الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قنبلة زوجية

قنبلة زوجية
28 أكتوبر 2011 02:21
(القاهرة) - فوجئ الأطباء وطاقم التمريض والمرضى والمرافقون والزوار بانفجار هائل في قسم أمراض القلب بالمستشفى الكبير المعروف، وتصاعد الدخان الأسود الكثيف في المكان وانتشاره في الطرقات والغرف مع هرج ومرج وصفارات إنذار انطلقت تنذر بوجود خطر كبير أو حريق، لكن مع صوت الانفجار اعتقد الجميع أنهم أمام عمل إرهابي منظم يستهدف إبادتهم، لذا لم يكن أحد يعرف كيف يتصرف ولا إلى أين يذهب والكل يسأل ويستفسر في لهفة، لكن ما من مجيب والعاملون في المستشفى هرعوا إلى المكان لإخلاء المرضى إلى مكان آمن مع رسالة تطمين سريعة حتى لو كانت غير صحيحة أو بعيدة عن الحقيقة، لكنها كان لها أثر طيب. اللحظات كانت قصيرة، لكنها مرت بطيئة ثقيلة مرعبة فهم أمام انفجار ودخان كثيف، وليس هذا مشهداً في فيلم سينمائي وإنما واقع فعلي يعيشونه وهم ضحاياه ومعظمهم لم يسيطر على أعصابه ويرتجفون ويتدثرون بالأغطية ويحاولون أن يلتصقوا ببعضهم ليتأكدوا من أنهم في أمان. البداية كانت حديث «أيمن» إلى مطلقته «بسمة» بلهجة حاداً ويبدو جاداً، لكنه حديث بعيد عن الواقع فهو يهددها بالفتك بها بشكل لم يسبق له مثيل، لذا لم يكن أحد من الحضور الذين تناهى إلى مسامعهم كلامه يصدق ما يدور حتى أن معظمهم لم يعر الموقف أي اهتمام لأن لديهم ما يشغلهم وغالبيتهم يعالجون من أمراض القلب ويعانون أمراضاً أخرى، ثم إن هذا شأن أسري لا يجب التنصت أو التلصص عليه والجميع في المستشفى وحولهم أقاربهم ومرافقوهم والأطباء والمعالجون يترددون بينهم بين الحين والآخر لتقديم الأدوية لهم ومتابعة حالاتهم. فجأة تعالت نبرات صوت أيمن وهو ما زال يهدد ويتوعد، بينما بسمة تحاول أن تحافظ على هدوئها بين المرضى لأن هذا محل عملها كممرضة ولا تريد أن تكون سبباً لإزعاجهم أو تنغيص راحتهم وهي أيضاً منتقبة ولا يجوز أن ترفع صوتها بشكل لا يليق وأجابت برفض مطلبه بأن تعود إلى عصمته مرة أخرى بعد أن انفصلا منذ عام ولم يجد معها موقفه، وهو يؤكد لها أنه لا يستطيع أن يعيش من دونها بعد ذلك، وأنهت الحوار بأنه يجب عليه أن يرحل على الفور، لكنه أخرج قنبلة من لفافة كانت في يده وصاح ملوحاً ومهدداً بأنه سيفجر المبنى كله ليسقط على رأسها ويحولها إلى فتات وقد لا يعثر لها على أثر ونفذ ما قاله بالفعل وفي لحظة تحوَّل عنبر الطابق كله إلى كتلة من الدخان الخانق الذي سبب اختناق كل من تعرض له وبعضهم فقد الوعي والبعض الآخر أصيب بتسمم من آثاره وتم تحطيم النوافذ الزجاجية في محاولة لإخراج الدخان وتم إنقاذ الجميع بواسطة رجال الدفاع المدني. الأمر جد خطير، ليس مجرد حادث جنائي أو جريمة عادية ولا حتى محاولة قتل صحيح أنها لم تسفر عن خسائر في الأرواح ونتج عنها إصابة خمسة وعشرين من المرضى والعمال والحضور، إلا أن هذا لا يهون مما حدث فهو غير عادي وغير مسبوق ويستحق كل اهتمام وفحص دقيق ولحسن الحظ فإن الخيوط الأولى للكشف عن الملابسات متوفرة وفي متناول الأيدي فالضحية الأولى في هذا الحادث الجلل هي «بسمة» لأنها من بين المصابين بعد أن فر المتهم واختفى في لحظة مثل الدخان الذي خلفته قنبلته. أفاقت «بسمة» من الصدمة، لكنها لم تصدق ما حدث وجلست تكشف غموض ما حدث وتجيب عن كل الأسئلة الحائرة، وقالت إنها تعمل ممرضة في هذا المستشفى وقبل أربع سنوات تعرَّفت على زميلها أيمن الذي هام بها حباً وبثها كلمات الغزل والغرام وأبدى استعداده الكامل للاستجابة لكل مطالبها وتقدم لأسرتها طالباً يدها، وتم الزفاف بعد أن استأجر شقة في منطقة متوسطة المستوى أو ربما أقل من المتوسط، لكنها رضيت بها لأن حبه لها قد يعوضها عن هذه الشكليات ويكفي أنها ستكون سعيدة معه ويمكنهما أن يحققا كل أحلامهما. وجدت «بسمة» في زوجها صفات لم تظهر لها من قبل، فهو دائماً عصبي ويثور لأتفه الأسباب ولا يقبل