الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مهرجان الفنون التركية في أبوظبي يحيي مفهوم السياحة التراثية

مهرجان الفنون التركية في أبوظبي يحيي مفهوم السياحة التراثية
26 أكتوبر 2011 21:42
تتواصل فعاليات المهرجان الثاني للفنون التركية الذي يقام في مدينة أبوظبي للسنة الثانية على التوالي، بالكثير من أوجه السياحة غير الاعتيادية التي تتمحور حول الموروث الحرفي. فالاطلاع على حضارات الشعوب، يتعدى الجانب البارز منها ليتغلغل في تفاصيل إبداعاتها. وهذا ما يظهره الحدث السياحي بتركيزه على فنون “السيراميك” و”الإزنيق”، وروعة الرسم على المياه الزيتة “آبرو” وتحويلها إلى لوحات ناطقة إما على الورق أو على القماش. أجواء التراث التركي المغلف بالألوان الصارخة التي تعود مئات السنين إلى الوراء، تحضر في منتجع وفندق “شيراتون” - أبوظبي الذي يستضيف الحدث. وهناك حيث النماذج الفنية موزعة في أكثر من ركن، يطل الجانب الثقافي، بحضور أبرز الأسماء التي قدمت خصيصاً من تركيا لتتحدث عن أسلوبها الفريد في الحفاظ على حرف الأجداد. ومن بينهم فنان الرسومات العائمة أتيلا كان وفنان “السيراميك” محمد جورسوي الحائز جائزة “اليونسكو للكنوز البشرية الحية” لعام 2009، والذي يعيد إحياء فن “الإزنيق” التركي من خلال أعماله المميزة. وكذلك عازف الجيتار الشهير إيمري سونميزلر الذي وصل إلى أبوظبي قادماً من مدينة “بودروم” ليقدم مع 3 من أعضاء فرقته لوحات من الإيقاعات الموسيقية التقليدية. حبر عشوائي كان الفنان التركي أتيلا منشغلاً في رسم إبداعاته على الماء، عندما لمحنا التفاف الناس حوله. كانوا ينظرون إليه بدهشة للتعرف إلى السر الكامن وراء فنه الشهير والمعروف باسم “الآبرو”. وخلال أقل من 10 دقائق، خرجت من بين يديه قطعة من الورق المزركش بألوان متناسقة كانت مجرد حبر عشوائي يسبح في الماء، عدته فرشاة مصنوعة من وبر ذيل الحصان وحوض من خشب الصنوبر ومجموعة أصباغ يصبها بكميات وأبعاد متفاوتة. يمسك فرشاته ويغمسها بمسحوق الألوان ثم يخط أشكالاً متباينة على الماء مستعيناً بخفة الحركة المطلوبة لإنجاح هذا النوع من الفنون. وهكذا يعيد الكرة برشاقة حتى تكتمل لديه الصورة. وعلى الرغم من قصر الفترة الزمنية لترجمة هذه الفكرة المبهمة، غير أنه في مراحل مختلفة من عمله يستعين بأكثر من أداة. أما الخطوة ما قبل الأخيرة التي يقوم بها الفنان كان، فهي الإمساك بالورقة من أطرافها بأسلوب متقن، وجعلها تنزلق على مهل داخل الحوض المموج بالأصباغ ومن ثم رفعها بحرفية. وهنا يكتمل الإبداع عن لوحة تجريدية مطبوعة بجمالية استثنائية. ويقول الفنان أتيلا كان عن مبادئ الرسم على الماء الذي يكرس حياته للتثقف به: “إن فن “الآبرو” أو “الماربل”، عبارة عن ابتكار تصاميم حية من خلال الرسم بالألوان على المياه، ومن ثم نقلها على الورق أو القماش”، ومن خلال العروض التي يقدمها أثناء ممارسته لتشكيل لوحاته، يمكن للمتفرج أن يكون نظره شاملة عن طبيعة فنه. ويذكر الفنان التركي أن الرسم على الماء يستمد جذوره من بلاد تركستان منذ القرن الثالث عشر، مشيراً إلى أن روايات الأقدمين تؤكد أن هذا الفن انتشر من تركيا إلى البلدان المجاورة ومنها إلى الصين والهند وبلاد فارس والأناضول. “وقد استخدم الخطاطون