الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بانتظار الفرج

بانتظار الفرج
15 مارس 2009 23:26
لو تعلمون كم عانيت حتى أقنعت نفسي بفكرة نشر قصتي، فلست من النوع الذي يحب أن يتحدث عن أسراره، ولم أسمح يوماً لأحد بالإطلاع على تفاصيل حياتي، ولم أفكر بأن أتحدث بالسوء عن أحد، فمهما يكن فهم أهلي، ولا أريد أن أذكرهم إلا بالخير، ولكني مضطرة!! فما أحمله من أعباء ومسؤوليات أثقل مما أقدر على تحمله لوحدي دون مساعدة أو تدخل، هذه أنا، وهذه حياتي، وحتى هذه اللحظة أجد نفسي مكبلة ومخنوقة، وليس بيدي أي شيء أفعله لتغيير وضعنا، لازلت مرابطة في جبهة الصبر والتحمل حتى يحكم الله لي ويأتيني الفرج من حيث لا أدري· حكايتي تزوجت ابن عمتي وكنت سعيدة به، ولكن المشاكل العائلية حالت دون تلك السعادة، وبالتدريج تسرب زوجي من حياتي وصار يقضي معظم وقته خارج البيت، رزقت بطفلي الأول، وكأن أملي أن تتحسن الأمور في حياتي ولكنها سارت نحو الأسوأ، فقد انغمس زوجي في حياة اللهو والعبث، وقد فكرت بأنها مرحلة مؤقتة وإنه سيعود لرشده لأنه قد أصبح أباً ومسؤولاً عن أسرة، وفعلاً فقد صار يتغير بسرعة مذهلة، ولكن!! نحو الأسوأ، للأسف·· فقد بدأت حكايته بالتدخين ومغازلة الحريم، ثم تطورت لشرب الخمر، ثم دخل في مشاكل كثيرة لا أول لها ولا آخر· صار يتغيب عن عمله حتى تم طرده، وقد حدثت مشاكل كثيرة بيننا، أنا وهو وأهله وأهلي، حتى قاموا بتسفيري إلى أهلي فبقيت عندهم تسع سنوات بلا نفقة، أنا وابني· كلما كبر ابني شعرت بأنه بحاجة لأن يتربى في بلده بين أهله، وقد فكرت وقتها بأنني قد كبرت ونضجت، وأنني استطيع التأثير على زوجي وتغييره نحو الأفضل، لذلك طلبت من والدي أن يعيدني إلى زوجي، وقد تفهم والدي رغبتي وتحدث مع أخته ورتبا الأمور لعودتي إلى زوجي من جديد· استأجروا لي شقة صغيرة لنعيش فيها معاً، فقد حصل على عمل جديد وأصبح لديه دخل لا بأس به· كما توقعت·· لم تكن حياتي سهلة أبداً، فقد فشلت كل محاولاتي لإصلاح زوجي، وظل على حاله ينفق راتبه كله على جلسات اللهو والعبث ولا يبقى لنا إلا الفتات· عشت صعوبات كثيرة لا أول لها ولا آخر، فكلما جاء موعد الإيجار ولم نستطع التسديد، يتم طردنا من البيت، فنستأجر بيتاً آخر وهكذا·· وقد سامحنا الكثير من الناس عن متأخرات الإيجار، فالناس في السابق كانوا أقل تعلقاً بالمال، وهم متسامحون وطيبون، لا يشبهون الناس في زماننا هذا، حيث التعصب والقسوة وعدم تفهم ظروف الآخرين، ستة بيوت انتقلنا إليها خلال تلك الفترة العصيبة، وفي تلك المرحلة الصعبة ولدت ابني الثاني، مما زاد في النفقات والمسؤوليات، ولكن ذلك لم يعط زوجي حافزاً للتفكير بأسرته، وإنما بقي على حاله دون أن يتغير· الوضع الأكثر مأساوية كان