الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تفكيك التطرف

8 نوفمبر 2014 23:45
معركة المجتمعات العربية والإسلامية مع «الإرهاب»، هي معركة من أجل كسب العقول والنفوس، وقد نجح الفكر المتطرف في اجتذاب وتجنيد البعض لخدمة مخططاته الإرهابية، ممن لم يتم تحصينهم. فلماذا يكسب «المشروع الإرهابي» عقولا وقلوباً في الساحة، ويجد أنصاراً يعملون على كسب الشباب إلى صفوفهم؟! وما سر «جاذبية» خطاب التطرف؟! العالم أصبح موحداً ضد تنظيم «داعش»، لكن خطاب هذا الأخير لا يزال يستهوي نفوساً من مختلف دول العالم. قال المنسق الأوروبي لشؤون مكافحة الإرهاب: هناك أكثر من 3 آلاف أوروبي انضموا لـ«داعش»، منهم شابات ومراهقات. وطبقاً لـ«الجارديان» البريطانية فإن 10% ممن غادروا أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا للالتحاق بـ«داعش» هم من النساء! «مراهقات أوروبيات» يركبن الصعاب بغية الانضمام لـ«داعش»! ترى ما الذي يدفع شابات وشباباً ترعرعوا في أوروبا ودرسوا في مدارس علمانية، يحبون الغناء والموسيقى، لترك عائلاتهم والالتحاق بـ«داعش»؟ يحار المرء في تفسير دوافع أشخاص يعيشون في مناخ ديمقراطي (غربي) وينعمون بمباهج الحضارة، ويتمتعون بالحريات، ولا يعانون أزمات اقتصادية.. فما الذي يجذبهم لـ«داعش»؟! وما الذي يعجبهم في تصرفات قاطعي الرؤوس؟! لا يقتصر الأمر على أناس عاديين، فهناك أطباء ومهندسون انضموا لـ«داعش»! لماذا يتركون «الإسلام السمح» الذي عليه مليار مسلم إلى «إسلام الكراهية والعنف»؟! وما الذي يستهويهم في خطاب العنف والكراهية؟ وما سر جاذبية الخطاب العنيف؟ وما هي العوامل الجاذبة فيه؟! هناك من يستسهل الجواب، ويلقي باللوم على الآخر الخارجي، فيتهم القوى الإقليمية والدولية ويحملها مسؤولية تجنيد شبابنا وتضليلهم بهدف إشعال المنطقة واستدامة الفوضى فيها، وصولا إلى تقسيمها طائفياً وإثنياً لخدمة مصالح هذه القوى. والحقيقة أن علة العلل تمكن في غياب ثقافة الحوار، والتي من أهم مقوماتها «إحسان الظن» بالمخالف، أي نبذ هواجس التآمر التي نحن مسكونون بها. ثم تجنُّب التشكيك في معتقد الآخر، وهو للأسف منهج سائد بين الفرق والطوائف! هذا إلى جانب «حُسن الإصغاء للآخر»، ومعلوم أن المجتمع العربي تغيب عنه ثقافة الإصغاء للآخر، فالكل يقاطع الكل، والكل يتكلم ويصرخ في وقت واحد. ثم «الإيمان بأن الحق أو الصواب ليس حكراً على مذهب»، وأن الإسلام أكبر وأرحب من أن يختزل في مذهب أو اجتهاد واحد. وأخيراً ينبغي أن يكون الهدف من الحوار معرفة ما عند الآخر، بقصد توسيع مساحة الاتفاق وتضييق مساحة الخلاف. أما معوقات الحوار فأخطرها: رسوخ الثقافة الإقصائية والتمييزية في البنية المجتمعية، تعليماً وتربية وخطاباً دينياً وإعلامياً وثقافياً وتشريعياً. ونأتي للتساؤل الأخير: ما مدى نجاح ثقافة الحوار مستقبلاً في المجتمعات العربية؟ إن ذلك مرهون بقدرتنا على تفكيك المنظومة الثقافية الموجهة للفكر والسلوك المجتمعي، وفق رؤية نقدية شاملة، من أهم ركائزها: 1- الإيمان بأن الاختلاف حقيقة إنسانية وكونية يجب القبول بها. 2- إحياء «البعد الإنساني» في مجمل الخطابات المجتمعية والدينية والتعليمية. 3- تنقية المناهج التعليمية من الإرث التعصبي والتمييزي. 4- تدريس المفاهيم الدينية، مثل «الجهاد» و«الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» و«الولاء والبراء».. وفق منظور إنساني تسامحي. 5- معالجة التشريعات الوطنية بتخليصها من التحيزات ضد المرأة والأقليات. 6- التركيز على القواسم الثقافية والدينية المشتركة. 7- الإقلاع عن «لوم الآخر» وتفعيل ثقافة «نقد الذات». 8- تعزيز قيم المواطنة كرابط جامع أعلى من كل الروابط الأخرى. 9- إبعاد خطاب الكراهية عن منابر التوجيه والتعليم والتثقيف. 10- تجريم توظيف بيوت الله تعالى في غير أهدافها المشروعة، مثل التحريض وبث الكراهية والدعاء على الآخرين. 11- ضبط ومراقبة الفتاوى المثيرة للكراهية. 12- ترشيد السياسة الإعلامية للفضائيات بما يعمق المشترك الديني والإنساني. 13- التوسع في إنشاء المراكز الحوارية. 14- تدريس «ثقافة الاختلاف» و«ثقافة الحوار» ضمن التعليم العام. د. عبدالحميد الأنصاري* *أستاذ الشريعة - جامعة قطر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©