والفنانون السلجوقيون والعثمانيون فن الرسم على الماء لزخرفة الكتب والمراسيم الملكية والمراسلات والمستندات والوثائق الرسمية. وتم ابتكار تقنيات وأشكال فنية جديدة على مر السنين، حيث ظلت تركيا المركز الرئيسي لفن الرسم على الماء لقرون عدة”. حتى عشرينيات القرن الفائت، احتفظ أصحاب هذا الفن بورش عمل في إسطنبول، وقد أنتجوا الكثير من الأعمال الفنية ووزعوها في الأسواق المحلية والأوروبية، إلى أن عرف هذا الفن بفن الورق الرخامي. وسمي بهذا الاسم لأنه “ينتج لوحات تشبه أشكال الرخام بعدة ألوان والتي تستعمل لغايات زخرفية في فن الخط”. وهكذا فقد عبرت تقنية الرسم على الماء بلاد الأناضول موطن الأتراك قديماً، ثم حطت الرحال في مدينة “بخاري” في تركستان مروراً بإيران، حيث عرفت بفن “الآبرو”. وبعد جولات وصولات، عاد هذا الفن ليستقر من جديد في الأناضول، حيث وجد مبدعين يهتمون بتطويره وحفظه من عبث الزمن والاندثار. وأكبر دليل على ذلك أنه منتشر في بلاد الغرب، حيث يعرف بفن الورق الرخامي التركي. وأكثر ما يمنح هذا الأسلوب الرفيع من الرسم، قيمته الفريدة التي لا تقدر بثمن عند الذواقة، هو أنه لا يحتمل التكرار أو النسخ. فمن غير الممكن صناعة نماذج مشابهة منه أو حتى تقليدها، وذلك لاختلاف درجة الألوان الممزوجة بالمياه، وللفرق بين حركة اليد من عمل لآخر حتى مع الفنان نفسه. كنوز بشرية بالنظر للمعروضات القيمة لأواني السيراميك المزينة برسومات مستوحاة من مفهوم الحدائق التركية بورودها وطيورها، تتبادر إلى الأذهان استفسارات عن أصول هذا الفن الذي يستضيفه فندق “الشيراتون” - أبوظبي. وفي حديث لـ”الاتحاد” يذكر الفنان التركي محمد جورسوي الذي كانت له إضافات واضحة في تعزيز هذا الإرث، أن فن “الإزنيق” لم يرتق إلى سلم التطور إلا في القرن السادس عشر، بعد معركة “جالدران”، حيث اضطر حرفيو “السيراميك” في “طبريز” إلى الانتقال باتجاه مدينة “إزنيق”. “وهي مدينة صغيرة في الأناضول شهدت هجرات متتالية لكونها آمنة وهادئة وتشكل بيئة مناسبة لممارسة الأعمال الحرفية بعيدا عن التوترات العسكرية والقتالية. وفي أواخر القرن الخامس عشر استبدل الطين الفخاري الأحمر المصنوع في “إزنيق” بمادة بيضاء مؤلفة من “السيليكا” بنسبة 80 % ومن الزجاج الملون والطين الأبيض بنسبة 10% لكل منهما”. ويوضح الفنان أنه مع مرور السنين اعتبرت الخزفيات والفخاريات الإزنيقية بيضاء الأسطح، ابتكاراً عظيماً في حينه. فهي سهلت على الحرفيين الكثير من المتاعب ورحلات البحث عن مواد بديلة. وكانوا يستخدمون 7 ألوان في تركيبات مختلفة لتحقيق الجماليات المطلوبة في هذا الفن. وهي: الأزرق، الأرجوان، الأحمر، الأخضر، الأزرق، الفيروزي، الرمادي، والأسود”. ويشير الفنان محمد جورسوي إلى أن الألوان الداكنة لم تكن مستحبة في ذلك الزمن، وكانت استعمالاتها تقتصر على تحديد الرسومات أو على ملء فراغات محدودة وحسب. والسبب أن النمط العام للألوان الزاهية كان يفرض أجواءً من التفاؤل الذي يعتبر مصدر القوة والانتصار. ويذكر أن الباحثين مازالوا حتى اليوم يجتهدون لاكتشاف معلومات جديدة عن هذا النوع الرائع من السيراميك الذي تحظى تصاميمه بإقبال متزايد. يعتبر الفنان التركي محمد جورسوي الحائز جائزة اليونسكو لـ”الكنوز البشرية الحية” لعام 