الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تأويلات على هامش «شكسبيرية» الشارع

تأويلات على هامش «شكسبيرية» الشارع
26 أكتوبر 2011 21:03
مطلع هذا العام أعلنت الهيئة العربية للمسرح عن مشروعها “التنمية المسرحية العربية”، وحتى الآن عقدت تحت هذا العنوان ثلاث ندوات وملتقيات في الشارقة وعمان، كانت الأخيرة من بينها ندوة “المسرح العربي ـ رؤية مستقبلية” التي أقيمت بقصر الثقافة بالشارقة، بواقع اثنتي عشرة جلسة، شارك فيها نقاد أكاديميون ومشتغلون في الفنون المسرحية وإعلاميون على صلة بالشأن النقدي المسرحي. كانت البداية مع واقع المسرح العربي لجهة مستقبل التيارات والمدارس الأكاديمية والتجريبية الفاعلة فيه، وكذلك صلته بالجمهور، حيث خرج ذلك اللقاء بتوصيات يمكن وصفها بأنها “ثورية”، في حال جرى تطبيقها بالفعل، تسعى إلى إعادة الصلة بين المسرح وفاعليته الاجتماعية، بوصفه مؤثرا في التغيير الاجتماعي إلى ما هو أكثر عقلانية وتقدماً. تلى ذلك انعقاد ملتقى خاص بالمرأة العربية في المسرح في العاصمة الأردنية عمّان في السياق نفسه، ثم هذه الندوة التي جاءت لتقيّم المستوى المعرفي الذي بلغه النقد ثم لتمنع ذلك الخلط بينه وبين التأريخ المسرحي وتضع فوارق بين عمل الناقد وصنيعه وادواته وبين القراءات المرتجلة التي تلاحق ما فعل المخرج على الخشبة، من دون الاطلاع على ما أحدثه هذا المخرج من تحولات على النص الأدبي ـ الدرامي المسرحي الذي هو شرارة البدء في أغلب العروض المسرحية العربية. إعلان الشارقة وبحسب ما تعلن عنه الهيئة، ولا تزال، ممثلة بأمينها العام الكاتب إسماعيل عبد الله ومستشارها الدكتور يوسف عيدابي، فإن الهدف الاستراتيجي الذي يصبو إليه هذا الحراك المعرفي هو “إعلان الشارقة المسرحي”، ليس لأن هذا الإعلان سيكون المعجزة التي تحقق للمسرح العربي أن يتجاوز كل إشكالياته واخطائه وما ارتكب الاخرون في حقّه من أخطاء، بل قد يكون إعلان الشارقة عن واقع المستقبل العربي وآفاق تطوره بمثابة بيان تأبيني ينعى للعرب “موت مسرح.. هِم”، لكن من المبالغة القول إن هذا البيان سيكون شافياً، لكن حسبه أنه يلقي حجرا في المياه الراكدة في للمسرح العربي التي بدأت تأسن من فرط البيروقراطية واغتيال العقل والإبداع والمخيلة ونزيفها الذي لا ينضب إلى مختلف بقاع الأرض، وذلك بدءاً من منتصف الثمانينات من القرن الماضي وحتى الآن. والحال، أن مشروع التنمية المسرحية العربية هذا يدين للربيع العربي بتفتحه وانبثاق فكرته الأولى، فلقد فتح الحراك الشعبي العربي وجماهيره التي تتحرك كما لو أنها جموع تتحرك في عمل مسرحي ملحمي وشكسبيري الطابع، لتكون هي البطل الذي حوّل المسرحية من هزلية كوميدية إلى تراجيديا عزّ نظيرها في التاريخ العربي الحديث، بحيث إنه ما من مبالغة في القول إن هذا الربيع لم يتفتح في المنطقة العربية وحدها بل في دول الجوار القريب والبعيد، فالعالم الذي بات يصحو على إعاقات الطرق واحتلالات أسواق المال واحتجاجات