الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لماذا يلقي المراهق اللوم على الآخرين دائماً؟

لماذا يلقي المراهق اللوم على الآخرين دائماً؟
15 مارس 2009 23:32
كثيراً ما نسمع الآباء والأمهات يشكون قلّة حيلتهم في فهم ابنهم المراهق، وأنهم أصبحوا عاجزين عن كيفية التعامل الصحيح معه، وفهم مكنونات نفسه، وشخصيته، وأعجبني ذلك التشبيه الذي يشبه الشخصية ''بالنهر'' الذي لا نعرف عن تياراته شيئاً، ولا نعلم ما هي مخلفاته وترسباته، وقوته في أي نقطة من مجراه، وفهمنا الصحيح يتوقف على فهم مصدر هذه الأشياء كافة، وقد فرق الشاعر الانجليزي ''كيتس'' بين خيال الصبي الناشئ وخيال الراشد قائلاً : ''إن خيال الصبي خيال سليم''· وخيال الراشد ناضج صحيح''· فالمراهق عادة يتجاذبه صراع نفسي بين طرفين، فهو متردد متشكك، وهو في الوقت نفسه مندفع وطائش، وهو متخوف من مواقف الحياة الجديدة وعديم التروي وقليل التبصر· وهو يحب أسرته وفي الوقت ذاته يطمح إلى الاستقلال الذاتي عنها، وهو أسير اندفاعه لا هيمنة له عليها، ويخشى لوم الأسرة والمجتمع، ويتضايق من توجيهات الكبار المتكررة ويفهمها على أنها أوامر فيضيق بها ذرعاً ويشعر في الوقت ذاته بأنه في أشد الحاجة إلى دعم وعون الكبار ومساعدتهم· كثيراً ما يؤدي إخفاق المراهق في الهيمنة على ذاته إلى إحساسه بعدم الشعور بالمسؤولية الذاتية أو الاجتماعية ومن هنا يحاول التعلل بالمبررات التي يتخذها حيلاً لا شعورية دفاعية لحماية ذاته وبمرور الأيام يتمرس هذا اللون الدفاعي عن النفس ويبرر سلوكياته بشيء من اللباقة وحسن التصرف أحياناً، فقد يسقط المراهق اللوم مثلاً على نزواته ودوافعه التي فقد سيطرته عليها أو يسقط اللوم على محيطه الاجتماعي فيتهمه بأنه لم يفهمه ولم يدرك حقيقة تكوينه النفسي الجديد، وإن حاول تأمل نفسه ونقد ذاته فإنما يكون نقده الذاتي هذا متصفاً بالاندفاعات الانفعالية والعاطفية البعيدة عن الجوانب الموضوعية، لذا كثيراً ما نرى المراهق مكتئباً دون سبب معروف ومرد ذلك عدم استطاعته تحقيق المثل العليا التي يسعى جاهداً نحوها، لكنه يجد أنه ما زال قاصراً على تحقيقها، فهو لم يكتشف بعد ما لديه من رصيد حقيقي من القدرات الكامنة· هذه عوامل تدعونا جميعاً إلى وجوب الالتفات إلى حقيقة التكوين النفسي والعقلي للمراهقين وتفهم طبيعة المرحلة التي يمرون بها حتى يجتازونها بسلام، فالمراهق لا يود الانصات إلى سبيل النصائح المتكررة وخاصة إذا انطوت على معان من الأوامر والنواهي، حيث يراها تهديداً لكيانه الذاتي وينشرها على أنها ضده وتحمل معاني عدم الثقة به وبقدراته، وأن والديه أو ما ينوب عنهما في المدرسة أو المجتمع لا يزالون ينظرون إليه كطفل شب عن الطوق قليلاً· ومن ثم علينا أن ندرك أن الغاية من إرشاد المراهقين هي مساعدتهم على أن يتفهموا ويدركوا أنفسهم كأفراد لهم قدراتهم وقابليتهم التي يستطيعون تنميتها، وأن لهم أخطاءهم التي بوسعهم مواجهتها وتصحيحها، وأن لهم مهامهم في الحياة جديرون بتحقيقها، فالمراهق في حاجة إلى أن يبصر جيداً لإدراك العلاقة بين ما هو فاعل الآن، وبين ما يرغب أن يكون عليه، وفي الوقت ذاته يتحتم إشعاره بأنه فرد يتمتع بعاطفة اعتبار الذات التي ينبغي أن تحترم، واعتبار الذات يعني اندماج الاحساس بالرضا وأنه يرمي إلى تفاعل الاتجاه النفسي، والوعي الإدراكي عند الفرد، وهذا من شأنه أن يفضي إلى خفض القلق الزائد والسلوك القهري، وعندما يكون الجسم مهيأً، والنفس راضية مطمئنة مستعدة، والبيئة موائمة فإنه يصبح بمقدور المراهق أن يحقق ما هو مرجو منه· وحري بمن يتولى