الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

واشنطن وتصحيح العلاقات مع أميركا اللاتينية

واشنطن وتصحيح العلاقات مع أميركا اللاتينية
15 مارس 2009 03:23
يلتقي غداً الرئيس الأميركي باراك أوباما بنظيره البرازيلي لولا دا سيلفا، الذي كان عاملا بمصنع للحديد الصلب وقائداً نقابياً، وجرى انتخابه للرئاسة في عام ،2002 وفقاً لبرنامجه الانتخابي الداعي لمكافحة الفقر وإزالة الفوارق الاجتماعية في بلاده، التي تعد من أسرع وأكبر اقتصادات الدول النامية· ولن يكون هذا اللقاء الثنائي الرئاسي بحد ذاته حدثاً مزلزلا مثلما كان إعلان أوباما مؤخراً عن استعداده المبدئي للتفاوض مع متمردي حركة ''طالبان''، لكن وفيما لو أراد أوباما تبني سياسات خارجية جديدة تماماً لبلاده في منطقة أميركا اللاتينية، فإن في وسع لقائه بنظيره البرازيلي وحده أن يمهد الطريق لتحول بهذا الحجم في سياسات واشنطن إزاء جارتها الجنوبية· ويكفي لتدشين هذه السياسات، بدء تحالف قوي بين قائدين تمكنا من تخطي حواجز العرقية والامتياز الاجتماعي، التي دامت لعدة قرون من الزمان، بمجرد سعيهما للوصول إلى المنصب الرئاسي في بلديهما· وطوال الفترة الممتدة من عقد الخمسينيات وحتى السبعينيات، كانت واشنطن قد ساندت دائماً جيوش المنطقة، على رغم إطاحتها المتكررة بالحكومات الديمقراطية المنتخبة، وقمعها وتعذيبها لمعارضيها وإرغامهم على الصمت· وخلال عقد الثمانينيات، ومع بدء عودة الديمقراطيات المهزوزة إلى المنطقة مرة أخرى، سعى قادة واشنطن إلى تشجيع الحكومات الجديدة على الانخراط في نهج الرأسمالية والأسواق الحرة المفتوحة· ولكن النتيجة التي أسفر عنها السير في هذا الطريق، هو الحرمان الاقتصادي لغالبية السكان وتركيز العائدات والثروات في أيادي فئات اجتماعية قليلة· وبما أن أوباما قد جد في طريق إصلاح الدمار الذي أحدثته إدارة بوش، فإن عليه أن يعمل على تشجيع الإصلاح الاجتماعي الاقتصادي في المنطقة، بما يعود بالنفع المادي والمشاركة الاجتماعية الثقافية لفئات الفقراء الغالبة في جميع دولها تقريباً· وما قاله أوباما لمواطنيه الأميركيين قبل شهرين، سوف يكون له صدى كبير هنا في البرازيل وجاراتها: إن ما نريده لبلادنا ليس ازدهاراً اقتصادياً باهراً للبعض منا، إنما نريد اقتصاداً مستداماً قادراً على حفز التماسك الاجتماعي لنا جميعاً· وما يتطلع إليه مواطنو دول أميركا اللاتينية هو تلبية حاجاتهم الأساسية المنزلية، وتعليم لائق لأطفالهم وأنظمة حكم علماني· كما يحتاج المواطنون أشد الحاجة إلى الوظائف المجزية والسياسات الفاعلة، بديلا للأصولية والإرهاب والإبادة الجماعية· وترمز أميركا اللاتينية إلى أكبر أمل للدول النامية في السير نحو التحول الديمقراطي والاندماج في السوق الحرة، بما يوفر الحد الضروري الأساسي للحياة الكريمة لغالبية المواطنين الفقراء· وفي أوقات الشدة والخطر، تكون للكلمات أهميتها بقدر ما للتحالفات· وواشنطن اليوم في أمس الحاجة إلى تبني سياسات براجماتية ناجعة وإقامة التحالفات القوية مع جاراتها الجنوبيات، مع العلم أن هذه التحالفات