سلمية وغير سلمية. منذ اللحظات الأولى لانطلاقة المشروع بدا الأمر جليا في أوراق العمل التي قدمها المشاركون حتى أن الطروحات النظرية للبعض منهم كانت تلاحق تلك الأفكار التجديدية التي كان شباب مصر يطرحونها في ميدان التحرير. وهذا الأمر، أي التقاط مؤشرات التحولات المقبلة من الشارع العربي إلى الفنون وتأثر القائمين على الشأن المسرحي بالتحولات الراهنة، أمر يشير إلى أن ذلك “الإحساس” الفني الراقي بمجمل ما ينطوي عليه من التحرك من فعل إنساني لم يمت بعد، أليست هذه وحدها بدلالة على دم ما زال ينبض في الوجوه مثلما أنه ينبض في العروق؟. وبالتأكيد فإن الأبحاث والأوراق التي تمّ تقديمها خلال الندوة لم تكن الطروحات فيها تحمل الجدّة ذاتها ولا المستوى ذاته من الذي من المفترض أن يخلخل البنيات النظرية القائمة في الممارسة التطبيقية للنقد المسرحي. أيضا، في السياق نفسه، فإن أغلب المشاركين قد كانوا من المشتغلين بالمسرح لا بنقده ما يعني أن جانبا كبيرا من الأفكار قد انبنى على خبرات وتجارب ذاتية أكثر من الممارسة النقدية التي يقوم بها ناقد متخصص يعمل على النص والعرض معا، وليس المخرج فقط الذي يرى النص في حال إعداده والاشتغال عليه ليصير نصاً للعرض من وجهة نظر المخرج بداية. أيضا، وبعيدا عن التعقيبات فإن أوراق العمل قد نحى بها أصحابها بعيدا عن الاختزال والتكثيف اللذين تحتاج إليهما مثل هذه الندوات، بل إن ملخّصات قد ذهبت إلى الفكرة الأساسية بالذات فكان هو المرور السريع على أفكار بارزة ضمن هذا الطرح او ذاك أو الابتعاد تماما عن الورقة والارتجال الذي قد أفضى بالبعض إلى نوع من الثرثرة، مع الاحترام للجميع، مع ذِكْر لما يُقال عادة أو قيل سابقا في هذا السياق او ذاك. أما الممارسون للنقد المسرحي فهم في أغلبهم من ذوي الخبرات القليلة في التعامل مع النص المسرحي والعرض المسرحي الذين أخذوا تميزهم من المقدرة على تحويل المشاعر والأحاسيس تجاه عرض مسرحي ما إلى أفكار قد انبنت على موقف من الفعل المسرحي بوصفه موقفاً من العالم ومن المعرفة باستثناءات نادرة. أفكار وآراء من هنا يمكن القول إن هناك أفكاراً بارزة تضمنتها بعض الأوراق أكثر مما أن ورقة بأكملها قد طرحت أفكاراً جديدة أو غير مسبوقة في تجديد النقد المسرحي الذي تجري ممارسته سواء في الصحافة بأنواعها أو في الدوريات الثقافية والمتخصصة، وعلاقة هذا النوع من النقد بالنص المسرحي الأدبي من جهة ونص العرض من جهة أخرى. وهنا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد لاحظ الدكتور مشهور مصطفى أستاذ الدراسات الدرامية والاخراج والتمثيل ومنهجيات البحث في كلية الفنون في الجامعة اللبنانية أن “الممارسات النقدية منذ بداياتها لم تكن تستند إلى منهج واضح. لذلك ظلّتْ تتنقل بين الانطباعية والمعيارية والوصفية والعلمية. وبالمقابل فإن تلك الممارسات لم تستطع أن تؤسس لمنهج نقدي واضح جليّ وصارم، ولم تبنِ بالتالي الصرح النقدي الذي نحن بحاجة إليه، لنمارس من خلاله