صديق الدهر

الصِّدْق نقيض الكذب، صَدَقَ يَصْدُقُ صَدْقاً وصِدْقاً وتَصْداقاً.. وصَدَّقه قَبِل قولَه، وصدَقَه الحديث: أَنبأَه بالصِّدْق.. طالما سمعنا من كبارنا من أجداد وآباء وأمهات، أمثالاً عن الحياة وتجارب السابقين معها، كثير منها دخل من أذن، وخرج من الأخرى، ظناً منا بأن تلك الأمثال، مجرد كلام عابر في مجالس «الخراريف»، أو تراث مكانه رفوف المكتبات والمتاحف! فكم سمعنا أمثالاً عن الصداقة مثل «الصديق عند الضيق»، «اركض ورا مبكّينك و لا تركض ورا مضحكينك»، وغيرهما، ولم نعرف قيمة هذه الأمثال التي هي خلاصة تجارب الأجداد ولم تعتبر بها إلا بعد أن «وقع الفاس في الراس» كما يقال في المثل، فخُدعنا بمن كان يضحكنا طوال الوقت، ووجدنا أنه كان «يضحك علينا»، ولم يكن يوماً صديقاً، وعرفنا أن من واجهنا بأخطائنا ونبهنا إليها فنبذناه وخاصمناه هو الصديق الصدوق. كُثر هم الذين يسمّون خطأ الأصدقاء من الذين لا يفارقونك ويتبعونك كظلك ما دام جيبك عامراً، أو ما زلت تشغل وظيفة مرموقة، ولهم مصلحة معك، ولا يرفضون لك طلباً ولا يخالفونك، حتى ولو كنت على خطأ، ويوافقونك حتى على الضلال، ولم يوجهوا يوماً لك نصيحة بأن ما تفعله ظلم أو تصرف خاطئ، يقودك إلى الهاوية، ولو عثرث يوماً وخوى جيبك وذهب مالك وتعسّرت أمورك، وتركت وظيفتك، وأصبحت صفراً على الهامش، أو من غير المرضي عنهم، لما وجدت أحداً منهم إلى جانبك، ورأيتهم يتوّلون عنك هاربين الصديق أخذ من الصدق فهو الذي يصدق، فيبين الحقيقة لصديقه ولو كان طعمها مُرّاً علقماً.. قول السلف إن الصديق كنز ليس فيه مبالغة، فالصديق الحق اليوم كنز لا يفنى.. الصدق يدلُّ على قوّةٍ في الشيء قولاً وغيرَه، ومن ذلك الصِّدْق: خلاف الكَذِبَ، سمِّيَ لقوّته في نفسه، ولأنَّ الكذِبَ لا قُوَّة له، هو باطل.. وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: صديقك من صدَقَك لا من صدّقك.. وقال الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: لا تقطع صديقاً وإن كفر، ولا تركن إلى عدو وإن شكر. محمود سامي البارودي: ليــس الصّدِيـقُ الّـذي تَعْلُـو مَنَاسـِبُهُ بــل الصديــقُ الـذي تزكـو شـــمائله إنْ رابــكَ الدهــرُ لــم تفشــلْ عزائمـهُ أو نَابَـكَ الهَــــــمُّ لَــمْ تفْتُرْ وَســــائِلُه يَرْعَــاكَ فِـي حَالَتَــيْ بُعْــــدٍ وَمَقْـــرَبَةٍ ولاَ تغبـــكَ مـــنْ خـيـــرٍ فواضلـــــــه لا كالــذي يدعــــــي وداً، وباطنـــــهُ مــن جمــر أحقــادهِ تغلــى مراجلــــه يذمُّ فعــــلَ أخيــه مظهـــراً أســـــفاً لِيُوهِــمَ النَّـــاسَ أَنَّ الْحــزْنَ شَـــامِله وَذاكَ منــــهُ عــــداءٌ فـي مجاملـــــةٍ فَاحْـــذَرْهُ، وَاعْلَمْ بَأَنَّ اللَّــــهَ خَاذِلـــه إسماعيل ديب | Esmaiel.Hasan@admedia.ae