الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التغريب بلبوس التنوير

التغريب بلبوس التنوير
27 يناير 2011 10:45
“سلامة موسى وإشكالية النهضة”.. عنوان كتاب الباحث والناقد المغربي د.كمال عبداللطيف، صدرت منه طبعة جديدة بالقاهرة، ضمن أعمال مكتبة الأسرة. والدراسات نادرة عن سلامة موسى، ويبدو ان النقاد والباحثين قد نسوه تماما، فمنذ كتاب غالي شكري عنه وكتاب محمود الشرقاوي، لم يتذكره احد في مصر، وقد صدرا بعد وفاته بسنوات. وفي العام الماضي مر نصف قرن على وفاته ولم يتذكره احد. ولد سلامة موسى في عام 1887 لأسرة قبطية مصرية، وعمل بالصحافة، وصار محرر مجلة “الهلال” في العشرينيات من القرن الماضي وأسس مجلة “المستقبل” كما أصدر “المجلة الجديدة” عام 1929 وهي أول مجلة تنشر لنجيب محفوظ، وكان محفوظ قد حصل لتوه على شهادة البكالوريا، اي الثانوية العامة. وأصدر سلامة موسى أكثر من أربعين كتابا كان الاول منها عام 1910 بعنوان “مقدمة السوبر مان” وتوفى عام 1958 وصدر آخر كتبه بعد وفاته عام 1963 بعنوان “الصحافة حرفة ورسالة” وأصدره نجله د.رؤوف سلامة موسى. ويتميز الكتاب الذي بين ايدينا بأنه يتخذ موقفا نقديا مما يسميه مشروع سلامة موسى، أو “المشروع الموسوي” وهو ينتقده من موقع غير أصولي، فالأصولية اعتبرت سلامة موسى مبكرا من خصومها، وهو كان كذلك، واعتبروه “عميلا للغرب” وربما لهذا الموقف الأصولي يبالغ أنصار موسى ومحبوه في تمجيده والدفاع عنه، ومعظمهم يقف أمامه بانبهار نجح د.كمال عبداللطيف في تجنبه. عاملان حاكمان “المشروع الموسوي” محكوم بعاملين حاكمين يرتبطان معا، الاول انه ولد وعاش في فترة الاستعمار البريطاني لمصر، وسيطرة الاستعمار الغربي على المنطقة العربية بأكملها، فقد احتل البريطانيون مصر عام 1882 اي قبل مولده وهناك كذلك التأخر الحضاري، وذلك كان سابقا على الاحتلال والواقع انه يصعب الفصل بين العاملين، فالتأخر الحضاري يؤدي الى الضعف ومن ثم الوقوع تحت هيمنة الاستعمار. والاستعمار كذلك يتغذى على التأخر فبقاؤه مرتبط بوجود التأخر الحضاري، ومن جهة اخرى فان المشروع الموسوي ـ كما يسميه ـ ينتظم في إطار مشروع النهضة العربية أو افق الفكر النهضوي المعاصر، ويصنف جهد سلامة موسى باعتباره “خطابا معززا لدعاوى التيار الليبرالي”، وبهذا المعنى فإن سلامة موسى لم يكن كما يراه المبهورون به مؤسسا لتيار جديد، ولا فكر خاص. ورفض سلامة موسى الحلول والمواقف التوفيقية ورآها غير مجدية، فهي تقوم على إمكانية الجمع بيت تقنية الغرب واخلاق الشرق، وهو حل يتضمن رفضا مكتوما للغرب باعتباره في النهاية مجرد هيمنة استعمارية مقنعة. كان سلامة يستعمل مصطلح “الشرق” ورفض كل الحلول التفويقية، هو كذلك رفض عموما الحلول والاختيارات السلفية. ويرى الباحث المغربي الجانب الإيجابي في مشروع سلامة موسى في دعوته الى نبذ الماضي وأحداث قطيعة كاملة مع الماضي، وبدا له ان اي ارتباط بالماضي هو استمرار هيمنة اللاهوت ولذا يجب ان نهجر الماضي، ولكن هذا الهجران يعني التضحية بالهوية، وهو لا يمانع اذا اقتضت الأمور التضحية بالهوية من أجل الوجودية فالتشبث بالهوية يؤدي الى مزيد من التأخر ومن ثم الضعف امام الغرب والاستعمار وهذا يعني في النهاية إلغاء وجودنا، كما حدث للهنود الحمر في اميركا، ومن ثم فإن الوجود