عندما دخل زوجي السجن بسبب مشاكله في أوكار المعاصي، وبالطبع فأنني لا أعرف طبيعة تلك المشاكل، ولم أحاول معرفتها، فأنا مقتنعة بأن من يمشي في طريق الظلال فلابد أن يتذوق مرارة السجن· كنت خائفة من المجهول، ومن فكرة عودتي إلى بيت عمتي، فأنا لا أريد أن أحملهم مسؤوليتنا أنا وأولادي، فليس سهلاً أن يتحمل الأهل نفقات عائلة ابنهم ''راعي المشاكل'' كما يقولون، وكنت خائفة من أن يفكروا بإبعادنا عن هنا بحجة عدم وجود مكان لسكننا، وإنه ليس من السهل ترك امرأة شابة وأولادها في مسكن لوحدهم· وقد حدث ما توقعته تماماً عند أول فرصة اجتمعت الأسرة وقرروا إرسالي إلى بلد أهلي مع ولدي، فلا أحد يريد أن يتحمل مسؤوليتنا، ولكني رفضت وبقيت مصرة على أن يعيش أبنائي في بلدهم، وقد تذوقت في تلك الفترة صعوبات ومرارة لا يمكن لأحد أن يتخيلها، ولكني بقيت صابرة ومرابطة حتى جاء الفرج من أوسع أبوابه· القلب الرحيم في تلك الفترة صدر عفو عام عن المساجين بأمر من الشيخ زايد رحمه الله، وليس ذلك فقط وإنما أمر بأن يعود المساجين لوظائفهم على أن يخصم نصف الراتب لصالح الدائنين ويبقى النصف الآخر للأسرة، وكأنه كان يعلم بحالنا، قلت: سبحان الله، كأنه قرأ أفكاري وعلم بحالي، فدعوت له من قلبي دعوات كثيرة، رحمة الله عليه كان يشعر بنا وكأنه يعيش بيننا· بعد أن خرج زوجي من السجن، عاد لعمله وقد خصصوا له سكناً مستأجراً، فعشنا فترة من الاستقرار والراحة، خصوصاً وأن زوجي قرر أن يتغير وأن يكون رجلاً صالحاً يخاف ربه ولا يرتكب المعاصي، فصار ملتزماً ببيته وعمله، فحمدت ربي على هذه النعمة، ولكن ما حدث بعد ذلك غير أمور حياتنا من جديد· تعرض شقيق زوجي إلى حادث سير عنيف وقد صارت حالته خطرة للغاية، وقد قرروا تسفيره للعلاج في الخارج، فتم اختيار زوجي كمرافق له، وقد ظل هناك لفترة طويلة، وعندما عاد من سفره وجدت بأنه تغير مرة أخرى وعاد لحياته السابقة، للخمر واللهو، وقد نسي كل عهوده ووعوده بالتوبة· مرة أخرى عادت حياتنا للتعب والبهدلة والمشاكل، لأنه يرفض أن ينفق علينا ويصرف كل راتبه على لهوه· اضطررت لتقديم طلب للمحكمة من أجل أن يقتطعوا جزءاً من راتبه لصالحنا وبشكل إجباري كنفقة لنا أنا والأولاد، فخصصوا لنا مبلغ ثلاثة آلاف درهم، وقد رضيت بها حيث استطعت أن أؤمن لنفسي ولأولادي الاحتياجات الضرورية· فوجئت بقرار زوجي للسفر إلى تايلاند، وكما توقعت فقد ظل هناك لفترة طويلة وهو منقطع عن عمله بلا عذر مقبول، فأوقفوا راتبه، ثم تمت إقالته وأمرونا بإخلاء السكن بعد مهلة محددة· إنها كارثة حقيقية في حياتنا، ضاقت علينا الأرض بما رحبت، فلا أحد يريد أن يتحمل مسؤولية عائلة غيره، والحياة أصبحت صعبة والغلاء أحرق الأخضر واليابس في حياتنا، وبالطبع فإنني