الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سعادة لم تكتمل

سعادة لم تكتمل
28 أكتوبر 2011 02:19
(القاهرة) - فور تخرجي في الجامعة وحصولي على بكالوريوس الهندسة حملت حقائبي ورحلت إلى العاصمة هرباً من الفقر وللبحث بسرعة عن عمل، لكن كان من رابع المستحيلات الاتجاه إلى العمل الحكومي لأنه غير متوفر بسهولة ويجب في البداية أن أعثر على عمل حُر كي أنفق على نفسى لأن مهمة أبي انتهت عند هذا الحد، خاصة أنه لا يملك من متاع الدنيا إلا القليل الذي لا يمكن أن يطلق عليه ممتلكات وما زالت أمامه مهام كبيرة في تربية إخوتي وأخواتي. هنا لا أعرف إلا عدداً محدوداً من الأصدقاء وزملاء الدراسة السابقين وفي البداية توجهت إلى أحدهم وكان يعمل في شركة طيران عالمية مشهورة وأعلم أنه ليس طياراً، وإنما كنت أعتقد أنه يعمل في مركز قيادي مرموق بها وواحد من أصحاب الكلمة العليا، خاصة أنه دائماً يحدثني كلما التقينا عن المراقبة الجوية والمسارات والمطبّات الهوائية وأن الخطوط والطرق مثل الطرق على الأرض تماماً، وكنت أتعشم وأمني نفسي بعمل سريع معه وأن يتوسط لي عند زملائه المسؤولين أو يأمر مرؤوسيه بقبول أوراقي على الفور وتسلم العمل، لكن كانت صدمتي كبيرة عندما فوجئت به يضحك ملء فمه وأنا أطلب منه العمل وأنا أتعجب ولا أدري السبب، ولكن سريعاً بطل العجب عندما هدأ وأخبرني بأنه مجرد طبّاخ بسيط في مطعم شركة الطيران يعد الوجبات للمسافرين وأن قدميه لا تعرفان طريق الطائرة أما الصدمة الأكبر فهي أنني اكتشفت أن الشقة التي يقيم فيها ليست ملكه، كما كان يردد أو يحاول أن يفهمنا، بل تخص أحد أقاربه ويقيم ضيفاً عنده. تركته وأنا لا أكاد أرى الطريق وتوجهت إلى أحد أقاربي من بعيد وأعرف أنه رقيق الحال وظروفه صعبة، لكن لم يكن أمامي خيار آخر للمبيت استقبلني بترحاب شديد وحفاوة بالغة، لكن ما بداخلي لا يخفى على أحد من مجرد نظرة إلى وجهي وعندما أخبرته بما حدث لي في أول يوم لمواجهة الحياة حاول أن يخفف عني ويؤكد لي أن كل عقدة ولها حل مع الصبر وبعد أن قدم واجب الضيافة على قدر إمكاناته راح يغط في نوم عميق من عناء عمله الشاق، بينما لم أذق للنوم طعماً وأنا أفكر فيما ستؤول إليه الأمور. ترددت في الأيام التالية على كل من أعرفهم وطلبت من كل منهم أن يبحث لي عن عمل مناسب وبعد عدة أيام لم أجد إلا فرصة في أحد المطاعم ولم يكن أمامي اختيار وقبلت كي أنفق على نفسي إلى أن تنصلح الأحوال وما كرهت العمل عن تكبر وإنما بسبب مضايقات زملائي، خاصة بعد أن علموا أنني حاصل على مؤهل جامعي فحاول كثير منهم أن يثبت لي أننا متساوون وأنني لا أتميز عنهم بشيء فشهادتي الجامعية مجرد حبر على ورق وكانت هذه أول مرة أشعر فيها بالضعف والهوان وأبكي بحرقة شديدة وتركت العمل. ووجدت إعلاناً في صحيفة يومية يطلب صاحبه عاملاً في محل لبيع التحف فالتقطت العنوان وهرعت إليه