الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ثنائية الأنا والآخر تنطوي على زيف وخداع

ثنائية الأنا والآخر تنطوي على زيف وخداع
8 نوفمبر 2014 23:50
إبراهيم الملا (الشارقة) هل يمكن أن تظل ثنائية الشرق والغرب، ثنائية محكومة بالتضاد والتنافر للأبد؟ وهل يمكن تفسير هذه العلاقة المشحونة بالتوتر في الوعي الجمعي بوصفها رمزاً أحادياً وعنصرياً يؤجج الصراع بين الثقافات المتباغضة والمتناحرة أصلاً؟ وكيف يمكن التعاطي مع هذا المفهوم المغلق وهذا التصنيف الانعزالي وسط ازدهار العلاقات العالمية الحديثة والمتشابكة على صعيد الاقتصاد والهجرات المتبادلة وصعود دور الوسائط التقنية المتطورة؟ هذه الأسئلة وغيرها من القضايا المعرفية كانت بمثابة محاور ومفاتيح أولى لإثارة نقاشات وتفريعات جدلية متعددة في الندوة التي استضافتها قاعة الفكر في مركز إكسبو الشارقة مساء أمس الأول، ضمن البرامج الثقافية الثرية لمعرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الثالثة والثلاثين. شارك في الندوة، كل من الكاتب اللبناني علي حرب، والصحفي والدبلوماسي الباكستاني السابق حسين حقّاني، وقدم للندوة الأديبة والمترجمة الإماراتية عائشة الكعبي التي أشارت بداية إلى أهمية طرح مثل هذه القضايا الفكرية وسط مناخات سياسية محتدمة، وتفسيرات عقائدية مغلوطة أخذت تفرض أنماطها العنيفة والمتطرفة في منطقة الشرق الأوسط. ونوهت الكعبي بأن تحديد جهة (العقل) والاستنارة المعرفية وسط مفاهيم تقليدية وإقصائية للعلائق الثقافية والإنسانية بين الشرق والغرب، ما زال بعيدا عن الوضوح والدقة، وفي هذا السياق طرحت الكعبي أسئلة عدة على ضيفي الندوة، استناداً إلى الإشكالات والصراعات الاجتماعية والسياسية والدينية المخيفة التي تعيشها البلدان العربية والإسلامية في هذه الأوقات الصعبة. عن تبدل المفاهيم حول هذا التوصيف المبهم لثنائية (الشرق والغرب)، أو (الأنا والآخر) أوضح علي حرب في بداية مداخلته، أن هذا التوصيف فيه اختزال وبتر، وقد ينطوي على زيف وخداع، لأن أحد الطرفين يمكن في أية لحظة أن يصبح في مكان الطرف المقابل، فقد يكون العدو نفسه هو وجهنا الآخر، وقد يكون الأخ أيضا عدواً لأخيه، ومن هنا، فإن وضع حدود بين الشرق والغرب، يعني وضع فواصل واهية وغير دقيقة، خصوصا على المستوى القيمي أو الأخلاقي. وأضاف حرب أن كلمة الغرب تحيل جغرافيا إلى أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، ويتمحور جذرها الديني حول الديانة المسيحية (بروتستانتية أو كاثوليكية)، مشيرا أن هذا الغرب بات اليوم مقياسا للتقدم والتطور الصناعي والتكنولوجي والعسكري، كما لا يمكن اعتبار الصين وروسيا على أنهما من الدول الغربية، لأنها تعتمد على النظام الشمولي وعلى فكرة القومية الاتحادية، وهي تعد من دول العالم الثاني، بينما تعتمد دول الغرب على النظام الليبرالي الديمقراطي، أما الدول العربية والإسلامية فما زالت محسوبة على دول العالم الثالث، وما حروب الفناء المتبادل في هذه الدول والقائم على العنصرية المذهبية، وعلى الأفكار الظلامية الرجعية، كما يشير حرب إلا دليلاً واضحاً على استمرار بقاء هذه الدول في قاع التصنيف العالمي، مقارنة بالآخرين المسكونين بهاجس المستقبل وطريقة مواجهة التحديات القادمة فيما يخص مصادر الطاقة والصحة والتعليم وتطور النظم الاجتماعية المستقرة والمنتجة. وأوضح حرب أن الغرب اليوم لم يعد غرباً واحداً، فهناك صراع أفكار ما زال محتدماً عند النخب والجماهير، كما أن الشرق لم يعد محصوراً في بنيته الجغرافية الثابتة، حيث إن دولاً مثل الهند وماليزيا وسنغافورة باتت أقرب للانضمام إلى دول العالم الثاني، وقال إن عولمة الهويات أخذت تزحزح وتذيب صرامة هذه الثنائية الراسخة كمصطلح ثابت في الأذهان إلى اليوم، وضرب مثالاً بعالمية الفنانين والكتاب والمثقفين الذين باتت أعمالهم ونتاجاتهم تتنقّل شرقاً وغرباً، من دون حواجز ذهنية شائكة، وضرب مثالاً آخر بمعرض الشارقة الدولي للكتاب الذي وصفه بالخيمة الثقافية الكوزموبولتية التي تزورها مجاميع بشرية تنتمي لإثنيات وأعراق ومرجعيات ثقافية ودينية متعددة ومتنوعة. وأكد حرب أن العالم في السنوات القليلة القادمة قد يصبح عالماً واحداً على الصعيد التقني والعلاقات الاقتصادية، ولكن لا يمكن أن يكون واحداً على الصعيد الثقافي، وإلا فإننا كما قال سنفتقد الثراء والتنوع والجدل المعرفي السوي والصحي بين شعوب الأرض. نظرة تصنيفية بدوره أشار الدبلوماسي الباكستاني حسين حقاني إلى أهمية تغيير النظرة التصنيفية القاطعة بين الغرب والشرق، لأنها كما قال نظرة ماضوية ترسخت مع هيمنة النظم الاستعمارية النفعية والجشعة، وقال إن دولاً عديدة في هذا الشرق المبتلى بالصراعات والحروب، اختارت أن تبقى وعلى طول الخط في الجانب المعادي للغرب، بينما اختارت دول أخرى أن تبني علاقات أكثر نضجاً وتطوراً مع هذا الغرب، وضرب حقّاني مثالاً واضحاً بدولة الإمارات التي استندت كما أشار إلى رؤية حكيمة ومتوازنة من قبل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، عندما قرر أن الإمارات لن تكون مصدر تهديد لأحد، وخصوصا الغرب، بل ستكون مركزا للتعلم، والاستفادة من العلوم والخبرات الإيجابية التي يقدمها هذا الغرب، ومن هنا أيضاً، وكما أضاف حقاني ظلت الإمارات من الدول القليلة التي استثمرت مواردها الطبيعية، وعلى رأسها النفط، لتحقيق الرخاء والتقدم الاجتماعي والتعليمي والصحي لمواطنيها، والتفكير في بدائل جديدة للطاقة تضمن بها تواصل هذا الرخاء والاستقرار. وقدم حقاني العديد من الإحصاءات والمقارنات التي تفصح عن مؤشرات خطيرة حول تدني الوعي الثقافي والاقتصادي والتقني في الكثير من الدول العربية والإسلامية، وبالتالي ضرورة تغيير المناهج والنظم الخاصة والعامة لتتواكب مع لغة العصر، والتخلي عن المفاهيم العدائية الملتبسة من خلال إقامة علاقات مرنة ومتوازنة مع الآخر، دون التخلي بشكل كامل عن القيم والتقاليد، بل استثمار الجانب الإيجابي منها حتى يكون لهذه الدول تأثيرها وحضورها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©