الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بصمة الحشرات

26 أكتوبر 2011 21:44
نتائج الأبحاث العلمية التي تجني البشرية ثمارها كل لحظة، لا تأتي من فراغ، وإنما هي ثمرة فكر ومثابرة وجهد منظم، يستند إلى الملاحظة العلمية الدقيقة. لنا أن نتخيل كيف تساعد ذبابة حقيرة، أو نملة لا نكاد نراها بالعين المجردة على كشف لغز جريمة غامضة، ليساق صاحبها إلى حبل المشنقة! القصة بدأت منذ أن قُتل مزارع صيني بضربة منجل عميقة قبل ألفي عام في ظروف غامضة، وعلى الفور جمع عمدة القرية المزارعين وأمرهم بالوقوف أمامه، ووضع مناجلهم على الأرض، وعدم الإتيان بأي حركة، وما هي إلا دقائق معدودة، حتى تجمع الذباب على أحد المناجل، فعرف أن صاحبه هو القاتل، لأن الذباب جذبته رائحة الدم حتى بعد غسل المنجل! من هذا اليوم أصبحت علاقة الحشرات بالجريمة علماً يدرس، وأصبح علماء الحشرات لا يقلون أهمية عن خبراء الأدلة الجنائية، فالفكرة هنا تعتمد على حقيقة أن جثة الضحية تتحول فور وفاتها إلى مرتع خصب، وبيئة جاذبة للحشرات وتكاثرها، وبدراسة العلاقة بين الطرفين، أصبح هناك ما يعرف ببصمة الحشرات التي تؤخذ كدليل دامغ في جرائم القتل وإدانة المجرمين! تطور هذا التخصص، الذي لم يكن معروفاً قبل عام 1980 على يد العالم الأنثروبولوجي المتخصص في دراسة العظام القديمة «بيل باس» في جامعة تينيسي الأميركية، وهو الذي اختار دراسة تحلل جثث البشر، ورصد التغيرات التي تطرأ عليها بكل دقة. وأول ما لاحظه «باس» أن الذباب يحط فوق جثة الميت في الدقائق الثلاث الأولى، ويعمد إلى وضع بويضاته في الفم والأنف وثقوب الجسم النازفة، وبعد وقت معلوم تتحول تلك البويضات إلى يرقات تتعمق داخل الجسم بحثاً عن الدفء والغذاء. وبمقارنة مراحل التوالد والتكاثر مع الطقس والبيئة المحيطة يمكن استنتاج زمن ومكان الوفاة ! ولا يقتصر الأمر على الذباب فقط، فالنمل مثلاً يأتي إلى الجثة ليتغذى فقط على بويضات الحشرات، والخنافس تنخر اللحم بطريقة معينة لتفقس فيه، والبعوض لا يقدم على الجثة ألا وهي طرية حتى يتمكن من مص دمائها، والطيور تلتهم اللحم في وقت محدد، وحشرة «القراد» تنتفخ من الشَبع في مراحل معينة يمكن معرفتها وقياسها.! لقد لاحظ «باس» أيضاً أنه يمكن للحشرات أن تنبئ عن طبيعة المكان والبيئة المحيطة، فعلى سبيل المثال هناك جثة وجدت في تكساس اكتشف خبراء الحشرات أنها قتلت في غابات الينوي لأن بويضات الحشرات الموجودة داخلها لا تعيش إلا في تلك المنطقة. كما أدين شخص بقتل زوجته، لأن الخبراء وجدوا في حذائه نملة عمرها ثلاثة أيام فقط، تعود إلى مستوطنة للنمل ـ وجدت جثة زوجته بالقرب منها ـ قبل ثلاثة أيام فقط. وفي قضية أخرى ادعى رجل أنه وجد شقيقته منتحرة خنقاً، من خلال ربط رقبتها بحبل ثبت بنافذة غرفتها المفتوحة، لكن بفحص الجثة لم يجد الخبراء أثراً للذباب، مما دل على أن النوافذ كانت مغلقة في آخر 24 ساعة فاعترف بقتلها.! مثل هذه الحالات تثبت كيف يمكن لبصمة الحشرات أن تتحول إلى دليل إدانة يضاف إلى بصمة الأصابع والعيون والحمض النووي. المحرر | khourshied.harfoush@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©