الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المسجد النبوي محور الفنون الإسلامية ومزيج من الخيال الإبداعي

المسجد النبوي محور الفنون الإسلامية ومزيج من الخيال الإبداعي
25 أكتوبر 2013 21:10
أعمال فناني الشرق الأقصى يبلغ الخيال الفني أقصاه بالجمع بين مفردات الحرمين المكي والمدني معا في صورة واحدة في أعمال بعض فناني الشرق الأقصى الذين يندر أن يعاينوا بأنفسهم الأماكن المقدسة ومن أبلغ الأمثلة على تلك الأعمال الفنية المعتمدة على روايات سمعية ملتبسة رسم يجمع بين قبة النبي وبعض معالم الحرم المكي من دون رسم للكعبة، وكأن الروايات قد اختلطت في ذهن الفنان ونجد هذا الرسم التخيلي الفريد في نسخة من كتاب تنكو إمام بنجول في جزيرة سومطرة ويعود تاريخ المخطوط الذي تحتفظ به مكتبة جامعة ليدن إلى عام 1229 هـ. والأعمال الفنية التي تناولت الحرم النبوي امتدت أحيانا لأماكن مشهورة قريبة منه مثل منطقة البقيع كما نرى في مخطوط من كتاب فتوح الحرمين المحفوظ بمكتبة شيستر بيتي بدبلن أو لموضوعات ذات صلة بالسيرة النبوية والآثار النبوية. من يرى جموع قصاد بيت الله الحرام للحج أو العمرة وهم يحرصون على أن يزوروا المسجد النبوي بالمدينة المنورة قبل أو بعد أداء المشاعر المقدسة يستطيع أن يدرك دوافع الفنانين المسلمين عبر العصور لتزويد أعمالهم بصور للحرم النبوي سواء كما عاينوه بأنفسهم أو كما سمعوا عنه أو حتى كما تخيلوه. وعلى الرغم من كثرة الأعمال الفنية التي احتوت رسوماً شتى للحرم المدني وما يحيط به في مراحل تاريخية مختلفة، إلا أنه لا يمكن النظر لمثل تلك الأعمال بأنها ذات قيمة تاريخية وتوثيقية معتبرة دونما أخذ الحذر والحيطة وإخضاعها للتحقيق العلمي الدقيق، للفصل بين ما فيها من واقعية وما تحفل به من الخيال الفني. وبغض النظر عن القيمة التاريخية التوثيقية لرسوم ومناظر المسجد النبوي التي وردت في مخطوطات أو أوراق مفردة ومنتجات فنية من مواد مختلفة تبقى لتلك الأعمال قيمتها الفنية المعتبرة، وكذلك دلالاتها الرمزية على كلف المسلمين حول العالم بالمسجد النبوي الذي منح لعمارة المساجد تخطيطها الأقدم والأوسع انتشاراً. شاهد عيان ومن أقدم الأعمال الفنية التي قام بتنفيذها شاهد عيان للمسجد النبوي رسم لحاج فارسي زار المدينة المنورة في رحلة حجه للأراضي المقدسة في عام 990 هـ وهو غلام علي وقد رسمه في ورقة بمخطوط صغير يحتوي على مذكراته إبان رحلته تلك، وكتب بأعلى هذا الرسم أنه مثال مدينة النبي صلى الله عليه وسلم. ويوضح الرسم الفني أن غلام علي قد شاهد بنفسه المسجد في بداية الحكم العثماني قبل أن تطرأ على عمارته تغييرات ويمتزج الواقع بالخيال في تآلف فني لا لإنكار جماله وتناسق خطته اللونية. فمن ناحية يمزج غلام علي بين المسقط الأفقي وبين الصورة فهو من الناحية الأولى يبين أن المسجد النبوي كان يتألف من صحن أوسط مكشوف وأربع ظلات للصلاة أكبرها ظلة القبلة، ولكنه يمزج ذلك برؤية بصرية تختزل الظلات في عقودها المطلة على الصحن وتمزج بينها وبين الأبواب المؤدية للمسجد، وإن كان يحسب له أنه ميز تلك الأبواب عن العقود بألوان وأشكال مختلفة مع إثبات مسمياتها واحداً تلو الآخر وفي ذات المواضع المعروفة لها تاريخياً. ورغم أن غلام علي بين في رسمه أن للمسجد النبوي أربعة من المآذن في أركانه الخارجية وهذا أمر مستقر تاريخياً وأثرياً، إلا أنه رسم المآذن الأربعة بهيئة فارسية