ريادة المراهقين أن يدرك أنهم في المراحل الأولى من مستهل مرحلة المراهقة ينتقدون ولا يقبلون المساومة، وفي المرحلة التالية يحاولون إعادة النظر بما سلف من أيامهم الخالية، وفي المرحلة المتأخرة يطفقون بإقامة اعتبار للنظام الاجتماعي الذي يعيشون في ظله وينظرون إليه بعين التقييم وأنهم يصنفون إلى حساسين وأشداء، ولعل لهذه التصنيفات علاقة بما لدى البشر من أمزجة، وأن أحكام الاتجاهات والمفاهيم والقيم عند الإنسان الناضج إنما تستند على خبراته الواسعة وإدراكاته، فيبدو وقد اتسمت أفعاله بدرجة عالية من الاتساق مع المفاهيم والاتجاهات التي نريده أن يأخذ بها· والاتجاهات والقيم والمفاهيم تعتبر من عوامل ترسيخ الانفعالات وتحقيق توازن الشخصية، وهذا يتيح للمراهق انتهاج معايير الجماعة وما تلتزم به، فالجماعات عناصر المجتمع، ومن مقتضيات تنمية مفاهيم المراهق واتجاهه نحو المجتمع أن تكون مفاهيم الكبار مفهومة لديه، وأن يفهمه الناضجون ويتفهموا طبيعته والمراحل المتتابعة لكل مرحلة يمر بها· إن أثر الأسرة على المراهق يتجلى في أنواع شتى، بدءاً من احساسه بذاته الذي يترسخ ويتوحد من خلال الاتجاهات الايجابية التي يبديها أفراد أسرته تجاهه منذ الطفولة، فإذا ما أتاح له الأبوان شيئاً من تحمل المسؤولية مثلاً، فإنه يشعر بأن لديه الكفاءة وأنه موضع ثقة، وإن أشعراه بالعطف والحنان، فإنه يكتسب اتجاهاً يتمثل في اللطف والرقة ويشعر معهما بأنه مرغوب الجانب· وإذا تخليا عن بعض سلطتهما وسطوتهما المتزمتة، فإنه ينشأ وقد ابتعد كثيراً عن التصرفات الصبيانية التي تتصف بها مرحلتا الطفولة والمراهقة، وهذا لا يعني بأية حال أن المراهق لم يعد بحاجة إلى نصح أبويه والتزود من خبرتهما في الحياة التي هو أحوج ما يكون إليها· فالهيمنة المفرطة التي تفرضها الأسرة على المراهق تحرمه بلاشك من الانتفاع بالعلاقات الايجابية مع زملائه، وتمنعه من التمتع بمنافع ما عساه أن يكتسبه من خبرات اجتماعية هو أحوج ما يكون إليها في مثل هذه المرحلة من حياته، على أنه ينبغي التحرر من الارتماء في أحضان زمر السوء التي تتلقفه، فهو إن وجد نفسه أمام أبوين مستنيرين ومتفهمين سيزول قلقه وتوتره ومشاكله الى حد بعيد، فما يدين به الأبوان من قيم وما يلتزمان به منها سيكون له أبلغ الأثر في حياة الأبناء المراهقين''· باستطاعة الأسرة الأخذ بيد المراهق إلى تحقيق آماله في بلوغ مرحلة الرشد، والمسألة تستلزم من غير شك شيئاً من الحكمة من جانب الآباء مما يخفف من وطأة الكبح التي ما يجسمها المراهق كثيرا، فكثير من الصراع الناشئ بين الآباء والمراهقين من أبنائهم يمكن تفاديه لو أن أولئك الآباء قد أصغوا إليهم بعض الشيء، وحاولوا النظر إلى الأمور من خلال الزوايا التي يراها منها أبناؤهم، وعلى الآباء والأمهات ألا يشغلوا بالهم طويلاً بالاختلاف الثقافي بين جيلهما وجيل الأبناء، أو بكيفية غرس هذه الاتجاهات التي يعتبرونها أحيانا تطرفاً بعيداً عن الصواب، فلا داعي للارتباك أو الخوف، أو اليأس، عليهما أن يدركوا أنها طبيعة هذه المرحلة، ولا بد من وجود الاختلافات ما بين زمن اليوم وزمن الأمس، وما طرأ على القيم والثقافة والحياة من تغيير، وليس مطلوبا منهم سوى المزيد من الصبر والتفهم وتجنيب مشاعر اليأس أو الإحباط، واستبدالها بمشاعر الثقة والتفاؤل والصراحة والود والحوار بين الأبناء، ويحاولوا في كل خطوة معهم أن يقولوا لأنفسهم، علينا أن نفهم كيف يفكر أبناء هذا الجيل قبل أن يرفضوا ويعلنوا تفكيرهم قبل محاولة الاقتراب منه·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©