لن تؤثر سلباً على التزام واشنطن بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، إنما تعزز النهج الذي تسير عليه بلادنا، بتوفير نموذج عملي للتنمية المستدامة عبر الوسائل الديمقراطية· وإذا كنا صادقين فعلا فيما نقول، فإن البرازيل هي المكان المناسب لبدء السير في هذا الطريق· فبحكم احتلالها للموقع رقم 11 في قائمة أكبر الاقتصادات العالمية، واحتلالها في الوقت نفسه للمرتبة الثالثة بين الدول التي لا تتحقق فيها العدالة الاجتماعية الاقتصادية بين المواطنين عالمياً، تمثل البرازيل محك اختبار عملي لأهم ما نردده من مقولات حول مزايا وإمكانات التحول الديمقراطي: في وسع الديمقراطية تحسين المستوى المعيشي للشعوب، تعزز المواطنة في ظل النظام الديمقراطي ومؤسساته شعور الفرد بالمشاركة وتحسن وضعه الاجتماعي الاقتصادي، في مقدور الدول الديمقراطية أن تكون قوى رئيسية في تحقيق طموحات الحكم الذاتي والعدالة الاجتماعية في ظل اقتصاد العولمة· وخلال الخمس والعشرين سنة الماضية، شهدت التجارب الديمقراطية في دول المنطقة نمواً واتساعاً ملحوظين· وتمكن المبتكرون -أفراداً وجماعات- من ابتكار وسائل وحلول عملية لمشكلتي الفقر والإقصاء الاجتماعي الاقتصادي· وفي المنحى نفسه، انتقل ناشطو القواعد الشعبية من الشوارع إلى المؤسسات، حيث يشاركون في الانتخابات وإدارة الحكومات المحلية وتصميم مبادرات تعزيز مؤسسات المجتمع المدني الجديدة· وفي الوقت نفسه، بدا قادة الاستثمار في دول القارة أكثر اهتماماً وقلقاً إزاء مشكلتي الفقر والفوارق الاجتماعية الكبيرة بين المواطنين· فبسببهما أصبح العنف والجريمة يهددان أمن أصحاب الاستثمار ويعرضان حياتهم للخطر· وبفعل تأثيرهما السلبي أصبحت الاستثمارات غير قادرة على تأمين الأيدي العاملة المدربة، التي تمكن الاستثمار المحلي من البقاء في سوق المنافسة العالمية· وتكاد تكون هذه هي المرة الأولى من نوعها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، التي تدرك فيها النخب الاستثمارية في دول المنطقة، حقيقة أنه بات لزاماً عليها إعادة النظر والتفكير في الطريقة التي تدير بها الاستثمارات، حتى تتمكن من مكافحة الفقر والبؤس المحيطين باستثماراتها من جميع الجهات· ولا ريب أن من شأن هذا الاهتمام المشترك في كل من الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل بمشكلتي الفقر والفوارق الاجتماعية الاقتصادية بين المواطنين، أن يوفر مجالا للمناورات والمساومات السياسية بين قادة البلدين· وفوق ذلك كله يبدي أوباما ودا سيلفا استعداداً لإعادة النظر في مجمل علاقاتهما الاقتصادية، خاصة في ظروف تصاعدت فيها الشكوك في كل النظريات الاقتصادية السائدة· وربما يأتي لقاء أوباما ودا سيلفا فرصة مناسبة لتصحيح العلاقات بين واشنطن ودول أميركا اللاتينية، إضافة لفتحه الطريق أمام الإصلاح في المنطقة· جيفري دبليو· روبن أستاذ التاريخ ومدير مشروع الإصلاحات المستدامة بجامعة بوسطن إيما سوكلوف روبن محررة مشاركة بمجلة Globalist بجامعة يل ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©