الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الطوي نبع الحياة في زمن الشح

الطوي نبع الحياة في زمن الشح
19 فبراير 2010 20:23
الماء عنصر الحياة الأهم، كان يرسم وجوده في زمن الشح خريطة المكان، فحيثما توفر الماء تعشب الأرض وتهتز وتربو، وفي الإمارات القديمة المتناثرة على الخليج، كان الماء عنوان الحضارة والحياة. قرب الينابيع والعيون سكن البدو الرحل، كانوا يعرفون أماكن الماء، يشتّمونه كالرائحة الندية حتى يجدونه، يستعينون بالإبل وأهل الخبرة ليحفروا ويصلوا إلى مكان الماء، يحيطونه بالحجارة معلنين عن بروز طوي (بئر) جديدة. تلك الحفرة التي قد تكون سطحة أو عميقة، وشم يدقه أهل الإمارات القدماء في جبين الأرض الطيبة لتنبع منه المياه، يسحبونها بالدلو (البالدي) ويصبونها على التربة العطشى فتغدو الحياة خضراء. الطوي، العٍدّ، البٍدع، أسماء تعني البئر، منها ما هو عربي فصيح مثل الطوي التي تعني البئر المطوية بالحجارة، وهي اسم مذكر يمكن أن يؤنث في الوقت ذاته، ويجمع في العامية طوى، والعدّ كلمة عربية فصيحة أيضا، تنطق بكسر العين وفي لسان العرب هي الموضع الذي يتخذه الناس ويجتمع فيه ماء كثير، والماء العد هو الدائم الذي له مادة لا انقطاع لها مثل ماء العين وماء البئر، والبدع (بكسر حرف الباء) عربية فصيحة تعني الحفر وهي مسمى يكثر استعماله في أبوظبي ودبي والمنطقة الغربية. وللآبار تسميات أخرى، فالبئر القريبة من سطح الأرض تسمى (يفرة) والبئر القديمة المنسية تسمى (اجهلي) وعادة ما تكون هذه قد حفرت قبل مئة سنة على الأقل. البحث عن الماء بدون أدوات التتبع الحالية كان يحتاج من الفطنة الكثير، ومن الفراسة أكثر، ففي ذاك الوقت كان أهل الإمارات يؤمنون بأن الماء الذي يجري في الأرض يوازيه ماء أسفلها، فكانوا يعمدون إلى حفر الآبار قرب الشعاب التي تجري عادة في أيام المطر، ربما كانت سجيتهم تحركهم لكنهم كانوا أكثر الأوقات ينجحون في الحصول على المياه. وعادة ما يتجمع عدة أشخاص لحفر البئر، في عملية تستغرق حوالي أسبوع إلى عشرة أيام بحسب العمق، وقبل الحفر يحددون نوعية التربة التي سيحفرون فيها، فهم لا يحفرون أبدا في الصبخ (السبخة وهي الأرض الترابية المالحة) ولا في الأماكن القابلة للانهيار، بل يجب أن تكون الأرض صالحة للزراعة، ومتماسكة ببعض الرطوبة، وصلبة كي يقرروا حفرها. وعند حفر أول مترين يلاحظ خبراء الحفر شكل التربة ويختبرونه، فلونها وتماسكها ورطوبتها تدل على الاقتراب إلى الماء، ويضعون حجر (الطوي) السميك في فتحة البئر من أعلى كي يمسك التراب في جوانب البئر، ويمنعها من السقوط بسبب الأمطار أو عوامل الطبيعة. سواء كان ذالك في بداية الحفر او بعد ذلك. بعد أن تحفر البئر يجتمع الأشخاص الذين حفروها لإطلاق اسم عليها، لأنها أصبحت معلماً وتستجذب أهل المكان إما لشرب الماء أو لسقي بهائمهم، وهنا كان من الضرورة أن تسمى باسم جديد تحكمه عدة عوامل، فمثلاً تسمى باسم الشخص الذي حفرها مثل طوي ربيع، وطوي صفصوف. يمكن أيضاً أن تسمى باسم من أمر بحفرها سواء كان رجلاً أو امرأة ممثل بدع زايد، وبدع عفرا، أحيانا تسمى البئر بحسب جودة مائها فهناك طوي العذيب (ماؤها عذب)، وطوي مويلح (ماؤها مالح نسبيا). أحياناً تسمى البئر باسم عنصر خارجي يحيط بها كطوي العشوش، وبو الحصا، ويمكن أيضا أن تسمى باسم قبيلة تسكن بقربها أو حفرتها مثل بدع الظواهر، وبدع آل بالخيل، ويمكن تسمية البئر أيضا نسبة للمكان خاصة إن كان الوحيد في المنطقة مثل طوي المرموم، والحمرانية. وهناك طوى قديمة جداً، لا يعرف من حفرها، ويعود تاريخها إلى ثلاثمائة أو أربعمائة سنة، مثل تلك التي ذكرها ابن ظاهر، ويعود عصرها إلى اكثر من أربعمائة سنة، كبئر فلاح وعثمر وتاهل والعشوش. كانت الآبار أكثر من مجرد مصدر للمياه، فبجوارها تجتمع النساء صباح كل يوم، بجوارها تغسل الملابس والأواني وتدور الأحاديث وتخطب البنات، بجوار الآبار أيضاً تمر القوافل والمسافرون، هناك أيضاً تكبر الأحاديث، وتخرج من فتحة الطوي القصص و»الخراريف»، خاصة المهجورة منها.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©