الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أحزان أشجان

أحزان أشجان
27 يناير 2011 20:01
أحمد محمد (القاهرة) - هكذا الرجال لا عهد لهم ولا أمان مهما كانت الوعود ومهما بدت على وجوه الذئاب براءة الأطفال ففي النهاية تنكشف الحقيقة المرة وقد نكتشفها متأخرا وبعد فوات الأوان ونندم حين لا ينفع الندم ولا يكون هناك سبيل لتصحيح الخطأ. الرجل الذي تزوجته بعد قصة حب لسنوات طويلة وضحيت من أجله وبشق الأنفس أقنعت أهلي بالاقتران به وساعدته في أعماله، وتحملت معه كل المسؤوليات في لحظة ألقى بي في الشارع وتركني لخلافات بسيطة لا يخلو منها بيت وخسرت عدة سنوات من عمري قدمتها لرجل لا يستحق وشمت بي الأعداء وايضا الأهل والأصدقاء الذين لم يواسوني في مصابي وانما حملوني المسؤولية وحدي في فشل تلك الزيجة لأني صاحبة الاختيار الخاطئ وأصررت عليه رغم كل التحذيرات والنصائح. بين عشية وضحاها أصبحت مطلقة لا مال ولا ولد خرجت خاوية الوفاض فليس عنده ما يمكنني أن أطالب به، خسارتي مضاعفة لأنني اقترب الآن من الخامسة والثلاثين وقد يكون من رابع المستحيلات أن اعثر على رجل اخر إلا إذا كان مجمع عيوب أو مشاكل فالعذارى الجميلات من حولي بلا زواج ومن أين لي إذن بزوج ثان؟ لم تمر أيام حتى اكتشفت خطأ تفكيري وعدم صواب وجهة نظري فها هو رجل يدق بابي ويطلب يدي للزواج والمفاجأة انه مأذون القرية الذي يوثق عقود الزواج فنحن في قرية كبيرة مترامية الأطراف هي إلى حياة الحضر والمدنية اقرب وكثير من أهلها يعرفون بعضهم إلا بعض الأجانب الذين جاؤوها للوظائف أو الأعمال الاخرى. قد أكون الآن فهمت مغزى النظرات التي كان يلقيها عليَّ المأذون عندما توجهت إليه مع زوجي الأول لإتمام الطلاق فقد كان الرجل ينظر اليَّ نظرة تفهمها المرأة ولولا أنني كنت في موقف لا أحسد عليه لتعاملت معه بشكل اخر لكن تفكيري كان حينها منصبا على المأساة التي أنا مقبلة عليها. وبالفعل بثني الرجل كلمات الغزل والعشق كأنه ساحر واستطاع أن يقنعني بأنه يحبني ويهيم بي عشقا ولأنني افتقد هذا الكلام المعسول تسرب إلى قلبي وهزه هزة خفيفة رغم الجرح الذي لم يندمل بعد ولكي اثبت لطليقي أنني في حال أحسن وأنني رزقت بمن هو افضل لم أتردد في الموافقة خاصة وان العريس لديه امكانات مادية عالية ووعدني بأنه سيشتري لي شقة تمليك باسمي وخاصة بي ولا يعيبه انه يكبرني بحوالي عشرين عاما فالمثل عندنا يقول ان الرجل لا يعيبه إلا قلة أمواله وعساه أن يداوي جروحي ويعوضني عن معاناتي. بمجرد انتهاء فترة العدة الشرعية بدأنا الاستعداد لعش الزوجية وبسرعة انتقلت إلى بيته عروسا بالثوب الأبيض ورأسي مشغول بزوجي الأول وأنا أتوقع أن تأكله الغيرة ويحرقه الندم على فعلته وعلى ما أنا فيه من خيرات ونعم وصحيح أنا لست جميلة او فاتنة انما من أواسط النساء لكن هذا العريس جاءني بسرعة لم أتوقعها بل لم اكن أتوقع الزواج ثانية بالمرة. لم يمض كثير من الوقت حتى اكتشفت الخديعة الكبرى وانني خرجت من حفرة صغيرة لأسقط في بئر كبيرة فما خفي كان اعظم لأن زوجي العاشق الهمام كأنه يحفظ كلمات الغزل ويكررها مثل الببغاء يعرف أنها تدغدغ مشاعر النساء وبها يستولي على عقولهن وأموالهن وان كنت من جانبي ليس عندي أموال فقد استولى على قلبي وعقلي بالمكر. إنني لست الزوجة الأولى ولا الثانية ولا حتى الثالثة وانما السادسة نعم أنا الزوجة السادسة وان كان ليس على ذمته إلا واحدة غيري هي أولى زوجاته التي انجب منها ست بنات وولدين يقيمون جميعا في بيت وباقي الزوجات كن ضحايا أوقع بهن مثلما أوقع بي كلهن مطلقات يعجب بالواحدة منهن عندما تكون عنده للطلاق ومن خلال بياناتها وهاتفها الذي تتركه له للحصول على وثيقة الطلاق يقوم بالاتصال بها ويعرض عليها الزواج، لقد