السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأصيل والدخيل في الرومنطيقية العربية

الأصيل والدخيل في الرومنطيقية العربية
23 أكتوبر 2013 20:00
تكمن قيمة أي عمل نقدي جديد يتناول موضوعا قديما في قدرته على تقديم قراءة جديدة يمكن من خلالها الإضاءة على جوانب لم تتم مقاربتها من قبل، أو تصحيح مقولات ومفاهيم سابقة بناء على مقاربة منهجية جديدة يمكنها أن تقود الناقد أو الباحث إلى استكشاف أبعاد جديدة لم يتم إدراكها فيما مضى. من هذا المنطلق يمكن التوقف عند كتاب الدكتور فكتور غريب “الرومنطقية في الشعر العربي المعاصر/ من معلقة أمرؤ القيس إلى الأندلس إلى رواد النهضة” والذي نال عليه شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون الأولى. لكنه قبل العرض لما قدمه الباحث في دراسته لابد من التوقف عند مسألة المصطلح ودلالته الزمانية في استخدامه لمصطلح الشعر العربي المعاصر الذي يعني الشعر الذي ينتمي للحاضر الراهن الحاضر الذي نعيشه كما تدل على ذلك كلمة المعاصر، في حين أنه يحدد الفترة الزمنية التي يستغرقها البحث بالفترة الممتدة من عصر إمرئ القيس وحتى زمن شعراء رواد النهضة، وهي فترة سابقة على زمننا المعاصر، بل ساهمت في التأسيس للتحولات الشعرية الهامة في النصف الثاني من القرن العشرين وما بعد، وهنا ثمة خطأ في استخدام المصطلح الدال على زمن الشعر المعني بالدراسة في هذا الكتاب. منذ بداية الكتاب يظهر غريب حماسا واضحا لموضوع البحث الذي يقوم على فكرة أن الرومنطقية في الشعر العربي هي ظاهرة أصيلة وليست دخيلة عليه وفدت إليه من الشعر الأوربي، ولذلك ينقب في التراث شعر العربي منذ معلقة إمرئ القيس عن تجليات الشعر الرومنطيقي فيه لتأكيد مقولته والبرهنة على صوابيتها، فإلى أي حد نجح في ذلك؟. مقدمة في التجدد تحت عنوان مثير “مقدمة وخطوات في التجدد” يفتتح الباحث كتابه مؤكدا على أن الرومنطقية في الشعر العربي موضوع متشعب لأنه يضعنا في مواجهة تيارات أدبية متعددة، ويجعلنا نرافق محطات الأدب العربي في أحقاب طويلة في الزمن، مع كثرة ما رافق هذا النهج الجديد في الاداب من خلافات في التصور والأهداف. الأمر الذي يدفعه إلى تقديم بعض المعلومات الأولية بهدف تحضير القارئ لولوج هذا العالم المتشعب والمتداخل لكي يتمكن من الوصول إلى الحقائق، وكيفية تأثيرها في الوضع الأدبي العام. يقوم العالم الأدبي وفق تصوره على ثنائية النهج الكلاسيكي والنهج الرومنطيقي الذي يرفض وحدة الزمان والمكان التي قام عليها النهج الكلاسيكي مبقيا على وحدة العمل الأدبي ومفسحا المجال في الآن ذاته أمام حرية الاختيار بعد أن تكون كتيار أدبي في نهاية القرن الثامن عشر. يلجأ غريب إلى عملية استقصاء بستكشف من خلالها ما يحمله الأدب العربي من تراث يتلاءم مع نهج الرومنطيقية، لاسيما ما يتعلق منه بالجديد في اللغة والمضمون بوصفهما القاعدتين الرئيستين في هذه الثورة الأدبية التي شملت العالم، حيث ساهمت تلك التحولات في التحضير للمرحلة الرومنطقية في كل من الأدب الغربي والعربي. وقبل أن يخوض في متن البحث يتناول أولا الرومنطقية في الأدب الغربي والتي كان الأدباء الانكليز أول من عبروا عن هذه النزعة الجديدة في الأدب عبر محاولتهم زعزعة التقليد الأدبي الكلاسيكي، ثم يتابع تمظهراته في الأدب الألماني والفرنسي التي كانت فيها معركة التجديد أكثر عنفا من البلدان الأوربية الأخرى. وقبل أن يدخل في متن البحث يحاول إزالة اللبس الحاصل بين مصطلحي الرومنطيقية والرومنسية، حيث يشكل الأول ثورة أدبية على المفاهيم الكلاسيكية التي كانت سائدة باعتبارها من خلال ما شكلته من انتقال من العام إلى الخاص وما يتعلق به من عواطف ونزعة ذاتية ودعوة إلى الحرية، في حين أن الرومنسية هي الصفة الغنائية للتعبير في المذهب