الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفتى المدلل وأصدقاء السوء

الفتى المدلل وأصدقاء السوء
24 أكتوبر 2013 20:50
فوجئت الأسرة الثرية بأن ابنها الفتى المدلل قد أفسدته الأموال التي كانوا يغدقون عليه بها، ليعيش حياته بـ «الطول والعرض»، تغيرت أحواله وأصبح في وضع مختلف، عصبي المزاج ويتغيب كثيراً عن المنزل وأيضاً عن المدرسة، وما كان لهم أن يكتشفوا ذلك إلا بعد أن تلقى الأب رسالة من المعلمة تخبره فيها بكثرة وتكرار تغيب ابنه، لدرجة قد تعرضه للفصل من الدراسة هذا العام، وهنا تساءل الأهل أين يذهب هذا الولد الذي يعتقدون أنه ملتزم في سلوكه؟، ولكن ذلك يتطابق مع ما يلاحظونه عليه مؤخراً، وهذا أمر خطير لا يجب السكوت عليه ولا تأجيله. نقاط الحروف الحوار مع الابن غير مريح، فقد تغير أسلوبه، وأصبح يلقي ردوداً جافة على تساؤلات أبيه وأمه، ودخلت قاموس حياته ألفاظ غريبة وشاذة عن تعاملاتهم وما ربوه عليه، ولم يرد بإقناع عن سبب تغيبه عن المدرسة بل استنكر ذلك، وحاول أن ينفيه جملة، وتفصيلاً هنا كان لا بد من وضع النقاط على الحروف ومتابعة الفتى، وهو في مرحلة دراسته الثانوية، التي تحتاج إلى جهد وتركيز، وكانت الطامة الكبرى عندما اكتشفوا أنه مدمن مخدرات، وقد استدرجه أصدقاء السوء إلى تلك الهاوية والهوة السحيقة، وظهر حول عينيه سواد واضح وبدأ يعاني من اضطراب في النوم، وكل يوم تتزايد مطالبه للمال، لينفق على السموم التي يتعاطاها. العلاج المكثف لم يكن هناك اختيار آخر غير إنقاذ ما يمكن إنقاذه بالاتجاه نحو العلاج المكثف، لكن الأطباء المتخصصين أكدوا أنه لا بد من احتجازه في مصحة خاصة لعلاج الإدمان، وليس لذلك أي بديل، مما يعني أنه سيتم وضعه بطريقة تشبه الإقامة الجبرية، أو قد تصل إلى ظروف وأحوال الحبس في الزنزانة، وإن اختلفت الأسباب والملابسات، حيث تم وضعه في «عنبر» فشعر بالضيق وأعلن التذمر، لأنه يرى أنه كما لو كان يقضي عقوبة بين أربعة جدران، والأهم أنه يعاني الحرمان من المخدرات ويرغب بشدة في العودة إليها، كانت الفترة صعبة على الجميع بكل المقاييس، وليس هو وحده الذي يعاني، بل هم أكثر منه معاناة. مسلسل الهروب بعد أسبوعين تمكن كريم من خداع العاملين بالمشفى وتسلل وهرب عائداً إلى أصدقائه، الذين كانوا في انتظاره وتناول جرعات كبيرة كادت تودي بحياته وكانوا من الندالة بمكان وبلا حدود، حيث حملوه وألقوا به في الشارع، خشية أن يموت ويتم اتهامهم بقتلة، ولولا أنهم فعلوا ذلك ما استطاعت أسرته أن تعثر عليه بسهولة، وتم نقله إلى المركز الطبي لإنقاذه، وتم إبلاغ أبيه ثم نقلوه مرة أخرى إلى المصحة الاستشفائية، وهذه المرة شددوا عليه الحراسة، حتى لا يعاود الكرة ويهرب، ومرت ثلاثة أشهر ثقيلة بكل المقاييس، لكن المهم النتيجة، فقد استجاب للعلاج وبدأ يتعافى بشكل جيد، بعد أن أصيب بنحافة شديدة، وبدا عليه جلياً أنه