لم أفكر أبداً بالسفر مع أولادي إلى أهلي، لأن ذلك ليس منطقياً أبداً، فلم أجد مفراً من التفكير بأي حل لمشكلتنا بدلاً من التشرد والضياع· اللجوء للصحافة نصحني الناس باللجوء إلى إحدى الصحف المحلية لعرض مشكلتي، فجئت إلى هذه الصحيفة الغراء فنشرت ملخصاً للمشكلة في صفحة ''رأي الناس''، وفعلاً فقد اتصلوا من ديوان سمو رئيس الدولة، وقاموا باستئجار سكن لنا، وبذلك نجانا الله من التشرد، ولكن بقيت مشكلة أخرى لم يتم حلها، وهي··· من أين سننفق أنا وأولادي؟ وقد هجرنا زوجي بشكل نهائي؟ ذهبت لطلب المساعدة من الجمعيات الخيرية، فلم تقصر في مساعدتنا، ولكن ماذا تفعل الخمسمائة درهم في هذا الزمن؟ هل يمكنها أن تسد احتياجات عائلة؟ ذهبت إلى الشؤون، طلبت منهم تخصيص مبلغ لمساعدتنا، ولكنهم أخبروني بأنه لا يوجد في القانون بند صرف مساعدة للمرأة التي هجرها زوجها، أما إذا كانت مطلقة، عندها فقط تستحق المساعدة· يا له من منطق!! فما ذنب المرأة التي يهجرها زوجها، أو يعجز عن إعالتها؟ هل تطلب الطلاق كي لا تموت من الجوع هي وأولادها؟ بعد تفكير طويل اتخذت قراري، ورفعت دعوى ضد زوجي أطالبه فيها بالطلاق للضرر، لم أتخيل بأنني سأفعل مثل هذا الأمر في حياتي، فمهما حصل، فأنا لم أفكر يوماً بالطلاق، إنه أبغض الحلال، وما يدريني!! فلربما هداه الله في يوم من الأيام، هل سينسى أنني طلقت نفسي منه؟ وهو أبو أولادي وأبن عمتي؟ لم أكن مقتنعة بالفكرة من أساسها، فليس سهلاً أن أكون مطلقة وقد تجاوزت الأربعين عاماً من العمر ولدي أبن شاب في السابعة عشرة من العمر، وآخر في الحادية عشرة، لم أتخيل يوماً بأنني سأذهب للمحاكم، وسأضطر لرفع قضية ضد زوجي، أطالبه فيها بالطلاق، مهما فعل معي، حتى وإن كان هو السبب الأول والأخير في معاناتنا أنا وولديه، طلب الطلاق عندنا أمر كبير، وحد من الحدود الصعبة التي لا يسمح للمرأة بتجاوزها مهما واجهت في حياتها الزوجية من ظلم، هذا ما تربينا عليه، ولكنهم هم·· هم أجبروني على طلب الطلاق، أينما أذهب، يقولون لي لو كنت مطلقة، فلن تحتاجي لأحد، ستصرف لك الشؤون راتباً يساعدك في أمور حياتك، كان الخيار صعباً أن أتجاوز كل ما تربيت عليه وكل ما تعلمته وأرفع قضية أطالب زوجي بالطلاق أم أموت من الجوع أنا وأولادي، لا أدري لم هذا المنطق للمرأة التي يهجرها زوجها، أو يفقد قدرته للإنفاق عليها، لماذا يقولون لها أطلبي الطلاق كي تعيش بكرامة أنت وأولادك، فأي كرامة للمرأة بعد الطلاق· عموماً·· فقد تم الطلاق فأخذت الورقة اللعينة وركضت بها إلى الشؤون، وأنا معتقدة بأن مشكلتنا قد انتهت، وأنني سأحصل على المساعدة ولكن ما حدث هو أن الروتين الإداري وعدم وجود واسطة لتسريع المعاملة، حالت دون حصولي على حبل النجاة، الأيام تمر والأشهر تمر دون أن يتم صرف الراتب، ثمانية أشهر مرت ولا زال الموضوع معلقاً· أخبروني بالله عليكم!! كيف أدفع فواتير الماء والكهرباء؟ كيف أنفق على طعامنا ولباسنا، ابني الأكبر يدرس في الثانوية، شاب ويحتاج للكثير من المصاريف، وأخوه في الابتدائية، لايزال طفلاً يريد شراء الحلويات والمأكولات الطيبة ولا أقدر أن أحقق أبسط رغباته، البقال توقف عن إعطائنا ما نريد لأن ديوننا ثقلت، أين أذهب ولمن ألجأ؟ الحياة تضيق بخناقها علي وأنا لا أملك الحل، فماذا أفعل؟ أغيثونا يا أهل الخير قبل أن نصل إلى الهاوية، ساعدونا لنحصل على حقوقنا، فالفقير لا واسطة له إلا الله· مباراة زوجية على الإنترنت أحمد محمد القاهرة - نشأت ''سارة'' في أسرة بسيطة لأب لا يكاد دخله يكفي المستلزمات الأساسية لزوجة وأربع بنات وثلاثة أبناء· في غرفتين ضيقتين بحي شعبي فقير يعاني سكانه، لكنهم لم يعرفوا السخط ولا التمرد ويعيشون بلا مشاكل، وليس هناك ما يؤرق نومهم ولا ينغص معيشتهم· التحقت سارة بالمدرسة وخلال سنوات دراستها تعرفت على زميلات وعرفت الفارق بينها وبينهن وخرجت إلى مناطق أخرى ولمست الاختلافات في الملابس والأطعمة والكلمات والتصرفات والأمنيات· شعرت بأن هناك مسافات بعيدة تفصل بينها وبين هؤلاء البشر وأن هناك تمييزا تراه في عيونهم، إذ ينظرون إلى أمثالها بنظرة فوقية· تخطت سارة الثامنة عشرة وتخرجت وحصلت على الدبلوم الفني، وكل رصيدها في الحياة جمالها، فكل من يراها لا يصدق أنها سليلة أسرة بسيطة· فقد كان في عينيها سحر آخاذ وشعرها المسترسل ينبئ بأنها من علية القوم، ومع اكتمال أنوثتها بدأت تشعر بأن لديها إمكانات ليست عند الكثيرات من الفتيات، غير أنه ينقصها المال الذي يحقق لها أمنياتها وأحلامها، وفي نفس الوقت تحافظ على شرفها وكرامتها· خرجت سارة إلى العمل بالشهادة التي حصلت عليها والتحقت بوظيفة تناسب المؤهل في إحدى الشركات وهدفها الأول أن تساعد أباها في الإنفاق على الأسرة وترفع من مستواها بقدر ما تستطيع· لكن بعد أسبوع واحد بدأ زميلها المهندس عماد يرمقها بنظرات متتالية متواصلة منذ أن وطأت قدماها مبنى الشركة، وهي نظرات غامضة لم تفهم مغزاها ولم تعرف مقصده ولم تجد لها تفسيرا واضحا ولا تدري إن كانت نظرات إعجاب أم أنها شرك لإيقاعها في حبائله· سبعة أيام فقط وهي في هذا الصراع النفسي، حتى جاءها عماد ليخرجها من حيرتها ويلقي على مسامعها مفاجأة من العيار الثقيل لم تكن تتوقعها، بأنه يريد التقدم لطلب يدها وعقدت المفاجأة لسانها ولم تنطق بكلمة واحدة، فهو لم يكن فتى أحلامها الوسيم، بل رأت أنها من المستحيل أن تشعر تجاهه يوما بالعاطفة، علاوة على أنه لا يعرف عنها شيئا ولا تعرف عنه أكثر من أنه مهندس في الشركة التي تعمل فيها، ولم