الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سر البوصلة فائقة الدقّة

25 أكتوبر 2013 21:13
(1) كان أحد لاعبي الخصم المهاجمين في لعبة كرة القدم خطيراً جداً، لذلك فقد قرر المدرب وكابتن الفريق المنافس تعيين لاعب الدفاع الشرس والخشن «خلف» لاعباً مرافقاً ولصيقاً له طوال المباراة، حتى يعرقل جهوده في التهديف والتسجيل في ملعب فريق «خلف»، وقالوا له أن لا يترك لاعب الهجوم، مهما حصل. فرح خلف بالمهمة، فهي تريحه من مغبة التفكير والتخطيط وتوزيع الجهود. بدأت المباراة، وظل خلف لصيقاً للاعب هجوم الخصم، وعرقل جميع جهوده في التهديف. ظل خلف يطاوشه ويحارشه ويقارشه، حتى تمكن من اصطياده وضربة على ربلة قدمه... فسقط لاعب الهجوم أرضاً. جاء الإسعاف الرياضي، وحاول إنعاش لاعب الهجوم داخل الملعب فلم يستطع، فتم توقيف اللعبة لدقائق ونقل لاعب الهجوم على نقالة إلى خارج الملعب، فتبعه خلف. تم استئناف اللعب بعد قليل، لكن خلف بقي لصيقاً بلاعب الهجوم المصاب.. ورفض العودة إلى الملعب، ناداه الكابتن، دعاه الحكم، ترجاه المدرب، لكنه رفض وقال لهم: - قلتم لي أن أبقى لصيقاً له ولا أتركه مهما حصل... وسوف التزم بالتعليمات!!. المهم : نقلوا لاعب الهجوم إلى المستشفى، وبقي خلف مرافقاً لصيقاً له في المستشفى. انتهت اللعبة ولم يعد خلف، وظل لصيقاً للاعب الهجوم. (2) في واحدة من قصصه الساخرة يتحدث الكاتب التركي العظيم عزيز نيسين، عن خلافات بين قائد عثماني وآخر ألماني في قيادة المعركة خلال الحرب العالمية الأولى، حيث كان القائد الألماني يصر على استخدام الساعات الدقيقة والبوصلة من أجل تحديد الزمن والاتجاهات، لتحديد ساعة الصفر، وبدء الهجوم على الأعداء. القائد الألماني، كان يصر على استخدام الجدي «ابن التيس والعنز تحديدا»... نعم الجدي في تحديد الاتجاهات... إذ كان يخرج الجدي المربرب- الذي كان يعيش معه في غرفة العمليات- كان يخرجه في الفجر، فيتوقف الجدي بشكل معاكس لرياح الشمال حتى لا تبرد مؤخرته المكشوفة، بالتالي كان القائد العثماني يحدد الاتجاهات اعتماداً على اتجاه مؤخرة الجدي، ولم يكن يثق بالبوصلة، ولا بالتكنولوجيا وملحقاتها من علم وسفاهات. الألماني لم يكن يصدق ما يرى، وكان يحاول إقناع القائد العثماني، بأن الجدي اذا كان مصاباً بالحمو أو الحرارة، فإنه سوف يوجه مؤخرته نحو الشمال حتى تبرد، وهذا ما قد يوقعنا بمشكلات لوجستية على أرض المعركة، لكن القائد العثماني العنيد لم يكن يقتنع.. واستمر التعاكس في الاتجاهات والاختلافات في الأوامر إلى أن تم القضاء على معظم أفراد الكتيبة من الأتراك والألمان معاً، نتيجة الخلافات في التوقيت والاتجاه. معظم خلافاتنا هنا- عدا تلك المشوبة بسوء النية والقصد- تندرج تحت قائمة الجدي والبوصلة: هذا يريدها إسلامية وآخر يريد دستوراً إسلامياً، وثالث يريد دستوراً يكون الإسلام مصدره الرئيسي... هذا يريد البيع والخصخصة، وذاك يريد دعم القطاع العام، وذاك يسعى للاقتراض لتسديد الديون، وهذا ينوي تسديد الديون من أجل الاقتراض. هذا يحدد سعر البترول بمؤخرة الجدي، وذاك يستعمل مؤشرات البورصة العالمية.... وهؤلاء يفضلون البحث عن أسعار تفضيلية، وآخرون يشحذون...!! هذا ينوي إبقاء الدولار مقياساً لعملتنا الوطنية، وآخر يريد أن يملأ السلة بالعملات المتنوعة، وهؤلاء يجمعون الكل ويحصلون على «الميس» من رأس الكوم. إذا بقيت الحال على ما هي عليها الآن، وإذا لم نضع ثوابت نتفق عليها في العالم العربي، فإننا لا شك سنفنى كما فنيت كتيبة القائدين. ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©