ووجدت صاحبة المكان فتاة جميلة رقيقة تصغرني بحوالي عامين قدمت لها نفسي وبعد اختبار بسيط ومعرفة بعض المعلومات عني وافقت على إلحاقي بالعمل ولم أصدق وسالت دموعي من دون أن أشعر هذه المرة من المؤكد أن العمل لا يتناسب مع مؤهلي وطموحاتي لكنني أحببته وتفانيت فيه وأخلصت له وبذلت كل جهدي حتى أن صاحبته أصبحت تعتمد عليّ بنسبة كبيرة خاصة وهي تثق بأمانتي وخلقي والتزامي ولم أفكر في البحث عن عمل آخر، لكن مع مرور الشهور بدأت أشعر بأن استمراري في هذا العمل وارتياحي له وراءه أسباب أخرى يجب ألا أحاول إخفاءها عن نفسي إلا وهي أنني أشعر براحة وحب تجاه تلك الفتاة. أنا أعرف قدر نفسي ولا أستطيع أن أتخطى حدودي، فالفارق بيني وبينها كبير ولا أحاول أن أنسى أنها ابنة رجل أعمال كبير وإخوتها أصحاب مشروعات تقدر بالملايين وهي عاشقة للعمل التجاري وقد استطاعت أن تشتري هذا المحل من مالها ومن خلال التجارة التي بدأتها بسيطة بتشجيع من أسرتها وكلهم يتقنون فنون هذه الأعمال ويكشفون أسرارها بسرعة ورغم هذا كله كان لي من مشاعرها نصيب وبيننا توافق كبير، وهذا ما لا يمكن تصديقه إلا في الروايات أو الخيال أنا نفسي لا أصدقه وأعتقد أنه وهم لكن الواقع أنه كان حقيقة. شجعتني لكي تكون علاقتنا في العمل علاقة شراكة وهي تسند إلى المهام التي تليق بي وأصبحنا نتعامل على هذا الأساس إلى أن جعلتني فعلاً شريكاً لها بنسبة في هذا المحل من خلال المبالغ التي حصلت عليها من عملي معها على مدى ثلاث سنوات إلا ما كنت أرسله إلى أبي وأمي ومع كل ما بيننا وحتى الآن لم أكن أطمع في الخطوة التالية، وهي الزواج لأن الفوارق لم تذب وما زالت المسافة بيننا بعيدة وحتى لو وافقت هي فمن المستحيل أن توافق أسرتها على شخص مثلي، لذلك كنت أعد نفسي لتقبل اللحظة التي سأفقدها فيها حتى لا أصاب بأزمة أنا في حل منها. لو تمنيت وبالغت في الأماني وأحلام اليقظة ما بلغت ما حدث فقد تطورت الأمور بشكل سريع ولا أدري كيف فقد تطرقت حواراتنا إلى علاقتنا وفوجئت بها تتساءل عن الخطوة التالية فيها وإذا بي ينعقد لساني ولا أجد رداً وتلعثمت وتاهت الحروف والكلمات مثل طفل لم يتعلم النطق بعد وقد أدركت ما بي فحاولت أن تنتشلني من الارتباك وفي نهاية اليوم كانت جلستنا التي أفصحت لها فيها عن مخاوفي إلا أنها أخبرتني بأن تفكير أسرتها ليس متخلفاً إلى هذه الدرجة وأنهم سيوافقون على اختيارها طالما كان منطقياً. وتمت الخطبة من دون أن يحضر أحد من أفراد أسرتي، وكانت في حدود أسرتها فقط وبلا أي مظهر للبذخ أو الإسراف، ولكن مجرد سهرة بسيطة قد لا تتناسب مع درجة ثرائهم وللحقيقة لم يكن هذا بخلاً وإنما انتظاراً لليلة الكبرى إلى هنا لم تتبدد مخاوفي بعد وما زلت لا أطمئن لما هو آت والأسباب أن خطيبتي ذات شخصية قوية جداً ولا تقبل التدخل وترفض الأوامر وسريعة الغضب والانفعال وعنيدة حتى لو أخطأت لا تعترف