فعل النقد المسرحي المتحرك” وذلك في ورقته التي حملت العنوان: “تقييم الممارسات النقدية العربية الراهنة ـ الجوانب النظرية”. ومع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا التوصيف لواقع الحال التي لا تنطبق على المسرح وحده بل إنها تطال مجمل الفنون السمعية والبصرية فقد سمّى الدكتور مشهور مصطفى هذا الواقع بـ: فعل المراوحة، الذي يبدو أن لا فكاك منه إلا “بتأسيس منهج واضح يحدد الأهداف ويعدد الأدوات، ويوضح طرق استخدامها لتلائم وتتلاءم مع كل إبداع جديد”. وبالفعل من غير الممكن الادعاء بوجود منهج نقدي متعدد الأوجه والأساليب من الممكن الإشارة إليه اليوم بوصفه قابلا للنقد والحذف والإضافة قد مورس مسرحيا عبر السنوات الخمسين الماضية في الصحافة اليومية والأسبوعية حتى الآن، أي بعد مرور أكثر من أربعين عاما على تأسيس الصفحة الثقافية اليومية التي انطلقت مطلع السبعينات من القرن الماضي. أيضا لم تُفض هذه الممارسة النقدية إلى ناقد متخصص في الحقل المسرحي أو الحقل الموسيقي أو الأدبي أو حتى الإصدارات الحديثة، ذلك أن الصحفي الذي يعمل في الصحافة الثقافة يتجاوز عمله مع ما يصطلح عليه بالتغطية الإخبارية للحدث الثقافي ليصير منظِّراً في كل المجالات الابداعية، علماً أن أغلب العاملين في هذا المجال هم من غير المتخصصين في الصحافة أو الصحافة الأدبية، بل إن واحداً من أسباب الفقر المعرفي على هذا الصعيد هو أنهم لا يمتلكون غالبا لغة أجنبية ولم ينالوا الحدّ الأدنى من التعليم الجامعي، وهو أمر موجود بالفعل ولا مبالغة فيه، حتى في تلك الصحف التي تصف نفسها بأنها عريقة، فحقيقة أمرها أنها تتعامل مع أرقام التوزيع على حساب القيمة المعلوماتية والمعرفية للخبر أو نقده. إن فتْح ملفّ شائك إلى هذا الحدّ في ندوة خاصة بشأن النقد المسرحي لا يتوقف عند الأدوات المتوافرة لدى هذا الصحفي الممارس للنقد المسرحي أو ذاك، بل ينسحب أيضا على التخصصات الجامعية ذاتها في المنطقة العربية إجمالا، فمنْ هم الطلبة والأساتذة الذين يحقّ لهم الالتحاق ببرامج دراسة النقد في المسرح أو الموسيقى؟ ومنْ هو الذي يمارس هذا النقد في الصحافة النقدية؟، وهل الاعتبارات هنا هي معرفية فحسب أم أسوأ من ذلك بكثير بدلالة أن الأبرز من بين النقاد العرب في أي حقل معرفي هم من المثقفين الذين خرجوا من بلادهم، أو هجّروا منها تحت مسمى البحث عن لقمة العيش أو الحياة الأفضل، حتى عادت الكثير من الجغرافيات العربية طاردة. لقد كان هذا الأمر من بين المسكوت عنه عربياً وظلّ كذلك في طيّ المعلوم - المجهول، إلى أنْ جرى طرحه في مشروع الهيئة هذا، وربما لم تضغط على العصب الحساس لهذا الجرح بل إن فضيلتها هي أنها قد أشارت إليه، الأمر الذي إنْ لم يتم تناوله من جوانبه كافة فإنه يمثل بشارة حقيقية على المصارحة والمكاشفة التي بتنا نعتاد عليها بفضل ما يحدثؤ للشارع العربي والتقطته الهيئة العربية للمسرح.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©