السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سياسة مخيبة للآمال

15 مارس 2009 03:24
خلال متابعتي لأوباما أثناء الانتخابات التمهيدية، كنت أرى فيه -على رغم اختلافي معه بشأن مواضيع كثيرة- مرشحاً يدافع عن المثالية والبلاغة مقابل آلة هيلاري التشكيكية، واعتبرت أنه يجلب حساسية دينية لمسائل مثل العدالة الاجتماعية، ويهتم بحجج الآخرين ويتفهمها، ويشكل تبايناً مع سياسة ثقافة الحرب· وبعد أسابيع معدودة من حكمه تبدو هذه الصورة اليوم مثل صورة مكسورة قديمة داخل درج المكتب· فمقترح ميزانية أوباما يُظهر كل رؤية وصفات رئيس لجنة يستعمل ذريعة أزمة مصرفية لم تُحل بعد من أجل تمرير قائمة تمنياتٍ ليبرالية طويلة قبل أن يلاحظ أي شخص تكاليفها وتداعياتها· وهكذا، تحول التعهد بـ''المسؤولية'' إلى ازدياد كبير للديْن، وإلقاء دائم للوم على الآخرين، وإثارة مفتعلة للجدل مع شخصيات إعلامية محافِظة بهدف تقسيم الناخبين· وتحول التعهد بـ''النزاهة'' و''التضحية'' إلى ضمانة ماكرة على ما يبدو لما لا يعد ولا يحصى من المزايا والفوائد العامة على حساب البعض· وتحول التعهد بـ''التعاون الحزبي'' إلى محاولة لإغضاب ''الجمهوريين'' وإذلالهم· والحقيقة أنه لا شيء من هذا جديد أو استثنائي -وهذه هي الفكرة التي أودُّ أن أوضحها- لأن تلك بالضبط هي الطريقة التي تجري بها الأمور دائماً في عالم السياسة الأميركية· بيد أن قرار أوباما بشأن استئناف البحث العلمي الخاص بالخلايا الجذعية كان الأسوأ لأنه شيء لم يقم به أحد من قبل؛ ذلك أن أوباما، كما يقول يوفال ليفين من مركز الأخلاقيات والسياسة العام: ''يتجاهل عن قصد الطابع الأخلاقي المعقد للموضوع ويقول إنه يتفهم آراء خصومه، والحال أنه لم يتناولها أبداً أو يرد عليها· ويبدو أنه يتبنى الفكرة التي تقول إن النقاش حول الخلايا الجذعية يطرح خياراً بين العلم والجهل؛ والحال أن هذا النقاش يتطلب في الواقع قدراً كبيراً من التدقيق والتمحيص· وعليه، يمكن القول إن مقاربة أوباما تبسيطية -حجة من النوع الذي يُرَد عليه بالإيماء في حفلات الأصدقاء بدلا من الانخراط واحترام الاختلاف· وإحدى مآسي هذه الخطوات المثيرة للانقسام تكمن في حقيقة أنها تحجب وتغطي على عناصر من أجندة أوباما تستحق الإشادة والدعم، ومن ذلك مثلا توسيع برامج إطعام الأطفال وضمان حصول أطفال الأسر منخفضة الدخل على وجبتي الفطور والغداء خلال هذه الأوقات الاقتصادية العصيبة، وهو برنامج صائب أخلاقياً واقتصادياً شأنه في ذلك شأن التمويل الكامل لـ''قانون الفرصة الثانية'' الذي يساعد السجناء السابقين على الاندماج من جديد في المجتمع؛ وزيادة التمويل المخصص لعلاج الإيدز، وبخاصة في أوساط الأميركيين الأفارقة والأميركيين من أصول لاتينية؛ ومواصلة الالتزامات تجاه القضايا المرتبطة بالتنمية والصحة العالميتين· ويفترض أن تكون هذه الأمور موضوعات اتفاق مشترك في سياستنا· والحال أنها موضوعات يتم تجاهلها بشكل كامل خلال لعبة الخطر الإيديولوجية التي شجعها أوباما -صراع حزبي جعل ''جمهوريي'' الكونجرس أقل ميلا إلى دعم حتى مبادراته الجيدة· ولئن كانت ميزانية أوباما قد لاقت الإشادة والاستحسان من قبل الخبير الاقتصادي روبرت ريتش باعتبارها ''مسماراً في نعش الاقتصادات الريجانية'' (نسبة إلى ريجان)، فإن ''الجمهوريين'' يهاجمون الميزانية للسبب ذاته· غير أن كلا الجانبين على صواب في تحليلهما· فحين يبتهج الليبراليون ويغتاظ المحافظون، فذلك ليس مؤشراً على تجاوز مرحلة التعصب الحزبي قطعاً، بل هو مؤشر على أن خلافاتنا استُغلت وتعمقت· والبعض يعجبه هذا النوع من السياسة؛ ولكنه أمر لا يدعو للاحتفال لأن الحرب الإيديولوجية تخلق جواً يغلب فيه الغاضبون -ويمكن أن تزيد الغضب داخلنا جميعاً· مايكل جيرسون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©