الرومنطيقي، وبذلك تشكل الفرع وليست الأصل، مع العلم أن الرومنطيقية لم تنشأ من أجل الغنائية (الرومنسية) بل مثلت ثورة أدبية لتثبيت الثورة الاجتماعية. ورغم هذا التعريف بالرومنطيقية إلا أنه يجد صعوبة في تعريفها لأنها حركة مركبة ومتنوعة. ما قبل وما بعد يعود الباحث في دراسته إلى المرحلة التي سبقت ظهور الرومنطيقية والتي تميزت بالعودة إلى أحضان الطبيعة والتبشير بزوال التأثير اليوناني ـ اللاتيني في الأدب، الأمر الذي يدفعه لتقصي تلك الارهاصات الأولى في الآداب الغربية. ينتقل بعدها لشرح الخصائص العامة للرومنطيقية في أوربا بعد الثورة الفرنسية التي فتحت المسالك أمام مفاهيم الحرية والأمل بالتغيير. ويجمل هذه الخصائص في الاحتفاء بالطبيعة الأم والعودة إليها بوصفها العالم الغني بالأحلام والخيال والأسرار وبالشخصانية أو النزعة الذاتية أيضا. وإذا كانت هذه العودة إلى الطبيعة والتغني بجمالها قد جاءت ردا على ما أفرزته مدن الصناعة من صخب وضجيج وتدمير للطبيعة، فإن ذلك ترافق مع ميل واضح للعزلة والتوحد مع الطبيعة. ومن الملامح التي ظهر بها هذا الشعر التغني بالتنوع والألوان والجمال إلى جانب هيمنة مشاعر الحب والتعلق بالمرأة والبحث عن الجديد، ما دفعهم للتوجه نحو الشرق الغامض والسحري بحثا عن ذلك. في القسم الثاني من الكتاب والذي حمل عنوان “العناصر التي ساهمت في تهيئة الرومنطيقية العربية” يمكن أن نتوقف عند الفكرة المركزية التي يحاول الباحث البرهنة عليها وهي الكشف عن تلك العناصر التي هيأت لظهور الرومنطيقية العربية مؤكدا على علاقة الترابط في هذا المجال بينها وبين الأدب والقضايا الاجتماعية والسياسية في المجتمع. في مرحلة الشعر الكلاسيكي يجد أن النزعة الفردية كانت هي الطاغية على الرغم من ارتباطه بقبيلته. وأن هناك براعم شعر ملتزم ظهر على الرغم من هيمنة شعر المدائح على المشهد الشعري، في حين أن محاور شعر الطبيعة والحنين وشعر الحب كانت تشكل عناصر رومنطيقية في الشعر العربي الكلاسيكي آنذاك. وبعد أن يقدم نماذج من الشعر العباسي ينتقل إلى الشعر الأندلسي الذي شكل حركة شعرية جديدة. لعبت طبيعة الأندلس الخلابة دورا هاما في ظهورها، ثم ينتقل من البحث في الإطار العام إلى البحث في العنصر السياسي الذي لعب دوره في الحركة الشعرية أثناء الحكم العثماني للمنطقة العربية وكذلك العنصر الاجتماعي الذي ترافق مع العنصر السابق وكان متداخلا معه، وكذلك العنصر الوطني الذي نما في تلك المرحلة وكانت حركة النهضة تتويجا له ما فتح المجال أمام حركة التجديد التي تمثلت في الكلاسيكية الجديدة حافظ إبراهيم وخليل مطران وجماعة الديوان في مصر وبعدهم شعراء المهجروجماعة أبولو. ويركز الباحث في هذا الصدد على تاريخ الحركة الشعرية في لبنان في تلك الفترة نظرا للدور الذي لعبته على هذا الصعيد هناك وفي مصر والمهجر على خلاف ما كان سائدا في سوريا والعراق وفلسطين والمغرب العربي الذي الشاعر أبو القاسم الشابي التجربة النافرة الوحيدة التي تمثلت كل قيم النزعة الرومنطيقية وعبرت عنها بجدارة كبيرة. في القسم الرابع يتتبع غريب المحور الرومنطيقية في الشعر العربي المعاصر كما تجلى في الإحساس بالطبيعة وإعلائ قيمة الحب والتغني به وبروز محور الحنين ونزعة الألم فيه إضافة إلى هيمنة محور الليل عليه. ويفرد لكل من الأديب جبران خليل جبران والشابي وإلياس ابو شبكة وإبراهيم ناجي من مصر فصولا خاصة يتتبع فيها تجليات النزعة الرومنطيقية في أشعارهم يختمها بما كشف عنه من توفر لعناصر رومنطيقية في الشعر العربي القديم وما بعدها ما يدلل كما يرى على أن الرومنطيقية العربية لم تشهد حقبة محددة ضمن أطر ثابتة وإنما عرفت عوامل ساعدت في تشكيل هذا النوع الرومنطيقي من الشعر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©