الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

عبد القادر فيدوح: طرفة بن العبد شاعر الواقعية

24 فبراير 2007 02:51
أحمد عوض سعداوي: كتاب القيم الفكرية والجمالية في شعر طرفة بن العبد للدكتور عبدالقادر فيدوح الصادر عن دارالأيام يلقي الضوء على طرفة بن العبد كأحد فحول شعراء ما قبل الإسلام، حيث يحدثنا الكاتب عن ميلاد طرفة بن العبد وانتسابه لكبرى القبائل في التاريخ العربي القديم (ينتمي إلى قبيلة بكر من ناحية الأب وقبيلة تغلب من ناحية الأم)، كما يحدثنا عن نشأة طرفة بن العبد يتيماً في أسرة شاع فيها الشعر وقوله بين أفرادها مما حفزه إلى قول الشعر في سن مبكرة، وكان اعتزاز طرفة بنفسه سبباً في جرأته على أهله وذويه، مما حدا بأفراد قبيلته وأهله إلى الابتعاد عنه، فاستشعر الانعزال واضطر إلى هجر قريته وأهله، وفي ذلك يقول: رأيت بني غبراء لا ينكرونني ولا أهـل هـذاك الطراف الممدد وقد ترك عشيرته ناقماً عليها وظل هائماً في الصحراء لا أنيس له سوى ناقته، ثم ما لبث أن عاد إلى قومه بعدما فشل في تحقيق ما يصبو إليه في إيجاد عالم مثالي غير عالمه القاسي مع عشيرته···· ولكنه عاد وهاجر مرة أخرى إلى الحيرة والتحق ببلاط ملكها عمرو بن هند الذي قربه إليه، ثم ما لبث أن حقد عليه بعد أن تمثل أن طرفة يسخر منه حين قال: ولا خير فيه غير أنّ له غنى وأن له كشحا إذا قام أهضما النقاد القدامى وكان عمرو بن هند من أحسن الناس جسماً وكشحاً، فأرسله عمرو بن هند إلى عامله بالبحرين ليقتله، ورغم العمر القصير لطرفة بن العبد (26عاما) إلا أن النقاد القدامى اعتبروه من فحول الشعر الجاهلي···· وبعد ذلك يتحدث الكاتب عن العديد من القيم الفكرية عند طرفة، فيتناول إحساس طرفة بالفناء وقلقه من مصيره المحتوم الذي دفعه إلى أن يقول: أرى الموت أعداد النفوس ولا أرى بعيداً غـداً مـا أقرب اليوم من غد وهي صورة تبين مدى القلق الذي يعيشه الشاعر نتيجة تفكيره الدائم بأنه سيفارق هذه الحياة، وهذا اليقين بزوال الحياة خلق لدى طرفة مضامين سلوكية عالية القيمة، وهذا يتضح في قوله: لعمرك ما الأيـام إلا معـارة فما اسطعت من معروفها فتزود ويشير الكاتب الى واقعية طرفة ونظرته إلى الحياة نظرة مباشرة خالية من التفكير الماورائي، شأنه شأن الانسان العربي القديم، مما حدا به إلى أن يستنفد كل طاقته في النضال من أجل البقاء والبحث عن الخلود من خلال تحقيق الأمجاد والبطولات والظفر بكل أنواع المتع، ويستدل على ذلك بقول طرفة: كريـم يروِّي نفـسه في حيـاته ستعلم إن متنا صدى أينا الصدي فكرة الضياع وعن فكرة الضياع عند طرفة، فقد تمثلت في صورة الطلل، حيث إن الوقوف على الأطلال وصورة الخراب الذي حل بهذه الديار تعكسان جوهر نفسية الشاعر ومعاناته من الوجود، وفكرة الخلاص من هذا الضياع ظهرت واضحة في وصفه للناقة بأوصاف هي من أجمل ما عرفه الشعر في وصف الناقة، التي بدت في شعر طرفة وكأنها ملجأ لكل مَن أرقته الحياة وأقلقته، وهذا يظهر في قوله: وإني لأمضي الهم عند احتضاره بعـوجـاء مرقال تـروح وتغتدي أما عن فلسفة اللذة عند طرفة، فقد قامت على أساس أن المرأة والخمر والفتوة كانت خصال يعدها العربي في ذلك العصر ضرباً من إثبات الوجود ووسيلة للحياة، وليست عبثاً من عبث الشباب، كما ظن به قومه الذين أنكروا عليه إسرافه في اللهو··· وللتشديد على أهمية تلك المتع في حياته يقول طرفة: فلولا ثلاث هن من حاجة الفتى وجدك لم أحفل متى قام عودي أما المثالية في شعر طرفة، فتتجلى في مواقف شتى، فهو يُعلي من قيمة الخير ومن يؤديه بقوله: لا يوجـد الخـير إلا في معاونـه أو يـجري المـاء إلا في مجاريه وكذا يتحدث عن الظلم وتأثيره في النفوس قائلاً: وظلم ذوي القرابـة أشـد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند كما أنه يُعلي من قيمة الصداقة والسخاء وتهذيب النفوس في كثير من أشعاره··· وعن القيم الجمالية في شعر طرفة، فهي تتمثل فيما يلي: - أولاً: - بنية القصيدة:- حيث التزم الشاعر البناء التقليدي للقصيدة العربية القديمة المتمثل في وحدة البيت مع تعدد الأغراض··· ثانياً:- القيم الموضوعية:- تميزت قصائد طرفة بالوحدة الفكرية ،والواقعية من حيث ارتباطها بالبيئة المحيطة وتصويرها ،كما أن قصائده غلب عليها الطابع القصصي··· ثالثاً:- القيم التعبيرية:- والتي كان أبرزها التشبيه، الذي أجاد في استخلاص صور بليغة منه، مما يدل على براعته الفنية ومنه تشبيهه للناقة بألواح الأران في قوله: أمـون كـألواح الأران نسأتها على لاحب كأنـه ظهر برجـد كما أنه أهتم بالمعاني المبتكرة في شعره، وكذا أختلاف مستوى الألفاظ··· رابعاً:- الايقاع الموسيقي:- باعتباره الركن الأساسي للشعر، وكلنا يعلم الصلة الوثيقة بين الايقاع الموسيقي والانفعالات، حيث برع طرفة في استعمال بحور الشعر (خاصة الطويل والكامل والوسيط) مما كان له أفضل التأثير على القارئ أو السامع من خلال التموجات المختلفة لتلك البحور، وهو ما يُظهر مدى تمكن طرفة من ناصية الشعر بحيث أصبح واحداً من عظماء الشعراء في تاريخ الشعر العربي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©