السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اقتصاد التسعير التفاضلي!

12 مارس 2016 00:49
كيف يمكننا أن نصف مطعماً ما بأنه «مطعم صحي للمأكولات السريعة»، إذا ما كان يفرض زيادة مقدارها 35 في المئة، على سعر كأس العصير، عندما يريد الزبون أن يكون هذا العصير مستخلصاً من نوع واحد من الفاكهة، وليس من تشكيلة فواكه. في البداية، اعتقدت أنني قد أخطأت في قراءة قائمة الأصناف. كنت أعرف بالتأكيد أن هناك زيادة في السعر مقدارها دولاران تضاف إلى الفاتورة إذا ما طلب الزبون تشكيلة إضافية من الفاكهة، التي سيستخلص منها العصير، ولكن هذا لم يكن ينطبق على حالتي. وعندما فحصت القائمة مرة ثانية، تأكدت من أن المطعم كان يفرض فعلًا على الزبائن سعراً إضافياً، إذا ما اختاروا أن يكون العصير الذي يطلبونه مستخلصاً من صنف بعينه من الفواكه. طلبت من بعض أصدقائي أن يساعدوني في فهم ذلك، ولكنهم لم يستطيعوا. ولذلك، فإنني عندما عدت إلى المطعم، شرحت للعاملين ما حدث وما عجزت عن فهمه بشأن أسعار العصائر، فأبدى اثنان منهم تعجبهما، ورأى اثنان آخران أنني ربما أكون قد أخطأت في قراءة القائمة، ولكن واحداً منهم أمدني بتفسير يبدو معقولًا. فقد تبين أن هذا الأسلوب التسعيري الذي يبدو ظاهرياً منافياً للحدس السليم، هو في جوهره محاولة من قبل المطعم للتحكم في الطلب على الفواكه الموجودة لديه. وكانت إدارة المطعم قلقة بشكل خاص من حدوث طلب زائد من قبل المستهلكين على نوع معين من الفواكه (المانجو على سبيل المثال)، ما يؤدي إلى استنزاف المخزون منه، والحد بالتالي من قدرة الزبائن الآخرين على الحصـول على العصــير المســتخرج من خليطهم المفضل من الفواكه. ولكن نظراً لأن إدارة المطعم لا تريد على الإطلاق أن تُجرّم كوكتيل عصائر أو صنف عصير بعينه، فقد ارتأت أن الخيار الأفضل هو فرض تلك الزيادة الباهظة على السعر، البالغة نسبة 35 في المئة. وينتابني شك في أن هذا الأسلوب في التسعير سيحير مستهلكين كثيرين، وإن كان لا يخلو أيضاً في نظري من ميزة تحليلية مع ذلك. والحقيقة، هي أن اقتصاديي السوق الحرة، سيصفقون لمحاولة المطعم استخدام آليات التسعير كوسيلة لتحقيق أهداف المشروع، بدلًا من فرض حد كمي أو المجازفة بنفاد كمية المنتج المطلوب، ما يؤدي إلى خيبة أمل المستهلكين. فالمطعم في هذه الحالة يسعى للتصرف بشكل استباقي، لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، من خلال ما يعرف بـ«التسعير التفاضلي». بيد أن هذا الاستخدام الخاص للتسعير التفاضلي قد لا يكون هو الخيار الأفضل المتاح في هذه الحالة، وذلك لأسباب عدة: الأول، أنني أعتقد أن فرض رسم إضافي بنسبة 2 في المئة هو إجراء تعسفي على نحو ما، ومدعوم بقدر قليل بما يعرف «تحليل الأثر». والثاني، أنه ليس واضحاً ما إذا كانت التكاليف الباهظة، الهادفة لتثبيط عدد قليل من المستهلكين، عن طلب عصائر مستخلصة من نوع واحد من الفاكهة، صائبة أم لا، وخصوصاً إذا ما علمنا بأن غالبية المطاعم لا تعاني من نقص في أي نوع من أنواع الفواكه. والثالث، أن هذه السياسة يصعب فعلاً شرحها -إلى الدرجة التي جعلت كثيراً من العاملين في المطعم، يبدون متحيرين بشأنها. أما الخيار النموذجي، فهو أن يكون المطعم قادراً على تطبيق نسخة أكثر ديناميكية من التسعير التفاضلي، من خلال تغيير مقدار الزيادة المفروضة على السعر، بما يتفق مع الطلب الفعلي، بدلًا من وضع سعر تعسفي بناء على تقديرات أولية قد تكون غير دقيقة بشأن التغير في كمية المخزون من الفواكه. وهذا تحديداً هو ما تفعله شركة «أوبر» Ueber العالمية لخدمات سيارات الأجرة، بشأن نهج الأسعار المتغير الذي تتبعه، بما في ذلك «زيادة السعر بناء على زيادة الطلب». فـ«أوبر» قادرة من خلال استخدام هذا الأسلوب ليس فقط على التأثير على الطلب بما يتماشى مع العرض -بما في ذلك استخدام أسلوب تشجيع الزبائن على المشاركة في سيارات الأجرة- وإنما هي قادرة أيضاً على تشجيع المزيد من السائقين على الخروج للعمل بما يزيد في الأعداد المتوافرة منهم. وهذه الممارسة لا تخلو من انتقادات: حيث تتطلب الكثير من التغييرات في قائمة التسعير، على نحو قد يؤدي إلى إغضاب زبائن معينين، وحيرتهم، كما أنها يمكن أن تؤدي لمبالغات في ظروف معينة. ومع ذلك فإن أسلوب التسعير التفاضلي، إذا ما استخدم بذكاء ولباقة، وعندما يتم شرحه بإيجابية وشفافية، يعتبر في الحقيقة هو الأسلوب الأفضل الذي يحقق أهدافاً عديدة في وقت واحد. وأعتقد أنه الأسلوب الذي يمكن أن يعمل على نحو جيد للغاية في العديد من أنشطة الترفيه، وأن استخدامه سيزداد انتشاراً، على الأرجح أيضاً. * رئيس مجلس التنمية العالمية التابع للرئيس أوباما، وكبير المستشارين الاقتصاديين لشركة «إليانز» العالمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©