بالخطأ تحت أي ظرف لأنها تعتبر ذلك ضعفاً وما كنت أقبله عندما كنت أعمل لديها لا أقبله وأنا خطيبها وبالأحرى لن أقبله فيما بعد وأنا زوجها. كانت تلك الصفات سبباً في الخلاف بيننا وعرف الخصام طريقه إلينا مبكراً، وقد يستمر لعدة أسابيع لا تفكر مرة في الاعتذار أو حتى مناقشتي في الموضوع وتظل هكذا إلى أن يدفعني ضعفي وشوقي إليها للتنازل والتصالح ومع تكرار ذلك لم أكن قادراً على فسخ الخطبة لحبي لها فهي التي مدت يديها لمساعدتي طوال هذه السنين ولا أستطيع الحياة من دونها أو مع غيرها ولست طامعاً في أموالها ولا أموال أسرتها وإنما اعتدتها هي لشخصها وصفاتها رغم ما فيها من سلبيات وكنت أرى أنها مثل القطة الوديعة تقبل المداعبة، ولكن إلى حدود معينة وبعدها قد تتوحش. تم الزواج في حفل أسطوري تحمل أبوها كل تكاليفه كهدية لزواجنا، وأضاف عليه رحلة خارج البلاد عدنا بعدها إلى بيتنا الذي كان هدية من أشقائها أيضاً ومارسنا عملنا الذي نربح منه مبالغ لا بأس بها تكفينا وتزيد بما يجعلنا نطمح لتوسيع أنشطتنا، لكن ما كنت أخشاه من عناد وتمسك زوجتي برأيها وعدم الاعتراف بالخطأ كان عائقاً لمسيرتنا الاستثمارية أحياناً كثيرة بسبب الاختلاف في الرأي ويتكرر ما كان يحدث بيننا في أيام الخطبة بصورة طبق الأصل من الخصام وعدم التنازل من جانبها وأعود إلى ما كنت أفعله وأصالحها حتى وهي مخطئة. الموقف يتكرر مئات المرات حتى أصبت بالملل وأشعر بأنني لست رجل البيت وإنما ضيف عليه يحاول أن يسترضيها لتوافق على البقاء فيه وهو مجرد فندق للإقامة يفتقد المودة والرحمة حتى تحولت الأحلام إلى كوابيس تقض مضجعي والأكثر إيلاماً أنها لا تبالي ولو أنني استشعرت بأنها لا تحبني أو لا تريدني ما بقيت معها لحظة واحدة ولا قبلت الاستمرار، ولكن المؤكد أنها تحبني أيضاً وأرى منها وداً بعدما نتصالح كأن شيئاً لم يكن حتى أراها شخصيتين مختلفتين تماماً في الحالتين المصالحة والخصام. أربع سنوات مضت على زواجنا ولم نرزق بأطفال وهنا أجد خلافاً بين تفكيري وتفكيرها الأمر يشغلني، لكنه لا يمثل شيئاً عندها أصبحت حائراً أبحث عن التوافق الذي كان بيننا أحياناً أجده وأحياناً افتقده أعيش بين شد وجذب وإقبال وإدبار وصراع مع النفس هل أخطأت أم أصبت؟ هل العيب في أنا أم فيها؟ أشعر بأنني أكاد أخسر نفسي غير قادر على الاستمرار، ولكن في نفس الوقت أصبح من المحال أن أحاول تغييرها، خاصة أنني قبلت ذلك وأنا أعلمه علم اليقين ولا أستطيع أن ألومها لأنها لم تخف عني شيئاً. أسرتها لا تتدخل من قريب أو بعيد في حياتنا حتى لو علمت أن بيننا خلافاً تتركنا نتعامل مع مشاكلنا بأنفسنا وقد يكون ذلك سلاحاً ذا حدين فهو لا يجعل المشكلة تكبر لكنه لا يؤدي إلى حل. أراني ضعيفاً في مفترق طرق أضعف من الإقبال على أي قرار لا أستطيع الطلاق ولا الاستمرار.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©