خارج من فترة مرضية طويلة، وتنفست الأسرة الصعداء وغيرت طريقتها في تربيته وأسلوبها في التعامل معه، وجففت منابع المال، التي كانت سبباً في إفساده ووصولاً إلى ذلك الذي كان كارثة. «عادت ريمة» وجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن ولم يمض إلا شهر واحد حتى عادت ريمة إلى عادتها القديمة وضعف كريم أمام الشيطان وأصدقاء السوء، الذين كانوا يزينون له تلك الأفعال ويجد فيهم مغناطيسا يجذبه إليهم أو سحراً يجعله غير قادر على المقاومة والتراجع عن طريق الهلاك، الذي سار فيه من قبل ويعرف خطورته ونهايته، ولم يكن خافياً عليه، يبدو مسلوب الإرادة، يتوهم اللذة والمتعة في هذه السهرات وبين الدخان الأزرق والمخدرات الأخرى، التي يتفنن هؤلاء في التعامل معها، ويعرفون كل السبل والدروب، التي تؤدي إلى الحصول عليها خلسة، يشتمون رائحة تجار هذه السموم من بعد حتى لو كانوا لا يعرفونهم. قدم الصغار كل التسهيلات لصديقهم، ليعود إليهم حتى وقع في الهوة العميقة، استدرجوه كي لا يخسروه ويفتقدوا واحدا من «شلة الأنس» يعلمون أنه ضعيف ومتأكدون أنهم سينجحون في مهمتهم الخبيثة، لأنهم يعيشون الظروف ذاتها، بل وغير قادرين على الإقلاع والنجاة، لذا فهم لا يريدون أن يبقوا وحدهم في هذا المستنقع، ويريدون أن يزداد عددهم ولا يهتمون بمن يوقعون في طريق الضياع، فقد أصبحوا بلا قلوب أو أحاسيس، تجمعهم صداقة زائفة، بينما في الحقيقة كل منهم لا يقول إلا نفسي نفسي، ومن بعدي الطوفان، أصبح كريم أسيراً وضعيفاً، ولا يفكر أبداً في العودة عن هذا الطريق، وعلى العكس لديه الاستعداد للقتال من أجل البقاء فيه، ولكن هناك مشكلة كبرى تواجهه أنه بحاجة ماسة للمال، وقد منعته الأسرة عنه، وما يحصل عليه من مصروف لا يكفي لذلك، فلا بد من البحث عن بديل، حتى لو كان السرقة أو القتل، وأمام رغباته كل شيء مباح، حتى لو كان يقتل نفسه، وهو لا يدري ويتوهم أن تلك متعة ويتمسك بها. البحث عن المال ومع كل ما يعانيه مازال يفكر على طريقته، وهو يعرف أن باب أسرته مغلق تماماً، ولن يتمكن بعد الآن من الحصول على المال، فبعد أن حاول مرات عدة سرقة النقود من حافظة أبيه وخزانة أمه تنبها له ويحتفظان بالأموال في أماكن لا تصل إليها يداه، وحتى مجوهرات أمه نقلتها إلى خزينة في أحد البنوك، كي لا يسرقها ويبيعها بثمن بخس، ومازالا يحاولان مرة أخرى لإعادته إلى المستشفى، لعلاجه من تلك الآفة، لكن وقعت الواقعة وحدث ما لم يكن في الحسبان ولا يتصوره عقل، فقد أقدم الشاب على جريمة نكراء، وهو في حالة لا توصف، فهل هو في حالة انعدام وعي واتزان، أم جنون وتخطيط؟ في الحقيقة لا يمكن الوصول إلى وصف دقيق لما حدث. لقد فكر كريم في اللجوء إلى جدته التي تقيم في شقة وحدها وهو يعرف أنها تدلله منذ كان طفلا فقد رزق به أبوه بعد خمس سنوات من الزواج وباللجوء إلى كل الوسائل الطبية، وهو أول حفيد لها أقامت حفلاً كبيراً بعد ولادته وجاءت بالهديا واللعب في طفولته وصباه أغرقته بحنانها أكثر من أبيه وأمه كانت تخاف عليه من نسمات الهواء، لا يمر يوم من دون أن تراه وعلى حد تعبيرها كما كانت تردد دائماً إنه «روحها» وكانت من الذين دللوه وربما تسببوا في إفساده من مبالغتها في الخوف عليه وتحقيق كل رغباته مهما كانت، ولكنها غيرت ذلك بعد تلك المحنة وتوقفت عن إمداده بالمال أملا في إصلاحه وعلاجه وقد كانت أكثر من تألم لما حدث له، ولذلك عندما جاءها اليوم كانت في حيرة بين أمرين كلاهما مر فقد طلب منها مالاً ورفضت لأنها تعرف أنه سيشتري به المخدرات ولن ترضى أبدا أن تساعده على الانحراف، ثم إنها تريد أن تراه سعيداً وفي النهاية تغلبت على عواطفها وتحججت بأنها ليس معها أي أموال. بالطبع لم يصدقها فهو بحكم تردده عليها يعرف أنها ثرية ولا يخلو بيتها من الأموال الكثيرة ويعرف المكان الذي تحتفظ بها فيه فانطلق كالسهم إلى غرفة نومها يفتش في كل الخزانات هرعت وراءه لتمنعه، لكن خطواتها كانت بطيئة فهي طاعنة في السن وقد تخطت السبعين، وعندما وصلت إليه حاولت منعه، لكنه نسي أنها التي ربته وأغدقت عليه فدفعها بقوة حتى سقطت على الأرض كادت تفقد الوعي، ولكن تماسكت وعادت إليه، خاصة بعد أن وصلت يداه إلى المال، توسلت إليه بدموعها لكنه لم يستجب، تشبثت بملابسه فلكمها في وجهها وضربها على رأسها فسقطت على الأرض فاقدة الوعي وحصل على ما أراد، الآن في يده غنيمة لم يحلم بها يمني نفسه بجرعات كثيرة وتحقيق ما يتمنى. دموع الجدة فكر برهة في أن فضيحة كبيرة ستنتظره بعد أن تفيق جدته من تلك الضربات ويعلم الجميع بما حدث فتراجع بعد أن وصل باب الشقة وعاد مرة أخرى ألقى عليها نظرة سريعة فوجدها تئن، لكنها لا تتحرك قد تكون تنازع وتلفظ آخر أنفاسها لا يدري ماذا يحدث، لكن النتيجة التي توقعها أنها ستخبر الجميع بما حدث منه ولم يمر أكثر من دقيقة حتى اتخذ قراره النهائي بالتخلص منها ومنح عقله الغائب أصلا إجازة واتجه نحو المطبخ واستل سكيناً وانهال عليها طعناً خمس طعنات متتالية في مختلف أنحاء الجسد أودت بحياتها وسالت دماؤها على الأرض. توهم القاتل الصغير أنه نجا وهرب ولم يره أحد وأنه لا يمكن أن تحوم حوله الشبهات، فالجميع يعرفون كيف وإلى أي قدر يحبها ولن يذهب إليه الشك مطلقاً، لكن بعض الجيران شاهدوه وهو يخرج من شقة جدته مسرعا لذلك عندما تم اكتشاف الجريمة ألقي القبض عليه واعترف بارتكابها وأصبحت فضيحته أكبر. قضى «كريم» اليومين الماضيين بين أقسام الشرطة والنيابة في تحقيقات وأسئلة ومواجهات ومحاولات منه للمراوغة والإنكار ثم أخيراً الاعترافات التفصيلية ألقوه في محبسه بقيوده في زنزانة ضيقة مظلمة لا مقارنة لها مع ما كان يحدث في دار الاستشفاء وقد ضيع فرصة الإصلاح ندم ولكن لم يعد ينفع الندم.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©