الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

دان براون: الحقيقة تحتاج التخلي عن الأفكار العمياء

دان براون: الحقيقة تحتاج التخلي عن الأفكار العمياء
8 نوفمبر 2014 00:26
نوف الموسى (الشارقة) التجسيد الكوني لمفاهيم الدين والعلم، باعتبارها الجدلية الأعمق على مر التاريخ البشري، في فهم الحقيقة عبر الأسئلة، وهذا الاجتثاث المستمر في البحث الروحي رغم كل التطورات والإجابات التي يقدمها العلم، يختزلها الروائي الأميركي دان براون، مؤلف «شفرة دافنيشي»، بالإنسان، كونه يمثل ممرات من الطاقة، وأن الدين والعلم شركاء في صناعة الحقيقة، وأن الصراع نشأ بينهما نتاج اختلاف اللغة والتجربة الثقافية بين مختلف الحضارات. ويرى براون أننا نعيش في منطقة مثيرة، فالخط بين الأديان والعلم اتسم في البداية بالضبابية، وفجأة بدأت الاكتشافات الفيزيائية تشهد أن كل شيء له تجربة دينية، وعلى إثره مثلاً، توجه رهبان البوذا لقراءة كتب الفيزياء، مؤكداً خلال حضور صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، أول من أمس، أن زيارته لمعرض الشارقة للكتاب في دورته الـ 33، فرصة تعرفه على المنصة التعليمية للجامعة الأميركية، عبر شرح قدمه له سموه في جولة تعريفية، ذكرته بالفهم العميق للبيئة التعليمية وتأثيرها عليه، في كونها مساحة تجمع الأفراد من مختلف الأديان والجنسيات والألوان والمعتقدات الثقافية، في جوقة تعزف للمعرفة وإعادة اكتشاف الكون. النشأة بين المتناقضات! استمر مشهد تدفق الجمهور، الذي قدر عدده بحوالي ثلاثة آلاف شخص، إلى قاعة الاحتفالات، لحضور مناقشة الروائي الشهير دان براون أشهر مؤلف قصص الخيال والإثارة، طارحاً أسئلة عن مكنونات تلك الشخصية، التي تصنف بين أبرز المؤثرين في العالم، خاصةً أن حديثه البيوغرافي عن طفولته وانتقالاته في الفهم، استوقفت مجموعة من الحضور، وهم فئة الفتيان تحديداً والأطفال ما فوق سن العاشرة. ويحق للقارئ أن يتخيل شكل ردة فعل المتابع لحديث براون، وهو يحمل معه لوحة الأرقام الخاصة بسيارة والديه، قائلاً حولها: «أعلم أنكم هنا، تقدرون اللوحات المميزة لسياراتكم، ففكرت أن أقطع نصف العالم، حاملاً معي اللوحات الخاصة بوالدي، حيث أن أمي كانت تمتلك (فولفو) حمراء ولوحة سيارة كتب عليها «كيري» وهي كلمة يونانية تعني «الرب»، الذي يوحي بعلاقتها المتأصلة مع الكنيسة. أما والدي مدرس الرياضيات، وصاحب المؤلف الأكثر مبيعاً عالمياً في الرياضيات المتقدمة، فقد حملت لوحة سيارته الـ«ميني» كلمة «ميترك»، والذي في اعتقادي استوحى نظام وحدة القياس المعروف بالنظام «المتري»، أستطيع القول إنني نشأت بين تلك الرؤيتين المختلفتين، والتي عاشت ولاتزال في مفاهيم الفجوة بين إدراك الوجود وفهمه عبر تساؤلاتنا المستمرة، والإجابات التي حملت مفهوم التناقض باستمرار هي الأخرى».