحة المضنية. أنت.. أنت مثل السماء، تحفل بالنجوم، والغيوم، والهموم، وأنت مثل سحابة تطير بأجنحة الأمل، تلون الزمان بقماشة أهدابها أعشاب، ازدانت بالحيوية وترعرعت على نهد الصبا.. أنت يا سيدي، في الوعي مجاز، وإعجاز، وإنجاز. وأنت استفزاز جميل، يحرك في الكامن لمعة، ودمعة، وشمعة. وأنت في الباطن، تفرد أشرعة وأقنعة، والسمكات المترعة بالسكينة ترعبها غابة العبث الفطري، فتفر هاربة من الغي، تفر غاربة إلى حيث الفراغ الوسيع، مشمول بالضياع وتيه المجهدين، من شديد التأمل والتزمل، بثوب المهابة الكاذبة، أنت في النسق قامة في القلب، وقيامة في المنتهى. أنت الدائم، الغائم، الجاهم، الضارم، الصارم، الحازم، الحاسم، القاتم، المتراكم سهداً ووعداً، وأنت القارع الدافع، المانع، الساطع، القاطع. أنت الواقع ما بين الخافين وموجتين. أنت القابع في العين لمعة الشقاء.. وأنت صومعة الذين ناموا على الرمل البارد في انتظار أن تستيقظ المراكب على سرير الماء، وينادي المنادي: هذا يومك أيها المارد والمستحيل. أنت الماء، وأنت من صلب وترائب تصيغ حرائق الأجنة في أحشاء الكائنات، وأنت من الملح، تكحل عيون الساهرات، لأجل غفوة ونشوة، ولأجل نخوة ذكورية تحيي العظام وهي رميم. أنت الأليم القابض على نخلة القلب، الرابض ما بين نهدي الكلمة، تعيد للأحياء بوح الليالي المقفرة، وتؤجج نيران المعرفة، بتفاصيل الجسد الأسطوري، وتحدق في المروج والبروج.. وأنت في الدخول والخروج، اللعنة اللذيذة، تُكبد، وتسدد، وتحدد، وتبدد، وتمهد، وتجدد، وتقدد، وتمدد، وتردد في الحنين أغنيات قديمة، وتسرج خيولك حين تكون الناعسات على شفا حفرة من الشهقة الأكيدة. وأنت للنابهين معنى الأقانيم، حين لا يكون في الصحراء الأبدية سواك، كائن يتمادى في تبجيل رفة الرمش، وخفة الأبدان، الضاربة في اللدانة، والأمانة، والرزانة، والحصانة، والإبانة.. أنت في الأصل، فصل، ونصل، وجزل، وعذل، وعدل.. أنت في الأيقونة، موال على شفة أنثى ترنمت بخيلاء الغارفات من رحيق البلل، الغارقات في الزلل، الغارقات ما بين الحِلِّ والحِلَلْ.. أنت رقعة القلب، وبقعة في وريد المتجرعين من غثيان المسافات البعيدة، الجاثمين عند سواحل الاغتراب، كأنهم النوارس الشاردة من بطش العزلة القميئة.. أنت مثل السفينة المتهاوية ما بين موجة ونار، تغار من محارة نامت على خد الرمل، مستوحية من النهار نور الازدهار. أنت في الشقاء، عطاء، وسخاء، وبهاء، ونداء سحري، يأتي من بين الأضلع ومن تجاويف القيعان الغائرة، ومن تلافيف الطيور المهاجرة، تستدعي كل شيء حتى الرمق وتسافر في الذاكرة، تقارب مهما تحطمت الواحة عند صخرة الصبر.. وأنت مثل رجل طاعن، شاب فيه الرأس واشتد بأسه، واحتد فأسه، وتورمت عروق ساعديه، متوعدة أسنان القرش، من أجل عرش أو نعش، يخوض في الزمان مقاصد الأمان، ويمضي مستبداً كأنه القدر. أنت الجزيل الأصيل، أنت النبيل في التمادي، ترحل ولا ترحل، لأن في جَزْرِكَ امتداد للمجيء، لأن في مدك اعتداد لتوطئه، تعيد صياغة الجملة الزمنية، وتكتب قصيدة جديدة عن الحياة. الماء بالماء لا شيء سواك، يغسل بمائه الماء، ويفرك الرمل بأصابع مجده وجده، لا شيء سواك يطهر إثم المواعظ الكاذبة، ويفضح الحيل البصرية، بالزبد الذي لا يذهب جفاء، ولا تسلبه أدراج الريح بريقه، أنت ولا شيء سواك، والذي جلاك وسوّاك، كمعبد بوذي، قديم قدم ذاك الهرم الأسطوري، لك الحب، ولك التعلق، ولك الحرية عندما تخفق موجاتك