خدعهن جميعا، وقررت ان ألعب دور المدافعة عن حقوق هؤلاء المطلقات المخدوعات اللاتي طلقت كل واحدة منهن مرتين وكنت أريد إصلاحه لاكون آخر زيجاته ويتوقف عن نزواته، وفي الحقيقة لا أريد ان تأتي زوجة جديدة بعدي تكون «ضرة» لي حتى وان كنت أنا قبلت ذلك. كانت مهمتي صعبة، بعدما اعتقدت أن تحرك الجنين بداخلي سيقرب بيننا ويجعله يرتبط بي، ويتوقف عن تصرفاته، من الطبيعي انه لم يفرح بهذا القادم لانه كما قلت عنده ثمانية أولاد، ست بنات وولدان، أي ليس بحاجة لمزيد من العيال، غير انه لم تكن تلك هي المعضلة، وانما اصطحبني الى الطبيب الذي قام بإجراء الفحوص والأشعة واخبرنا بأن المولود «أنثى» ولو يستطيع أن ينكر زواجي منه في هذه اللحظة لفعل، واعتقد لو انه يستطيع انكار نسبها أيضا ما تردد، توقعت ان يفعل أي شيء. الخلافات ليست بحاجة للمزيد، فهي كثيرة كبيرة، ومع ذلك أضاف إليها خلافا اخر عندما اخبرني بأن الشقة التي كذب عليَّ وقال إنها تمليك لي، مستأجرة ويجب أن اتركها وأعود إلى بيت أهلي، ولم يكتف بذلك بل القى على رأسي بحجر كبير، افقدني الوعي ودارت الدنيا من تحتي عندما اضاف بأنه سوف يطلقني بعد الولادة وليذهب كل واحد إلى حال سبيله. أصبحت كالمجنونة اندب حظي، اتهمت نفسي بالغباء لأنني لا أحسن الاختيار، وسقطت في فخ رجلين بلا أخلاق وان كانا نسختين مختلفتين، أم أن كل الرجال كذلك؟ لا أدري، أنني أسير نحو طريق الضياع، بل بدأت اوله، فما هي إلا شهور معدودة حتى أضع مولودتي وينفذ الرجل وعيده، ويلقي بي كما فعل الأول، ومن الان أعيش بعيدا عنه، اعلن مقاطعتي منذ علم ان الجنين «انثى». أحاطت بي الهموم والأحزان من كل جانب وضاقت بي الدنيا، وكرهت الحياة كلها، فلا أجد مخرجا ولا نقطة ضوء في نهاية النفق المظلم، توقف عقلي عن التفكير وانا ابحث عن شاطئ أحط عنده، فكأنما تتقاذفني الأمواج المتلاطمة. قطعوا حبل أفكاري المتصل وهم يلقون القبض عليًّ، فقد مات زوجي مقتولا، عثروا عليه جثة هامدة في عقر داره، حطم القاتل رأسه بعدما قيد بالحبال، وتحولت الآن إلى «أرملة»، قبل أن احصل على لقب «مطلقة» للمرة الثانية، صرخت ليس حزنا عليه وعلى موته او فراقه ولا حتى موته بهذه الطريقة البشعة وانما على حالي وحال ابنتي التي ستولد يتيمة، وتأتي الى الدنيا محرومة من الأب حتى وان كان مزواجا مثل ابيها. اقتادوني إلى منزله، وانا مكبلة بالقيود، ولا أدري من قتله، ولا أدري أيضا لماذا يضعون القيود الحديدية في يدي، هناك وجدت جثته جاحظ العينين، تحت الدماء موثوق اليدين والقدمين، ملقي على الأرض، مشهد ما كنت أود رؤيته حتى وأنا انتظر غدره واجد منه أسوأ معاملة وخداع. كل ما فعلته أنني أردت أن اضمن حق الصغيرة وان اؤمن مستقبلها، واتفقت مع جاري في المسكن على ان يحصل لي على إيصال أمانة من زوجي بالقوة بمبلغ كبير ننفق منه بعدما يطلقني على ان يحصل هذا العامل الذي استأجرته على جزء منه، ولم اطلب قتله أو الانتقام منه. لكن القاتل المأجور توجه إليه في منزله - هكذا عرفت- ثم قيده بالحبال رغم فارق البنيان الجسدي بينهما وتغلب الشباب على الكهولة، والقوة على البدانة، وطلب منه توقيع إيصال الأمانة لكنه رفض، وتقاتلا وهما على هذه الحال حتى انتهى الأمر بمقتله، وفي هذه اللحظة جاءت الزوجة الأولى وشاهدت القاتل وهو يحاول الهرب، استغاثت والقي القبض عليه واعترف بكل التفاصيل، فلم أجد للإنكار سبيلا. أمرت النيابة بحبس «أشجان» الزوجة السادسة وشريكها العامل «رمضان» بتهمة القتل العمد، لتدخل السجن هي وجنينها الذي سيأتي إلى الدنيا مقيد الحرية مع أمه وتأتي الصغيرة إلى الدنيا في أحضان الأم التي قتلت أباها، ولن تدرك ذلك إلا بعد حين من الدهر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©