الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خمار الملكة «ماب»

خمار الملكة «ماب»
26 أكتوبر 2011 21:04
قصة: روبين داريو ترجمة: د. طلعت شاهين الملكة “ماب” (1) في عربتها المصنوعة من لؤلؤة واحدة، يجرها أربع من فراشات مجنحة ذهبية ذات أجنحة من الأحجار الثمينة، تسير على شعاع شمس، دخلت من نافذة أعلى بناية كان بها أربعة من الرجال النحلاء، وذوي لحى، وقحين يبكون كما لو كانوا أشقياء. في ذلك الزمن، كانت الحوريات قد منحت البشر مواهبها، منحت لبعضهم عصيا سحرية تملأ صناديق التجارة ثقيلة بالذهب، ومنحت لآخرين سنابل عجيبة بفرط حبوبها تملأ عنابر كاملة بالثروة، ومنحت لآخرين زجاجا من خلاله يمكن رؤية الذهب والأحجار الكريمة في باطن الأرض لمن يملكون عضلات قوية مثل جوليات، وقوة عظيمة لطحن الحديد المنصهر، ومن لهم أقدام قوية وسيقان سريعة لركوب الخيل التي تشرب من الريح ولهم ملكة السباق. كان الرجال الأربعة يشتكون، أحدهم كان حظه امتلاك منجم، والآخر قزحية، والثالث إيقاعا، والأخير سماء زرقاء. سمعت الملكة “ماب” كلماتهم، كان الأول يقول: ـ حسن! أنا هنا في قمة تعبي في صراعي مع الرخام، لقد نزعت الكتلة ولدي الأزميل. كلكم تملكون الذهب، وتملكون التناغم، وآخرون يملكون الضوء، وأنا أفكر في البيضاء المقدسة “فينوس”. تعرض جمالها تحت قبة السماء المضيئة. أنا أريد أن أمنح هذه الكتلة تناغما وجمالاً فنياً، وأن تجري في شرايين التمثال دماء لا لون لها كالآلهة، أنا أملك روح اليونان في عقلي، وأعشق العري الذي تهرب إليه الحوريات وتمد لها الطبيعة أياديها، أوه “فيدياس” (2)، أنت بالنسبة لي القوة والمجد كشبيه إله، في مجال الجمال الخالد، أنت ملك يقود جيشا من الجمال يطرح أمام عينيك جمالا مشعا من أشكال الأجساد المصنوعة من الورد والثلج. انت تضرب، تجرح وتروض الرخام، ويرن صدى الضربة متناغما كالشعر، وتدور الأزيزي، عاشق الشمس، التي تخفي خلفها الأعناب العذراء، بالنسبة لرداء كاهنات الابولو الشقراوات والمضيئة، والمنيرفات الحادة والممجدة، أنت ساحر، تحول الصخرة إلى زينة وسن الفيل إلى كأس الوليمة، وعند رؤية مجدك أشعر بشهادة تصاغري، لأن الأزمنة المجيدة مضت، لأني أقشعر أمام نظرات اليوم، لأني أتأمل المثالي العظيم والقوى المنهكة، لأنني، كلما حفرت الكتلة، تخور عزيمتي. ويقول الأخر: ـ لو أنني كسرت فرشاتي اليوم، لأنني أريد القزح ومزيج الألوان الطبيعية تلك التي تزهر في الحقل، ولو أن لوحتي لم يقبلوها في الصالون بعد هذا كله؟ ماذا أفعل؟ لقد مررت بكل المذاهب، وكل الاستلهامات الفنية، لقد رسمت جذع “ديانا” ووجه “مادونا”، وطلبت من كل الاتجاهات ألوانها، تنوعياتها، دوّرتُ النور كما العشيقة، وعانقتها كحبيبة، كنت عاشقا للعري، بكل جمالياته، بكل تنويعات تجسداته، وخبيئاته الخافتة، رسمت على لوحاتي هالات القديسين وأجنحة الملائكة، آه، ولكن دائما يعتريني عدم الرضاء، المستقبل! وأبيع كليوباترا بقرشين حتى أستطيع تناول الطعام. وأنا، الذي يمكنه بقليل من الصبر أن يرسم اللوحة الكبرى التي أملكها هنا في داخلي...! وكان يقول الآخر: ـ روحي ضائعة في حلمي الكبير بالسيمفونيات، أخشى كل الإحباطات، أستمع إلى كل التناغمات، من أول القيثارة وحتى اوركسترات “فاجنر” (3) المدهشة. ومثالياتي تسطع بين استلهاماتي الحادة، أنا أملك إلهام الفيلسوف الذي يسمع موسيقى الكواكب. وكل الضجيج يمكنه أن يمسك به، وكل صدى قابل لتركيباته الموسيقية. كل شيء يدخل في خطوط سلمي الموسيقي. وقال الأخير: ـ كلنا نشرب من ماء “جونيه” (4) الصافي، ولكن المثالي يسبح في الأزرق، وحتى تتلذذ الأرواح بضوئها السامي، عليها أن تصعد. أنا أملك شعر العسل والشعر المصنوع من الذهب، والمصنوع من الحديد المصهور، أنا قارورة العطر السماوي: أملك الحب. أنا حمامة ونجمة وعش وزهرة وأنتم تعرفون مستقري. وللطيران البعيد المدى أمتلك الأجنحة الخفيفة التي تفصم العاصفة بضرباتها. وحتى يمكن العثور على سكنات، أبحث عنها في فمين يلتقيان فتنفجر القبلة، وأكتب الشعر المفرد، وحينئذ، عندما ترون روحي، سوف تعرفون ملهمتي، أعشق الأساطير، لأن منها تنبع النفخة البطولية التي تهز الرايات التي تتطاير على الرماح وعلى الأعراف التي ترتعش على الخوذات، والأناشيد الغنائية، لأنها تتحدث عن الآلهة وقصص الحب، وأعشق القصائد الرعوية لأنها تفوح برائحة النبيذ والزعتر، وزفرة الثور المقدسة المتوج بالزهور، أنا أكتب شيئا خالدا، ولكن يحبطني مستقبل من البؤس والجوع. حينئذ فإن الملكة “ماب”، من أعماق عربتها المصنوعة من لؤلؤة واحدة، أخذت خمارها الأزرق، الذي يكاد لا يدرك باللمس، والمكون من التأوهات، أو من نظرات ملائكة شقراء ومتأملة، لقد كان ذلك الخمار خمارا من الأحلام، من الأحلام الحلوة التي تجعل رؤية الحياة بلون الورد، ولفت به الرجال الأربعة، والذين توقفوا جميعا عن الشعور بالحزن لأن الأمل دخل صدورهم، ودخلت الشمس السعيدة إلى عقولهم، وبشيطان الألوهية أمكن نزع إحباطات الفنانين المساكين العميقة. ومنذ ذلك الوقت، فإنه في أعالي البنايات المرتفعة، حيث يطفو الحلم الأزرق، يجري التفكير في المستقبل القادم مع أشعة الفجر، وتُسمع الضحكات التي تنزع الحزن، ويجري رقص رقصات طليقة حول الأبيض أبولو، ومن مشهد جميل، ومن فيولين قديم، ومن مخطوط قديم. هوامش: 1 الملكة ماب: شخصية مأخوذة من القصيدة الشعرية الفلسفية للشاعر الرومانتيكي الإنجليزي شيلي (1792 ـ 1822) والمكونة من تسعة أنشيد ونشرت عام 1813. 2 فيدياس: مثال شهير في العالم الإغريقي القديم (أثينا 490 ق م ـ 431 ق م) كان من انشط فناني عصره وركز كل جهده ليجعل من معبد الاكروبوليس أهم معلم في أثينا. 3 ريتشارد فاجنر: موسيقي ألماني (1813 ـ 1883) برع في تأليف الأوبرات والدرامات الموسيقية. 4 جونيه: مقاطعة إغريقية قديمة كانت تقع في منطقة الأناضول التي هي حاليا في تركيا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©