الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثبات والاستمرار على الطاعة من أخلاق المؤمنين

24 أكتوبر 2013 20:52
بعد أن انقضى موسم الحج وانتهت تلك الرحلة الإيمانية التي قام بها ضيوف الرحمن إلى مهبط الوحي الذي عمّ البلاد، حيث أدوا مناسكهم مقتدين بالرسول- صلى الله عليه وسلم - القائل (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) (أخرجه مسلم)، وبدأت قوافل الحجيج والحمد لله بالعودة إلى أوطانهم بسلامة الله ورعايته سالمين غانمين. وفي هذه المناسبة المباركة يسعدنا أن نتقدم من هذا الركب الإيماني من الحجاج الكرام، بأصدق التهاني والتبريكات مبشرينهم بقول رسولنا- صلى الله عليه وسلم - يقول: (من حج فَلَمْ يَرْفُث، ولم يفسُق، رجع كيوم ولدته أمه) (أخرجه الشيخان)، وقوله- صلى الله عليه وسلم- أيضا: “(العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما، والحج المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنةُ)” (أخرجه الشيخان). ويتحقق برُّ الحج بإخلاص النية لله -سبحانه وتعالى-، والاقتداء بالنبي- صلى الله عليه وسلم- في كل ما جاء به، لأن الحاج فتح مع الله صفحة جديدة، ورجع بثوب ناصع أبيض وبصحيفة بيضاء إن شاء الله، فإذا استجاب المؤمن لله سبحانه وتعالى في كل ما دعاه إليه، فقد حقق - بإذن الله تبارك وتعالى- برَّ الحج، ورجع من حجّه كيوم ولدته أمه- إن شاء الله تعالى- . فهل يستجيب المسلمون في كل أعمالهم لله سبحانه وتعالى، في الالتزام بالإسلام والإيمان والمحافظة على العبادات والطاعات، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، وطيب المعاملة وترك المعاصي؟ محبة الله ورسوله لقد استجاب ضيوف الرحمن لنداء الإيمان بالحج إلى بيت الله الحرام، كما جاء في قوله تعالى: “وَأَذِّن فِي النَّاسِ بالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ”(سورة الحج الآية (27) ، وقوله? صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا) (أخرجه مسلم)، واستجابة لنداء أبينا إبراهيم عليه السلام، وما كانت هذه الاستجابة من ضيوف الرحمن إلا محبة لله وطاعة له سبحانه وتعالى، ورغبة فيما عنده من الأجر والثواب، فمحبة الله ورسوله غاية قصوى، يتوخاها المسلم في أمره كله، ويسعى لنيلها صباح مساء، وَيُضحي لأجلها بكل أمر من أمور الدنيا، إذ هي حجر الزاوية التي يقيم المسلم عليها بنيانه الإيماني، وهي المعيار والمقياس التي يعرف من خلالها المؤمن مدى علاقته بالله ورسوله، قربًا وبعدًا، وقوة وضعفًا. فالمسلم يحب الله تعالى: “وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لله”(سورة البقرة الآية (165)، ثم هو يحب ما يحبه الله جلَّ وعلا من الأعمال الصالحات والمخلوقات، وهو يبغض ما يبغضه الله جل وعلا من المخلوقات والأفعال، أما محبة المؤمن لربه، فلأن الذي يستحق الحب لذاته هو الله صاحب صفات الجلال والكمال الحي القيوم ، ولأنه جل جلاله صاحب النعمة والإحسان “وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا” (سورة النحل الآية (18)، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جدير بهذا الحب، حيث قرن الله محبته باتباع هديه والسير وراءه، فقد جاء في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) (أخرجه الشيخان). الثبات على الطاعات إن الثبات والاستمرار على الطاعة من أخلاق المؤمنين، فقد كان نبينا- صلى الله عليه وسلم- يدعو قائلاً: “يا مُقَلِّب القلوب ثبِّتْ قلبي على دينك” (أخرجه الترمذي)، ومن دعاء الراسخين في العلم: “رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ” (سورة آل عمران الآية (8)، أي لا تزيغ بعد الهداية، ولا تنحرف بعد الاستقامة، لذلك كان رسولنا عليه الصلاة والسلام يحث المسلمين ?على وجوب الاستمرار في الطاعات لقوله صلى الله عليه وسلم: “أحبُّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ”(أخرجه الشيخان). فعليك أخي الحاج أن تعلم بأن الطاعات والمسارعة فيها ليست مقصورة على موسم الحج فحسب، بل عامة في جميع الأوقات، لذلك يجب عليك أن تحرص على تلاوة القرآن الكريم، وفعل الخيرات، وأداء الصلاة جماعة في المسجد، والاستمرار في هذه الطاعات والقربات بعد الحج، لأن المداومة على الأعمال الصالحة سبب لمحو الخطايا والذنوب وسبب للنجاة من الشدائد، لقوله سبحانه وتعالى: “يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بالْقَوْلِ الثَّابتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء”(سورة إبراهيم الآية (27). التحلي بمكارم الأخلاق في فريضة الحج نجد قول الله سبحانه وتعالى: “الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ” (سورة البقرة الآية (197)، كما وقال صلى الله عليه وسلم: (من حج فَلَمْ يَرْفُث، ولم يفسُق، رجع كيوم ولدته أمه) (متفق عليه)، فالحج دعوة صادقة لبداية العودة إلى الله تعالى، نعم إنها دعوة لأن تتبع الحسنة بالحسنة مثلها، فهذا دليل على قبول حجك، وعليك بالإكثار من الدعاء والاستغفار، والتحلي بمكارم الأخلاق. لقد أثنى الله سبحانه وتعالى على نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم - في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، فعندما امتدحه سبحانه وتعالى في كتابه الكريم لم يمتدحه بالغنى و الجاه? والسلطان والنسب، وإنما امتدحه سبحانه وتعالى بخير الأمور وأفضلها كما في قوله سبحانه وتعالى: “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ” (سورة القلم الآية (4). إن الأخلاق الفاضلة هي أهم الركائز التي تسير بالأمة نحو واقع أفضل، ومن المعلوم أن الرأفة والرحمة هما جوهر رسالته صلى الله عليه وسلم ، وفيهما تركزت دعوته عليه الصلاة والسلام، فحياة رسولنا صلى الله عليه وسلم تعد نبراساً ومنهاجاً لبناء الشخصية المسلمة التي تتسم بالحق والخير والاعتدال، فعظمته – صلى الله عليه وسلم- تشرق في جميع جوانب حياته، كما قال الإمام علي – كرم الله وجهه: “ كان أجود الناس كفا، وأوسع الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، ويقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله، وما سُئِل عن شيء إلا أعطاه”. ‎الدكتور يوسف جمعة سلامة ‎خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©