ترد أيضا أن تتسرع في الجواب وليس هناك ما يدعو للعجلة· وجدت نفسها محقة في هذا التفكير عندما حدثها عن نفسه أكثر وأخبرها بأنه يقيم في منطقة راقية وأن دخله كبير ومن عائلة ثرية وشعرت بأن أحلامها القديمة دخلت حيز التحقق، فهذا هو الرجل الذي سوف ينتشلها من براثن الفقر، ويخرجها من العشوائية إلى علية القوم والأندية والمناطق الراقية، وستعرف الملابس الفاخرة، وكل هذه المميزات كفيلة بأن تغطي على طلعته غير البهية، حاولت أن تقنع نفسها بأنه لا يوجد إنسان كامل في هذه الدنيا ولن يأخذ أحد كل المميزات· وخلال أشهر معدودة دقت الدفوف وأضيئت الشموع وانطلقت الزغاريد في ليلة عرسها في احتفال لم تكن تحلم به، ثم انتقلت في سيارة فاخرة تلفها الورود والزهور إلى عش الزوجية شقة في حي راق مؤثثة بأثاث لا تعرف اسمه ولم تره إلا في الأفلام والمسلسلات وشعرت بأنها في نعمة· وتذكرت تساؤلاتها التي كانت تدور بداخلها وهي ترفض الفقر وأيقنت في هذه اللحظة أنه لا يحدث شيء كبير أو صغير إلا بقدر الله· وعاهدت نفسها على أن تكون زوجة وفية مخلصة· خاصة أنها رغم تحفظاتها على منظر زوجها، غير أنها لا تنكر أن كثيرات يحسدنها عليه· مرت السنوات، وفي السنة الأولى رزقا بطفلهما الأول وكان ينفق عليها ببذخ وعوضها عن حياة الفقر والحرمان ولم يبخل عليها بشيء، لكن الشيء الذي لم تستطع أن تتغلب عليه أو تتخلص منه هو تصرفاته معها، ومعاملته لها على أنه أفضل منها وأنها من أسرة فقيرة وأن هناك فارقا اجتماعيا كبيرا بين أسرتيهما وبينه وبينها· وفشلت كل محاولاتها في إصلاح أفكاره وتصرفاته ولم يبد تجاوبا ولم يصلح من شأن نفسه ولم يتراجع، بل إن ذلك كان واضحا عندما رفض مطلبها المتكرر بزيارة أهلها، وزاد الطين بلة عندما رفض زيارتهم لها، بل وطلب منها أن تقطع صلتها بهم تماما· وقبل أن تخرج من هذه المشكلة، ظهرت لها مشكلتان في وقت واحد، فقد أصبح يسيء معاملتها ويهملها وينشغل عنها وعن ابنهما بالإنترنت وسيطر هذا الجهاز السحري على عقله وفكره وتصرفاته واصبح مدمنا يقضي كل وقته بعد عمله مع الكمبيوتر، وإقامة العلاقات الغرامية والمحرمة والتي كثرت وجعلتها تشعر بالاختناق، ووصل الأمر إلى حد الانفجار· فطلبت منه أن تزور أسرتها فأعاد رفضه وسد أمامها كل السبل، ولم تجد أي خيار ولم يتح لها مخرجا من هذا السجن· وقررت للمرة الأولى بعد عامين من زواجها الخروج عن طاعته، والتحرر من قيوده الظالمة وتوجهت لزيارة أهلها في وقت ذهابه إلى العمل، لكن لسوء حظها لم تكتمل خطتها، فعاد في هذا اليوم مبكرا على غير المعتاد واكتشف المخالفة والجريمة الكبرى ـ كما رآها ـ فانهال عليها ضربا وركلا مع الشتائم والسباب بالألفاظ النابية والعبارات التي كان يؤكد خلالها الفارق