الرحلة مع براون، في داخل النص الروائي، على مستوى الإثارة، مختلف عنه في الطرح المباشر للنص الفكري، إلا أن الأخير لا يزال مستمراً في بحثه عن الشفرة المفقودة، منذ بداية شغفه بالشموع والأجراس في داخل الكنيسة، التي اعتاد على زيارتها، ومشاركة أمه الطقوس الدينية، مروراً بالمخيم الصيفي، واجتماع عائلته فوق قاربين ملتصقين، حيث يَتلون في حضرة البحيرة الصامتة، نصوصاً مقدسة، ممتنين فيها لنعم الرب. قرر براون وقتها كسر القواعد المقدسة، وتجاوز مرحلة الملل المستميتة التي قد يشعر بها طفل بعمر الـ 10 سنوات، بالجلوس والتعبد لساعات طويلة، طالباً من أمه أن يصطاد سمكاً من البحيرة، وقتها بحسب تعبير براون، تمثلت الفكرة في إجابة أتته من الرب، عندما ناجاه لإيجاد طريقة لكسر هذا الملل: «أجلب صنارة صيد»، فذكرته والدته بأن اليوم هو الأحد، وهو للراحة، والصيد فيه عدم احترام للرب، فرد بسؤال ذكي وقتها على والدته: «إذا لم يرد الرب أن اصطاد سمكاً، فلن يجعل طعمه لذيذاً». شغف المنطق شغف المنطق، والتجربة المبنية على الحس العلمي، انتقلت مع براون، في تلك الليالي، التي ظهر فيها مع أبيه، وهما ينظران إلى النجوم، متسائلين حينها ما هو شكل حافة الفضاء، رغم احتمالات اللانهائي التي يؤمنان بها. إلى جانب جلسات اكتشاف خسوف القمر، حيث يقدم والد براون عرضاً بانورامياً لكرات التنس وإضاءة يدوية، مشكلاً حركة الشمس والقمر حول الكرة الأرضية، قال عنها: «كطفل، جعلتني هذه الأفكار مستيقظاً طوال الليل»، لم يكتف والد دان، بزرع شغفه، بل بتحويله لأسلوب حياة، فكما روى، فإن الأكلات السريعة كانت تمنع في بيت العائلة، وحتى البيتزا، إلا أنه يمكننا تخيل كبح جماح تناولها وهي أمامهم في اجتماع قد يعقده والدهم في متجر للبيتزا المحلية، يشرح لهم مفهوم الدائرة ومساحتها. ولا ينسى دان لعبة تقطيع الجزر في أمسية العشاء، وتشكل العلاقة الهندسية في ذهنيته، قائلاً: «أبي كان ينظر للشغف بعدسة أخرى». وفي تعبير دان براون حول تأملاته للوحة «الموناليزا» طوال فترة تواجده لتصوير فيلم «شفرة دافينشي» في متحف اللوفر بباريس، فإنها لم تعف الحضور من متابعة تخيل الكاتب الشهير وهو يستمد من سؤال الرواية الشهيرة: «ماذا يعني للمسيحية لو كان يسوع المسيح ليس حرفيا ابن الله؟» ماذا لو كان مجرد رجل، ونبي من البشر؟، مبيناً أن السؤال لا يمثل فكرة جيدة للبعض. إلا أن دراسته للإنجيل لعشر سنوات مضت، كانت جديرة، بحسب دان، بفتح نسق الحوار، وهذا جل ما نحتاجه، خاصة أنه لا ينسى سؤاله أحد القساوسة، عندما كان يافعاً، حول: «كيف يمكن أن أحقق التصالح بين تلك التناقضات بين العلم والدين، وأيهما الأصح»، ليرد عليه: «أنت فتى جميل، لا تسأل هذا السؤال». ويؤمن براون أن الوصول إلى الحقيقة يحتاج إلى التخلي عن بعض المعتقدات العمياء، التي تنفي الآخر لمجرد اختلافه معنا، مستثمراً مقولة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، وفيها: «نحن بحاجة إلى ضوء الشموع ضد الظلام المتزايد». في الختام، حيا براون عشاق الكتابة، الذين حضروا المناقشة في «الشارقة للكتاب»، مبيناً أن الكتابة تحول الأشخاص إلى غرباء، وأحياناً تنقلهم إلى مفهوم كتابة أنفسهم، وفي مرات عديدة يشعر الكاتب أن الكتابة الطريق للبقاء وحيداً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©