الحوار، وهذا ما لم تلمسه فيه خلال عملهما معاً على مدى سنوات، لكنها غير قادرة على الحياة في ظل هذا القهر فهي أمام رجل آخر غير الذي عرفته وأحبها كل هذا الحب، وسريعاً بدأت الخلافات تعرف طريقها إليهما بشكل تصاعدي ودرامي وبعد عدة أشهر انقلبت العلاقة رأساً على عقب وارتفعت حدة التعامل مع كل موقف مهما كان صغيراً كأن كلاً منهما يتربص للآخر بشكل عدواني فقام بإلقاء «ماء النار» عليها مما أدى لإصابتها بتشوهات شديدة وقضت عدة أشهر في العلاج وحرصاً منها على مستقبل حياتهما وحفاظها على شعرة معاوية لم تبلغ عنه ولم تتهمه وادعت أن إصابتها عارضة وعفوية ولم تذكر عنه شيئاً ومر الموقف، ولكنه لم يتغير ولم يحاول أن يصلح العلاقة بينهما وهو ما زال يؤكد لها انه يعشقها ولا يستطيع أن يعيش من دونها وإن كان هذا مجرد كلام بعيد عن الواقع وقد سمعته كثيراً حتى ملته. اكتشفت بسمة بالصدفة البحتة أن أيمن سبق له الزواج من امرأة قبلها ولم يخبرها بذلك وأخفاه عنها تماماً وإن كان الأمر هيناً عليها بعد أن فكرت فيه، ولكن بعدما علمت السبب توقفت لتفكر في الأمر فإن فشل زيجته الأولى كان بسبب إصابته بالعقم وأنه لن ينجب وربما هذا وراء حالته النفسية المتوترة باستمرار ويتهرب من مناقشة الموضوع محاولاً الابتعاد عنه حتى لا تعرف الحقيقة كاملة وفي نفس الوقت لم يحاول أن يصلح من تعامله معها ولا يستطيع التحكم في تصرفاته وانفعالاته، ومضت عدة أشهر والأحوال تزداد سوءاً ولم تقف حتى عند مستواها السابق وأصبح عنوانها الإهانة والتعدي عليها بالضرب لدرجة أنها عندما أرادت أن تفهم هذا التناقض الكبير في شخصيته بين ادعائه حبها وتلك المعاملة استل سكيناً وأصابها بجرح في يدها، لكن هذه المرة لم تستطع تجاوز الأمر عندما سئلت عن سبب إصابتها فاتهمته في محضر رسمي وتم القبض عليه والتحقيق معه واتخذت موقفاً جديداً بأن تركت بيت الزوجية وتعاطف أخوتها وأخواتها معها وخافوا عليها منه فقد تتطوَّر الأمور ويصيبها في مقتل. تحول الاتهام إلى محاكمة وهو مقبل على حكم بالحبس فحاول أن يجبرها على التنازل، لكنها رفضت بشدة، بل وصعدت موقفها بأن طلبت الطلاق مما جعله يستشيط غيظاً وفشلت كل محاولاته لإثنائها عن أي من القرارين وبدأ يهددها صراحة عبر رسائل المحمول، لكنها لم تهتم وثبتت على موقفها إلى أن صدر بالفعل حكم قضائي بحبسه وهنا وصلا إلى طريق مسدود، ثم كانت النهاية عندما حصلت على الطلاق فخسر كل المعارك. عام كامل مضى على انفصالهما، ولم يكف عن التهديد مرة والوعيد مرة وأيضاً التودد والاعتذار بين ترغيب وترهيب لها ولأفراد أسرتها أحياناً يطلب وساطتهم وتدخلهم لإقناعها بالعودة إليه وأحياناً يهددهم بالقتل والانتقام حتى بث الخوف في نفوسهم وجعلهم لا يتراجعون عن موقفهم الرافض لمحاولاته وهو غير قادر على ملاحقتها بسبب نقابها ولا يمكنه التعرف عليها بسهولة فقرر أن يتوجه إليها في العمل ليكرر محاولاته وهو يعتمد على زعم حبه لها وأنه لا يستطيع الحياة من دونها إلى أن وقع الحدث الأكبر بتفجير قنبلته فيها هي ومن حولها. أُلقي القبض على أيمن مختبئاً تحت سرير غرفة نومه وعندما علم أن بسمة لم تمت عض أنامله من الغيظ، وكاد يضرب رأسه بالحائط، حيث علم أن القنبلة ليست متفجرة وإنما قنبلة غاز ويعود ليؤكد أنه ليس نادماً على فعلته، بل إنه عندما يتم الإفراج عنه سيكرر جريمته ولن يتوقف إلا إذا ماتت وانتقم منها. جهة عمل أيمن أكدت أنه سيء السلوك وغير منضبط وأنه تم نقله بين عدة إدارات ومناطق ومعاقبته إدارياً ولا يحافظ على المواعيد ومشاكله مع زملائه لا تتوقف، بينما أسرته تفجر مفاجأة عندما تعلن أنه مريض نفسياً ويتردد على طبيب متخصص سراً حتى لا يعلم أحد بذلك في محاولة للعلاج من هذا الانفصام، وأيضاً من الاكتئاب وأمرت النيابة بحبسه وتم اقتياده إلى محبسه وهو ما زال يهدد ويتوعد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©