الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النفع والضرر في متن واحد

النفع والضرر في متن واحد
26 أكتوبر 2011 21:02
صدر للباحثة والأكاديمية المغربية الدكتورة حورية الخمليشي كتاب “ترجمة النص العربي القديم وتأويله”، تسلّط فيه الضوء على أهمّية الترجمة الأدبية، لأن دراسة الترجمة “والتأويل في النص العربي القديم سفر ورحيل متواصل في التأملات والتنظيرات. وأي معالجة لهذه الإشكالية تجد نفسها محاطة بصعوبة كبيرة. وما يزيد من صعوبتها كون النص الأدبي يمتاز بطبيعة تخييلية. والأداة التخيلية تستعصي على الفهم والتأويل”. وترى حورية الخمليشي في مقدمة كتابها هذا، أن ترجمة نص أدبي هو نشاط تخييلي، والترجمة “الأدبية مغامرة محفوفة بالمخاطر، ولكنها ليست مستحيلة. ويلتقي كل من ريجيس بلاشير وجورج مونان في عدم تبنيهما فكرة استحالة الترجمة الأدبية، إلا أنهما جعلا إمكانيتها رهينة بمدى قدرة المترجم على مراعاة طرق الأداء اللغوي والاختلافات الحضارية. إلا أنه لا يوجد معيار مطلق لما يجب أن تكون عليه الترجمة الأدبية، للاحتفاظ بالمعنى بعد نقله من النص الأصلي إلى النص المُترجَم، لتظل بذلك الترجمة الأدبية مغامرة محفوفة بالمخاطر لما قد يؤدي إليه سوء الفهم من تضليل المعنى”. وتؤكد حورية الخمليشي، في القسم الأول من الكتاب، أن جورج مونان لاحظ أن ترجمة الشعر الصيني إلى لغة غربية أمر تحفّه الكثير من الصعوبات لما تأسس عليه هذا الشعر من تشكيل وموسيقية ناهيك عما يمتاز به الشعر العربي من طاقة جمالية إبداعية تصورية كبيرة. ولهذا لم يربط بلاشير الترجمة الأدبية بثقافة المترجِم فحسب، بل جعل من شروط الترجمة أيضا امتلاك الحدس والموهبة”. مواصفات وخصائص بهذا الحديث عن الترجمة الأدبية، نكون ـ برأي الباحثة ـ قد تجاوزنا المفهوم الضيق للترجمة بالابتعاد عن مفهوم الترجمة الحرفية أو الآلية التي ينادي بها أصحاب نظرية الترجمة. “فحديثنا سيكون مقتصرا على المترجم الأدبي الذي يقتضي شروطا من المواصفات والخصائص، فتصبح الترجمة بهذا المفهوم ذات طابع إشكالي حينما تتعلق بترجمة نصوص إبداعية وهو أمر لا يتيسر لأي مترجم”. وتضيف إن الحديث عن “مسألة الترجمة الأدبية يطرح على قارئه أسئلة معرفية متعددة من قبيل: لماذا نترجم؟ ومن يقوم بالترجمة؟ وكيف نترجم؟ وما هي شروط المترجم ومؤهلاته الثقافية والعلمية؟ وما هي خصوصية الترجمة الأدبية؟ وما هي الأهداف التي نتوخاها من الترجمة؟ وما هي العوائق التي يواجهها المترجم في مستويات المصطلح والتركيب والدلالة؟ وهل النص المترجم خيانة للنص الأصلي أو إبداع؟ ولماذا يضطر بعض القراء إلى الرجوع إلى النص في لغته الأصلية؟ وهل يفقد النص المترجم من العربية فصاحته وبلاغته التي له في لغته الأصلية؟ وهل يؤدي النص المترجم الدور الذي أراده له مبدعه في لغته الأصلية؟ والى أي حد نجح بلاشير في ترجمة تصور القراءة التي قدمها للأدب العربي؟”. تبقى الترجمة الأدبية، كما تقول الخمليشي، التي يعتبر بلاشير أحد أقطابها الكبار أصعب أنواع الترجمة. فهو “كان من أنصار الحضارة العربية، ومن دعاة الحرية والتحرر في الأقطار العربية. ولعل مصاحبتنا للدراسات البلاشيرية قراءة وترجمة كانت تطرح علينا عدة تساؤلات، من قبيل لماذا هذا الاستشراق؟ ولماذا هذا الاهتمام بترجمة أدب العرب؟ وما موقع هذه الترجمات في سياق حركة الاستشراق؟ ألا ترتبط هذه الترجمة بوضعية الثقافة للشعوب المستعمرة؟ ألا تمثل هذه الترجمات إيديولوجية استعمارية؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هو الجهاز الذي يجعل بلاشير يجعل المتنبي شاعرا كبيرا، وما الذي جعله يعرّف بشعره في الثقافة العالمية؟ والى أي حد نجح بلاشير في رسم صورة ثقافة وحضارة الآخر وهي حضارة لا تتساوى مع حضارة “المركز”؟ وتعتبر الباحثة: “إن نقد الاستشراق في مشروع إدوارد سعيد، الذي نظنه أفضل ما كُتب عن الاستشراق لحد الآن، هو نقد للاستشراق الاستعماري الكولونيالي وليس للاستشراق العلمي. فما يجب مواجهته فعلا هو هذا الاستشراق السياسي الذي يعبر عن المصالح الاستعمارية السياسية الغربية أو الاستشراق الديني الذي يترجم دوافع التبشير، وهو بعكس الاستشراق العلمي المعرفي الذي يهتم ويعرف بتراثنا العربي دراسة وترجمة وتحقيقا. فقد لعب علماء الاستشراق دورا كبيرا في دراسة وترجمة علوم الشرق وحضارته، في الفكر العربي الإسلامي قديما وحديثا، وتتمثل في ما ترجمه هؤلاء من آداب العرب وعلومهم إلى لغتهم. وهذه الإنتاجات الفكرية استفاد منها الشرق والغرب على السواء. ليس معنى هذا أننا نهوِّن أغلاط بعض المستشرقين في ترجمتهم وشرحهم للنصوص، كما لا نستبعد ما يحمله بعضهم من نزعة استعمارية، إلا أن علماء الاستشراق تسمو نفوسهم عن الأغراض فتغلب النزعة العلمية فيهم على النزعة الاستعمارية”. نقد الاستشراق وترى الباحثة أن من “علماء الاستشراق الذين استلهموا سحر الشرق وعشقوا أدبه من أجل أدبية الأدب لا غير، جاعلا من العلم والمعرفة همه الأساسي. فلم يكن استشراق بلاشير استعماريا ككوستاف فون كرونباوم، ولم يكن متعصبا كمرجوليوت. بل تميز بحبه وإخلاصه للتراث العربي فألف كتبا قيمة عن الأدب العربي وترجم القرآن الكريم والسيرة النبوية. وكان مؤلّفه عن شاعر العروبة “أبو الطيب المتنبي” من الكتب العظيمة التي عرَّفت الغرب بأكبر شاعر عربي تم السكوت عنه زمنا طويلا في الثقافة العالمية. صحيح أن من علماء الاستشراق من يؤاخَذون بارتكاب أخطاء تأويلية في فهم المعاني الشعرية وشرح النصوص لم تكن صادرة عن سوء نية بل عن سوء فهم وهي أخطاء لا تعدُّ إلى جانب ما أسداه هؤلاء لخدمة اللغة العربية وخدمة الإسلام، ليبقى نفعهم أكثر من ضررهم بتعبير زكي مبارك ولو أن معظمهم امتهن الاستشراق في بداية حياته، إلا أنهم تحولوا إلى علماء، وإلى أنصار الحضارة العربية لما امتازت به مؤلفاتهم من نزعة علمية سامية في تذوُّق الأدب العربي الرفيع”. وعلى المستوى التطبيقي، حاولت حورية الخمليشي التعامل مع “المترجمات الأدبية لرجيس بلاشير، وكذلك ترجمته للقرآن من خلال انتقاء نماذج متنوعة من الشعر، والنثر، والنص القرآني بغية تقليص المسافة بين التنظير والممارسة عند ريجيس بلاشير”، وهي تؤكد أن فعل الترجمة “هو أولا وقبل كل شيء ممارسة نصية مشروطة بضوابط الترجمة والتأويل”. ويتكون القسم الثاني من هذا الكتاب من ثلاثة فصول، رصدت فيه الباحثة “الممارسة النظرية عند ريجيس بلاشير في ترجمته للقرآن الكريم، وفي ترجمته للشعر والنثر العربي مع توضيح منهجية بلاشير في تأويل معاني القرآن، ومدى اتباعه للقواعد التي وضعها هو أصلا لهذه الترجمة”. كما تضمن القسم الثالث من هذا المؤلف القيم “الممارسة النصية عند ريجيس بلاشير في ثلاثة فصول”، لمست فيه المؤلفة “ترجمة النص القرآني، وكذلك ترجمة النص الشعري والنثري”، وقد أوضحت المؤلفة طريقة “بلاشير في تأويل معاني النص القرآني مقارنة بكبار المترجمين للقرآن الكريم”. وقدمت نماذج “من النص القرآني بترجمات مختلفة لملاحظة الفرق بين المترجمين، وكذلك ترجمته ودراسته لنماذج من الشعر العربي القديم ولنماذج نثرية من أدب المقامة وأدب الأمثال، وعلم المعاجم والموسوعات والمخطوطات وعلم الجغرافيا”. أما القسم الرابع، فيقدم ريجيس بلاشير، الذي اعتبرته المؤلفة “مدرسة أدبية متميزة في دراسة وترجمة التراث العربي القديم. فقد كان للمدرسة البلاشيرية دور كبير في تكوين باحثين وعلماء من عرب ومستشرقين سواء من تتلمذوا على يديه أو من أخذوا العلم على تلامذته أو تلامذة تلامذته في مرحلة متأخرة جمعت بينهم أواصر محبة وعشق التراث العربي. ويفخر العديد من الأدباء الكبار أنهم كانوا يوما من طلبته أو من طلبة طلبته”. نشير إلى أن هذا البحث هو في أصله جزء من رسالة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه في الأدب العربي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©