2009، أحد أبرز الحرفيين الذين يحيون إرث “الإزنيق”. وقد مارس وعلم فنون “السيراميك” وصناعة الخزفيات الراقية على مدى 27 عاماً، وتشهد محافل المعروضات الدولية الموقعة باسمه على دوره في إحياء فن “الإزنيق” التركي. وقد نال جورسوي جوائز عدة في أنحاء تركيا وخارجها، وحظي بتقدير عالمي على إبداعاته. ومما لا شك فيه أن الفنان يعتمد خطوطاً فريدة في تقنيته التقليدية المستوحاة من المخطوطات الإزنيقية القديمة التي واظب على دراستها لسنوات طويلة. يقول: “لطالما حلمت بتغيير الرسومات النمطية لهذا الفن، لكنني لم أجد أجمل منها للتعبير عن نمط الحياة المرفهة التي وجدت من أجلها. وعليه، فقد اكتفيت في تعزيز الألوان التي أستخدمها كنوع من ضخ المزيد من الفرح والإشراقة على أعمالي”. ويلفت إلى أنه يضع كل طاقته حتى يبقي على هذا الفن موجودا ومتوارثا بين الأجيال. “هذه القطع الجميلة قد لا تبقى حاضرة بيننا إلى الأبد لتخبرنا عن عظمة التراث، لذا فإنه من واجبنا أن نحيطها برعاية خاصة تضمن رسوخها وعدم اندثارها”. وبهذه الأفكار النيرة تمكن جورسوي من الدخول عبر فنه إلى المسابقات العالمية، حيث نال الجائزة الأولى في الرسم على الأطباق والأواني خلال أول مهرجان عن “السيراميك” كان أقيم عام 1986. حاجب العين كلمة «أبر» أصلها فارسي، وهي تحمل معنى السحاب، بينما تعني كلمة “آبرو” حاجب العين أو الورق والقماش الملونين بشكل مموج يشبه حاجب العين. ويعتبر الخطاطون المسلمون من أكثر الناس شغفاً بهذا الفن والذين أولوه الرعاية والاهتمام الكبيرين عبر مر العصور. ولتعلمه وإعادة الاعتبار له، أقيم في تركيا مطلع التسعينات من القرن الماضي قسم لتدريس فن “الآبرو” في أكاديمية الفنون الجميلة بجهود من الفنان حكمت بارودجي جيل، الذي ما زال وزوجته حتى اليوم يعلمان الأجيال التركية أصول هذا العلم. طريق الحرير يقدم فن “الآبرو” جماليات مشوقة لخطوط تخالها أولا وهمية، ثم سرعان ما تكتشف أنها آخذة في الإبداع اللامتناهي. وهو فن يدوي ما زالت تتوارثه الأجيال منذ مئات السنين. يقال إن موطنه الأصلي مدينتا بخاري وسمرقند اللتان انتقل منهما إلى بلاد فارس في القرن التاسع الميلادي، وبعدها وصل إلى تركيا أو بشكل أدق إلى جنوب القوقاز ثم هضبة الأناضول عبر حركة التجارة الناشطة حينها على طريق الحرير. ومع انتقال هذا الفن العريق إلى أوروبا، لم يعد يقتصر على الرسم فوق القماش، وإنما أصبح يستعمل في الرسم على الورق وفوق قطع الخشب والسيراميك والقيشاني والشمع. أزرق وأبيض مع قيام السلطنة العثمانية في أوائل القرن الرابع عشر، كان فن “الإزنيق” مستوحى بالجزء الأكبر من فن “السيراميك” الصيني الذي كان يحظى بقيمة ثمينة عند السلطان العثماني. ولما كان “السيراميك” بعيداً عن منال الحرفيين، عمد هؤلاء إلى صنع الأواني من تركيبة خزفية خاصة، وهي عبارة عن خليط من طين “السيليكا” والزجاج. وكل ذلك مرده إلى الرغبة في تقليد الخزفيات الصينية التي لطالما أبهرت العالم الإسلامي. وكان لابد وبأمر من السلطات العليا، بإتقانها وجمعها بكثرة في البلاط الملكي العثماني والفارسي الذي طغت على تصاميمه أهم هذه المجموعات الخزفية المستوردة من اللونين الأزرق والأبيض.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©