مسجد الدليل·· دليل العابدين

قريباً من الميناء، حيث كانت ترسو السفن المحملة بالبضائع، ويتم التبادل وتجري حركة البيع والشراء، يقع مسجد الدليل، في منطقة الشويهين بالشارقة بين مجموعة من المباني التراثية، وتحيط به منطقة سكنية ومواقع تجارية· ونظراً لوجوده وسط منطقة مزدحمة وذات حركة تجارية فقد كان أقرب المساجد التي يسرع إليها الناس لأداء فريضة الصلاة· وأخبرنا بعض المسنين بأنه يعرف بـ ''مسجد الدليل'' نسبة إلى بانيه الذي كان من عائلة تحمل الاسم نفسه: الدليل، وكان يشرف على أعمال صيد اللؤلؤ وله عدد من السفن في الخليج، وتبرع بنصف أرباح كل سفينة تعود سالمة من السفر لبناء مساجد في سبيل الله، وذكروا أن أول مسجد تم بناؤه من أرباح تجارة السفن هو هذا المسجد في منطقة الشويهين، هذا أول الحكاية فتعالوا نتعرف إلى تاليها· السوق القديم يشهد زخماً من المتسوقين والمارة، واكتظاظاً في السيارات التي شلت الحركة، والمباني الشاهقة التي كسيت برداء الحضارة تطوق المكان وتصادر معالم المباني القديمة، لكن ما أن ينطلق نداء الصلاة حتى تتوقف معاملات البيع والشراء، وتتسارع الأقدام إلى مسجد الدليل لتلبي النداء، فيمتلئ بالمصلين من الرجال والنساء· يقول د· عبد الستار العزاوي خبير الترميم، الذي أعاد ملامح مسجد الدليل بعد أن تعرت بفعل العوامل الخارجية: إن أي بناء معماري يعد شكلاً من أشكال الوجود البشري، ولا يمكن أن نتصور الحياة من غير أبنية يحتمي فيها الفرد ليكون في مأمن من الغرباء· وهو أيضاً العلامة البارزه التي يقاس من خلالها تطور الأمم والشعوب· وهذا ما ضمته بعض الأبنية والأضرحة والمعابد من ملامح وخطوط هندسية مستمدة من بيئة أصحابها وما تمليه عليهم معتقداتهم· ونجد أن فن العمارة المتمثل في دور العبادة هو أبرز فروع الفن الإسلامي، وأول عمل قام به الرسول ''صلى الله عليه وسلم'' عند هجرته إلى المدينة هو بناء مسجد للمسلمين في ''مربد التمر'' المكان الذي بركت فيه ناقته، وكان بنــاؤه بدائياً بسيطاً مبنياً باللبن وجذوع وسعف النخيل على الرغم من أهمية المساجد التي لم تكن مقصورة على العبادة فقط، بل امتد دورها إلى تسيير شؤون البلاد والحكم· ومع الفتوحات الإسلامية والاحتكاك بالشعوب الأخرى اقتبس المسلمون منها ما يلائم دينهم وذوقهم، فتطورت العمارة الإسلامية واستخدمت الأشكال الهندسية المربعة والمثلثة والمستديرة، واتخذ المسلمون من الخطوط العربية أداة للزخرفة· ويضيف العزاوي: يختلف تخطيط أقسام وعناصر المسجد الجامع عن دور العبادة والمباني الدينية السابقة للإسلام في جميع أقسامه وأجزائه· واستمر تشييده وتطوره مع الاحتفاظ بأقسامه الأساسية بما ينسجم والتوسع والإبداع في عالمنا العربي الإسلامي· لم يكن فن تخطيط وبناء المسجد الجامع متأثراً أو منسجماً أو مطابقاً لبيوت العبادة السابقة للإسلام (كالمعابد والزقورات والكنائس) بل جاء في طراز تخطيط أقسامه وعناصره منسجماً مع القيادة للإمام وصفوف المصلين خلفه، فهو نظام قيادي في الطاعة، وحسب هذا الأسلوب أصبح نظام وترتيب وتوزيع أقسامه يلبي متطلبات المصلين فهو تخطيط عربي إسلامي· ويتألف حسب التخطيط الحالي من: ؟ بيت الصلاة - الطابق الأرضي وهو القسم الخاص بالرجال· ؟ بيت الصلاة نصف الطابق الأول وهو الخاص بالنساء· ؟ المحراب المجوف القديم للطابق الأرضي والذي يستمر حتى الطابق الأول· ؟ الميضأة (مكان الوضوء) وتقع في الركن الشمالي الشرقي· ؟ السلم خارجي يلاصق جدار المسجد الشرقي· ويخلو المسجد من صحن الوسط، ولا يوجد فيه أثر لمئذنة أو مرتفع للأذان· وغالباً ما كان يؤذن من فوق سطح المسجد· كذلك في تخطيطه المستطيل حالياً لا يوجد قسم المؤخرة أو المجنبات لعدم وجود صحن مكشوف، ولبيت الصلاة مدخلان في نهاية ضلعه الشمالي والجنوبي· وحول عملية الترميم يشير العزاوي: يطبق في الترميم أسلوب الربط (خياط) للتصدع والتشقق لبعض المناطق الضعيفة حيث تلاحظ حالة الشق العمودي من حيث العمق والمنطقة وتحمله للضغط والثقل وعلى ضوء التشخيص يعالج بالربط ''أي ترميم وبناء المنطقة بعد وضع خشب الجندل الذي تمت معالجته ضد التسوس والتآكل''، ويستمر بناء الواجهة بطريقة الربط مع الحقن بضخ كمية من المادة الرابطة أي الجص لتقوية موقع الشق وملء باطن الجدار· وبإنجاز طريقة الربط وترميم جميع مناطق ضعف وتشقق واجهات بيت الصلاة والميضأة من الداخل والخارج، ورفعها إلى مستوى وضع خشب السقف نحصل على واجهات سليمة قوية صلدة·