الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصعب بن عمير من السبّاقين إلى الإيمان وأكثر الصحابة علماً بالقرآن

28 أكتوبر 2011 03:12
القاهرة (الاتحاد) - كان مصعب بن عمير فتى مكة شبابا وجمالا ونعمة في الجاهلية، ولما ظهر الإسلام زهد في النعيم، وكان من السباقين إلى الإيمان، ومن أبرز الصحابة علما ومعرفة بالقرآن، ولقب بمصعب الخير، وبعثه الرسول إلى المدينة سفيرا ومعلما وعرف فيها بالمقرئ. وقال الدكتور محمد داود أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس: ولد مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي بن كلاب بن مرة القرشي البدري، بمكة في بيت نعمة وثراء، فعاش حياة مترفة بألوان النعيم قبل إسلامه، وكانت أمه خناس بنت مالك كثيرة المال وتغدق في الإنفاق عليه وتكسوه الفاخر من الثياب وتعطره بالنادر من العطور، وكان زينة المجالس والندوات والمحافل، تحرص كل ندوة على أن يكون مصعب بين شهودها، ذلك أن أناقة مظهره ورجاحة عقله كانتا من خصاله التي تفتح له القلوب والأبواب. وبلغه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام في دار الأرقم بن أبي الأرقم على الصفا، ويجتمع بأصحابه فيتلو عليهم القرآن ويعلمهم شرائع الإسلام بعيدا عن عيون قريش وأذاها، فلم يطل به التفكير وذهب إلى هناك وأخذ مكانه يستمع للرسول، صلى الله عليه وسلم، فأسلم وصدق برسالته. وكانت أمه تتمتع بقوة فذة في شخصيتها، وتُهاب إلى حد الرهبة، فخشيها مصعب وكتم إسلامه، وأخذ يتردد على الرسول، صلى الله عليه وسلم، ويتلقى عنه القرآن ويتعلم ويحفظ آيات الله سبحانه وتعالى، حتى شاهده عثمان بن طلحة يصلى فأخبر أمه وقومه، فأوثقوه وحبسوه وعذبوه، وظل يتحمل الشدة بسبب موقف أمه وعشيرته منه بعد إسلامه، ويقاوم بثبات ما بذلوه من محاولات متكررة لإعادته إلى الشرك، لكن حلاوة الإيمان في قلبه كانت أقوى من محاولاتهم، وكان حب مصعب لله ورسوله فيه ما يغنيه عن مال أمه وحياة الترف التي توفرها له. واستطاع أن يهرب من الحبس، ويفر بدينه مع غيره من المسلمين إلى الحبشة في الهجرة الأولى، وهاجر إلى الحبشة للمرة الثانية مع الأصحاب الذين يأمرهم الرسول بالهجرة فيطيعون، وكان لا يرى إلا مرتديا أخشن الثياب يأكل يوما، ويجوع أياما. وكان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يذكره ويقول:«ما رأيت بمكة أحدا أحسن لمة ولا أرق حلة، ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير»، وقال-عليه الصلاة والسلام، فيما رواه عمر رضي الله عنه، قال نظر النبي-صلى الله عليه وسلم، إلى مصعب بن عمير، وعليه إهاب- جلد- من كبش، قد تمنطق به، فقال: «انظروا إلى هذا الذي قد نور الله قلبه، لقد رأيته بين أبويه يغذيانه بأطايب الطعام والشراب، ولقد رأيت عليه حلة شراها أو شريت له بمئتي درهم، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون». وعرف برجاحة العقل وحسن الخلق والبراعة في البيان، وكانت له قدرة فائقة على الحوار والإقناع، وكان في حفظه القرآن وترتيله وفهم آياته ومعرفة دلالاته واستيعاب معانيه ووعي أحكامه من المتفوقين، وعده بعض العلماء من كتبة القرآن المكي، لكن لم تعين لنا المصادر كم كتب في هذه المدة من الوحي، ولما أرسل أهل المدينة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد بيعة العقبة الأولى أن يرسل إليهم من يعلمهم الإسلام ويقرئهم القرآن ويفقههم في الدين اختار النبي، صلى الله عليه وسلم، مصعب بن عمير، وفى رحلته حمل معه الصحف والأدوات والوسائل وجزاء كبيرا من القرآن المكي المكتوب حتى يتمكن من القيام بمهمته كمقرئ أو معلم، فنزل في بني غنم على أسعد بن زرارة، وكان يدعو الناس إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة سرا، وأعجب أهل المدينة بخلقه الكريم، وزهده وإخلاصه فدخلوا في دين الله، وأسلم على يديه الكثيرون وسادة أهل المدينة من بينهم سعد بن معاذ، وعمرو بن الجموح، وأسيد بن الحضير سيد قومه، الذي جاء لمجلس مصعب والشرر يتطاير من عينيه يريد أن يطرده، وكان أسيد قاسيا في كلامه مع مصعب، ولكن رجاحة عقل مصعب وإخلاصه لله تعالى، ودماثة خلقه حولت الشر والقسوة في أسيد إلى هدوء ورفق وتمهل، وقرأ مصعب شيئا من القرآن فتح الله به قلب أسيد للإسلام وأسلم، فأسلم معه قومه. ونجح مصعب في مهمته واستجاب أهل المدينة لداعي الخير بعد أن تلا عليهم ما كان معه من كتاب ربه، وهكذا قالوا عن مصعب بن عمير أنه فتح المدينة بالقرآن بلا قتال ولا سيف، وسمي عند أهلها المقرئ. ومضت الأيام حتى حان موعد هجرة الحبيب المصطفى، وإذا بأهل المدينة قد خرجوا يستقبلون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأنشودة سجلت على مر الزمان في قلوب المسلمين «طلع البدر علينا». وفي المدينة، تولى مصعب بن عمير تحفيظ القرآن لمن أسلم فيها، وتعليم الناس أمور دينهم، فعقد فيها أولى الحلقات القرآنية مع أسعد بن زرارة الخزرجي -رضي الله عنه- لتدريس أحكامه، وكان أول من جمع الناس للجمعة بالمدينة. ومع دور مصعب في الدعوة وفتح العقول والقلوب بالقرآن كان له دور عظيم في الجهاد في سبيل الله تعالى، فقد حمل اللواء يوم بدر وحمله أيضا يوم أحد فضربه فارس فقطع يده اليمنى، فتناول مصعب اللواء بيده اليسرى، فقطع الفارس يده اليسرى، فحثا مصعب على اللواء وأمسكه بعضديه فأجهز الفارس على مصعب لينال الشهادة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©