بالرنين وعندما تصفق زعنفة السمكات في أعماقك، محبية الزرقة الحالمة، والكون الفسيح، ولا شيء يساوي هذا الفرح، عندما يكون الفرح، فطرياً بلا رتوش ولا مساحيق، تغير اللون إلى لون، وتطير في الحقيقة إلى حيث تستقر النهايات القصوى. أنت الملك المتوج، في إسراك ومعراجك، أحلام تشبه النيرفانا وتغير في الوعي، ذرات، ومجرات، ومسرات، واختراقات قد لا تخطر على بال بشر.. أنت في المسرى والمجرى، حرقة تتوغل في أحشاء الكون، وتغزل الروح بجروح وقروح، وصدوح. وأنت في البدء النهائي الذي ما بعدك نهاية ولا قبلك بداية، ولا ما بين بينك وشاية سوى أنك في الحلم تأتي قابساً كأنك النور السماوي، تفشي وتعشي، وتتفشى في الروح، قيامة، وحشر، ونشر، وسراطك هذا الحد ما بين اليابسة والماء، وكلما جاشت الوشوشة تفتحت أجنحة المحارات، مجهضة أو ناهضة شاخصة أو فاحصة، لا شيء سوى الذهول، عندما تكون القارعة تدق أجراس العودة إلى بدء التكوين، وعندما تأزف الآزفة ليحين موعد الخضاب، والإخصاب، وعندما يمشي الرمل على جسد الكائنات بخطوات حثها كأنه دبيب النمل، كأنك أنت تسير بقدمين حافيتين على يابسة جرداء، وتؤجج الشعواء والعشواء، لأجل ميلاد نحلة أو نخلة أو نملة أو سنبلة، تغذي عروق الماء بالخضرة.. أنت يا سيدي، على الرغم من سخائك، مثل الذكورة الفجة، خارق، وطارق، وماحق، وساحق، وشاهق، تغرس في التراب، وتد الانفجار الكوني، وتشيع الفاجعة الأولية، وما بعدها يكون الاندحار والانتحار، ما بعدها تكون أنت في المزاعم، الضلع القويم، وسواك أعوج وأهوج، وأعرج، وأخدج، سواك يا سيدي كأنه العدم، يأخذ من العبثية وجوداً، ومن الدونية حدوداً.. أنت يا سيدي الملاك وسيد الأفلاك، أنت والذي سوّاك في الدهر، أرجوزة أحمد بن ماجد، وأناشيده الخالدة في بطون الكتب المهملة، وفي عيون النساء الهاملة.. أنت يا سيدي، مسلك ابن ماجد إلى بخور الهند وحرير الصين، وأنت اللجين المستبين. أنت اللون الصافي في عيون امرأة، هزت مهجتها موجة عارمة، واستباح الجسد عنفوان الهدير، أنت الزرقة الغافية تحت الجلد، مجلوداً بالزئير، وأنت الرفق والمرفق، وأنت الحادي والمأزق، عندما تلف لفيفك، مستبعداً جل الخصال، مستبداً كأنك الفحولة المخادعة، كأنك المراوغة حبل يستحيل قطف الثمرات من عناقيد الفصول الباذخة.. أنت مثل وجد أنثوي، محاصر بالخديعة والوقيعة، مثل عيون رمدها الملح، فاستمالت نجوماً باهتة، لا يضنيها إلا غبار المعارك الفاصلة ما بين صدر وصدر، وما بين نحر وقهر، وما بين قبيلة وفصيلة، أنت يا سيدي تغدق وتغرق، حين يسيل لعابك للعدوان، وتفريع من لا حيلة له غير الخنوع، ولا مركب له غير زعنفة مقطوفة من لحم الفجيعة. أنت يا سيدي رغبة جائرة، تحثو في العين ملح الهزائم، ثم تمتطي ظهر الفرار.. أنت يا سيدي، على الرغم من كل ذلك السحر في عيون امرأة، وبين خصلات شعرها، وما أسفل النحر. أنت يا سيدي على الرغم من كل ذلك، العذاب الجميل، وأنت النبرة والعِبرة، وأنت الصبر في صدور الذين عشقوا الماء طهراً، وعذراً، وبذرة من بذور النماء.. أنت المرساة والشراع، أنت الملهاة واليراع، أنت الطوية والسجية، وصبوة الموجة، ونخوة المهج. أنت جديلة السواحل، وأهداب المحار، أنت رُقية البحار، في معمعة الغزوات المبجلة. أنت اللحن والفن والفنن. أنت نشيد التضاريس على مر الزمن. وأنت السهر والشجن. أنت في المهجة بحر، وفجر، وفخر، ونحر، وقدر..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©