مقدم على الهوية، باختصار لم يتعامل مطلقا مع التراث، ولا حتى بشكل انتقائي، واتخذ منه موقفا ايديولوجيا راديكاليا، يقوم على استبعاده. ويحلل الباحث ذلك الموقف ويعيده الى عدة عوامل من بينها إيمانه الكامل بالحضارة الغربية وضرورة الأخذ بها، ومن هنا فإن مشروعه كان “تغريبيا” وهو قرر من البداية ان النهضة لن تتحقق في الشرق دون الاخذ بالعقلانية الغربية كاملة، ولا يستبعد الباحث العنصر الطائفي، فقد كان قبطيا، ولذا كان قلقا من فكرة الجامعة الاسلامية التي نادى بها الافغاني ومحمد عبده، فقد كانت تعني عنده السلفية وهو القبطي، مثل كثير من المثقفين المسيحيين العرب، عانوا التهميش والاستبعاد في العصر العثماني لذا دعوا الى نشر قيم الحرية والعلمانية أي التي تقوم على التسامح الديني ولا يعني ذلك التشكيك في وطنية سلامة موسى والاقباط، ذلك ان الوقائع التاريخية في مصر تكشف عدم اختلاف المواقف السياسية للاقباط عن المواقف السياسية العامة لباقي الشعب المصري. دعوة تغريبية وفي إطار إيمانه بضرورة الأخذ بقيمة وأفكار الحضارة الغربية دعا سلامة موسى في وقت من الأوقات الى الكتابة بالحروف اللاتينية ولم يكن وحده بل سبقه عبدالعزيز باشا فهمي الذي تراجع عن دعوته بعد ذلك وصار عضوا في مجمع اللغة العربية، وتراجع عنها كذلك سلامة موسى. ودعا سلامة موسى الى الفرعونية في وقت ما أي العودة إلى مصر القديمة باعتبارها أم الحضارات. وكانت دعوته تلك ردا على دعوة الحزب الوطني وزعيمه مصطفى كامل ثم محمد فريد للارتباط بالدولة العثمانية، بديلا عن القومية المصرية ولمواجهة الاحتلال ولذا فقد تعلق سلامة بدعوة لطفي السيد الى القومية المصرية وحاول التنظير لها والدفاع عنها. يأخذ الباحث على سلامة موسى انه كان انتقائيا في تعامله مع الفكر الغربي ولم يأخذ محورا فكريا موحدا ومحددا بل تجاذبته تيارات فكرية مختلفة ومتباينة مثلا تأثر طه حسين بمنهج الشك الديكارتي واتجه العقاد الى المدرسة الانجليزية اما لطفي السيد فكان متأثرا بأرسطو وحرص على ترجمة كتبه الى العربية اما سلامة موسى وهو مجايل لهم فنجد لديه النيتشوية نسبة الى الفيلسوف الالماني نيتشه، وكذلك الاشتراكية كما هي عند برنادشو، ثم هناك نظريات وآراء علمية مختلفة مثل الداروينية. ويقول المؤلف د.كمال عبداللطيف “نجد ان كل فترة من فترات النضال الثقافي الموسوي تعلن تبعيتها لنتاج فكري غربي” ويرى انها محاولة استنساخ جوانب من التاريخ الثقافي الغربي ومحاولة السير على منواله “بالصورة التي تجعل الشرق غربا”. هذه الانتقائية يقف وراءها هدف نبيل وهو الرغبة الجادة في تجاوز الوضع المأزوم والتأخر الحضاري، بإحلال العقلانية وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومواجهة النظرية السلفية وممارساتها وإقامة المجتمع المدني، لكن هذه الانتقائية أضعفت كثيرا مشروعه، وبصياغة المؤلف “ان الانتقائية هنا تقوم بتدمير الخطاب الموسوي، تبعد عنه كل تماسك ممكن، حيث يصبح مجرد خطاب في المنوعات، وتصبح موسوعيته موسوعية منوعات، ذلك انه بإمكاننا ان نكتشف في بعض مراحل تطوره الفكري عنايته بقضايا ذاتية تافهة، نصائح للمسنين، مشاكل المطبخ المصري، حيث يتحول خطاب النقد الراديكالي الى خطاب مصالحة ومهادنة وتسلية”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©