بينهما· وفتشت عن حيلة وسلاح مثل أسلحته كي تستطيع مواجهته والوقوف أمامه والصمود في معركتها معه وقررت أن تحاربه بنفس وسائله بـ''الإنترنت'' الذي يستخدمه في التعرف على النساء وإقامة العلاقات الغرامية معهن وجاءت بصورة غير صورتها وباسم مستعار ودخلت الإنترنت لتحادثه ولأنها تعرف نقاط ضعفه وتحفظ شخصيته ومفاتيحها، فقد كانت مهمتها سهلة· نفذت إلى أعماق مشاعره حدثته بأنها عاشقة متيمة ولهانة وأشبعت رغباته التي لا تخفى عليها بكلمات جوفاء وهو يجهل من تكون محدثته صاحبة الصورة الوهمية· وشأنه شأن الكثيرين من الرجال الذين يسيل لعابهم بمجرد أن تتناهى إلى مسامعهم بعض الكلمات الناعمة وسقط في بئرها وغرق في بحرها وشباكها ونجحت خطتها وأوقعت به وهي تعرف كيف تجعله الآن يأتي إليها راغما، زاعما أنها إحدى اللاتي اصطادهن من هذه الشبكة العنكبوتية وبدأ يتودد إليها أكثر ويطلب منها أن يراها ويمتع عينيه بها وأن يقضي معها أوقات المتعة والسعادة وأسمعها عبارات الغزل والغرام والهيام والعشق· وأخبرها أن لديه شقة مفروشة خاصة به لهذه المهام وادعى أنه غير متزوج ويريد أن يلتقي بها في هذه الخلوة· أصيبت ''سارة'' بصدمة من هول ما سمعت فلو أن أحدا أخبرها بهذه المعلومات ما صدقتها، ورغم ذلك لم تفاتحه، بل اتجهت إلى مقصدها مباشرة وطلبت منه الطلاق، فسألها عن السبب· فادعت أنه لمنعها من زيارة أسرتها فلم يكن جوابه هذه المرة الرفض بالكلمات بل انهال عليها ضربا· وهو يكيل لها الشتائم وهنا لم يترك لها اختيارا آخر، غير أن تحمل ملابسها وطفلها وتعود إلى بيت أسرتها تخبرهم بكل ما تعاني وبقرارها الأخير وهو الطلاق· وتوجهت الزوجة الجريحة إلى محكمة الأسرة تروي معاناتها وتشكو زوجها وتطلب الطلاق للضرر، وكالمعتاد قبل السير في إجراءات الدعوى، تم استدعاء الزوج الذي جاء مختالا ليفند أسانيد وادعاءات زوجته، فقد اعتقد أنها كما أخبرته تريد الطلاق بسبب منعها من زيارة أسرتها، لكنها أخبرته بالسبب الحقيقي وكشفت أوراقها وهي تلقي على مسامعه الأسرار التي يخفيها عنها وشقته المفروشة التي يستدرج إليها الساقطات، بل إنها هي نفسها آخر امرأة تعرف عليها عن طريق الإنترنت· هنا وجد نفسه كمن يقف عاريا في ميدان عام مزدحم بالمارة لا يعرف كيف يرد· لم يجد كلمة واحدة ينطق بها، وضع رأسه بين كفيه وهو يتصبب عرقا وألقى إليها نظرة ندم ورجاء أن تغفر له هذه الزلات والنزوات ووجد في كلمات الاعتذار مخرجا من هذا المأزق· وقبل أن تسامحه تعهد بخط يده في محضر رسمي بأن يحسن معاملتها وأن يسمح لها بزيارة أهلها ويطرد هذا الجهاز الملعون من البيت· ومن أجل ابنها وحياتها قبلت انكساره وخرجت معه واكتفت بهذا الانتصار·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©