خالصة، مخالفا بذلك الحقيقة ولعله أراد تقريب صورتها لأذهان أبناء جلدته. وكان حرص غلام علي واضحاً على رسم المنبر بظلة القبلة وبيان مكان الروضة الشريفة وشباكها وكذلك شباك موضع دفن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فضلا عن قبة فاطمة ونخلتها بوسط الصحن، مضيفاً للصورة قبة صغيرة أطلق عليها خزينة النبي. قبة الروضة ويتجلى الخيال الفني المفعم بشعور إيماني خالص في رسم غلام علي لقبة الروضة الشريفة، وهي القبة التي شيدت بأمر من السلطان المملوكي الأشرف قايتباي وظلت قائمة إلى أن جرى تجديدها في عصر محمد علي باشا وهي القبة الخضراء التي يشاهدها زوار المسجد النبوي اليوم شاخصة للأبصار بجوار المئذنة الرشيقة التي زود بها قايتباي الحرم النبوي ضمن أعماله الهامة به. ورغم عناية غلام برسم الهلال الذي كان يتوج القبة على غرار الطراز المملوكي، إلا أن رسمه للقبة جاء زخرفياً محضاً فعبر عن ضلوعها بنقاط ملونة، ثم زاد على ذلك بإحاطتها بألسنة من اللهب في إشارة فارسية خالصة لقداسة المكان. وقريب من هذا الأسلوب في الجمع بين الواقع والخيال نجد رسماً للحرم المدني في بلاطة من الخزف العثماني يعود تاريخها لمنتصف القرن الحادي عشر الهجري وهي من مقتنيات متحف اللوفر بباريس فالفنان رسم المسقط الأفقي للمسجد النبوي معترفا بأنه من صحن أوسط وأربع ظلات إلا أنه مزج ذلك بخيال فني محض يعتمد على روايات عامة فقد جعل الظلات متساوية على غير الحقيقة وحتى المآذن الأربعة التي كانت بالمسجد جعلها جميعا على خلاف الواقع من طراز عثماني بحت بل أنه زاد على ذلك قبة أخرى مقابلة لقبة الروضة الشريفة لدواعي التوازن الفني في صورته على حساب الواقع كما أنه جعل المنبر في صحن المسجد وإن اتفق مع صورة غلام علي في رسم نخلة فاطمة بصحن المسجد وكذلك القبة الصغيرة المعروفة بخزينة النبي. تخطيط ومن ذات الفترة تقريبا نجد رسما للمسجد النبوي بشهادة حج لحاج هندي ولا يخالجنا شك بأن هذه الشهادة قد حررت ورسمت بالأراضي المقدسة لان تخطيط المسجد النبوي كان دقيقا في احصاء عدد الأروقة بالظلات المختلفة وخاصة ظلة القبلة التي كانت تحتوي آنذاك على 12 رواقا كما رسم في هذه الشهادة. ويلاحظ أن الرسام أضاف مآذن غير الأربعة القديمة وهي بلا شك المآذن العثمانية التي ألحقت ببناء الحرم النبوي بيد أن الرسام جعل المآذن كلها على هيئة مآذن الهند بل والقباب أيضاً، وخاصة القبة التي بوسط الصحن والتي اتخذت هيئة بصلية لم نرها سوى في عمارة الهند في عصر المغول. وتتفق اللوحة مع سابقاتها في إثبات وجود نخلة فاطمة حتى ذاك الوقت بصحن المسجد. ويبدو المزج بين الواقع والخيال أيضا في رسم للمسجد النبوي بشهادة حاج هندي من أواخر القرن الحادي عشر الهجري، فرغم رسم نخلة فاطمة بوسط الصحن نجد أن الرسام جعل قبة الروضة الشريفة بصلية الشكل تماماً كالقباب الهندية، بل وزاد في الطنبور نغمة برسمه لبرجين على جانبيها تأسيا بما كان متبعاً في عمارة الروضات في الطراز المعماري لمغول الهند. ويشبه ذلك رسم للمسجد في نسخة مخطوطة من كتاب دلائل الخيرات للغزولي نسخت في أواخر القرن الثاني عشر الهجري وقد رسمت النخلة وقبة الخزينة بوسط الصحن، ولكن الفنان أضاف إليها رسم المنبر بالصحن وليس بداخل ظلة القبلة وإن كان أكثر واقعية في رسمه للمآذن مبينا طراز المآذن المملوكية على جانبي جدار القبلة.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©