الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أحمد راشد ثاني يستبق الموت بتأمل عميق في رحلة الحياة

أحمد راشد ثاني يستبق الموت بتأمل عميق في رحلة الحياة
26 أكتوبر 2013 00:50
الحياة حكاية، ولكن الفنان سواء كان تشكيلياً أو كاتباً أو موسيقياً يجعلها نزهة جميلة مهما كانت الظروف التي يمر بها قاسية. وفي كتابه “لذة المرض” اختار الشاعر الرحل أحمد راشد ثاني (1962 ـ 2012) أن يجعل عنوان كتابه مقروناً بالسخرية، لأن من غير المعقول أن يكون المرض مريحاً إلا إذا كان مقصد الشاعر من هذه العبارة أن يلفت نظر القارئ إلى حالة صوفية وأبعاد روحانية لا علاقة لها بما يعاني الإنسان من أوجاع في كل ما يعترض جسمه من آلام. “لذة المرض”، الصادر بعد رحيل المؤلف عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، هو كتاب صغير في حجمه، كبير في موضوعه ومعانيه، ومن البداية يطالعنا أبو العلاء المعري بأبيات حكمته: “لا تفرحنَّ بفألٍ إنْ سمعتَ به/ ولا تَطيَّرْ إذا ما ناعبٌ نعبا...” وهو مقسم إلى سبعة أبواب، وفي كل باب سبعة مواضيع ما بين نثر وشعر. مما يدعونا هذا إلى التساؤل: لماذا اختار الشاعر هذا الرقم الذي يحمل معنى مقدساً، من أيام الأسبوع إلى السماوات السبع. وهذا أيضا جعلني أفكر بالإشارات الصوفية التي يوردها الشاعر أكثر من مرة في هذه المقالات والقصائد، وكأنه كتبها في ساعات من التأمل العميق في رحلة الحياة؛ في حالة استعداد صوفي للرحيل. الرسم بالكلام ومن بداية الكتاب يلقي المؤلف عبارة بسيطة لكنها تدعو إلى الضحك، يقول: أقصد قسم الطوارئ، وأقول لمن يسألني: أنا مريض بالقلب! ويضيف: إذا ما سئلت عن الأعراض فسأذكر عرضين أو ثلاثة، فتركض نحوى الممرضة بالكرسي المتحرك.. تهرول بي نحو السرير، حيث ستعشش على ظاهر يدي إبرة “المغذي”.. ويمتلئ صدري ببقع رصد نبضات القلب.. ويقتحم أنفي أنبوبا الأكسجين كإطفائيين يكافحان حريقا. هذا رسام كاريكاتير يصور بكلمات قليلة حالته الصحية الخطرة، لكنه لا يثير الحزن أو الشفقة.. ولكنه كالطفل الظريف الذي يدعونا للتسلية واللعب بهذه الآلات المزروعة في أنحاء متعددة من جسمه. ولكن أحمد ينتقل بك فجأة إلى ما لم تتوقع، لأن أصعب قرار يواجهك حين تراجع الطبيب للاطمئنان أن يقول لك: “علينا استضافتك اليوم في المستشفى”، ولكن المشكلة أن اليوم يتحول إلى أيام... وأن يربط المريض إلى السرير بالأنابيب... ولا يبقى أمامك إلا النوم. الشعر وفي الشعر تزداد العبارة كثافة وتتحول إلى رمز: “صباحك.. تملأ نوافذه الغيوم”.. ويتضح الرمز في مقالة تالية: “صباح المستشفى صباح بائر، مملوء بالإبر والأدوية وغفوات المرضى...”. وتستمر مراقبة اللحظات وتطورات حالة القلب: “خروج المريض من غرفة العناية المركزة، انتصار ما للأطباء والممرضين وللعاملين”. وتزداد دقة الرصد لدى الكاتب: “لأن تنفسك طبيعي، لا تعرف أنك تتنفس...” وينهي ملاحظته بشيء من الفرح: “إن عظمة الأنفاس تكمن في القدرة الفذة على النسيان”. وينتقل الشاعر بقارئه من السفر جواً إلى الحراثة في البحر، ومن العالم الذي تفتح مشهده في رأسك وتغلقه.. إلى الخروج من هذا العالم لتطرح السؤال على نفسك: “أين ستكون؟.. لقد انتهت الأسئلة، ولم يعد هناك كون”. وفي تلك الغرفة الصغيرة، ومن سرير الشاعر ينطلق ليحتضن حرية باتساع الكون: “بعض العصافير والحمامات تفتش عن طعامها بين العشب.. والشمس تتدحرج نحو الغروب، ولكن ما هذا الطير؟ إنه هدهد، إنها المرة الأولى التي أرى فيها هدهدا في أبوظبي.. يمشي قليلاً ولثوانٍ يستعرض تاجه الجميل ويطير، يختفي الهدهد الرسول. ويختم الشاعر أحمد راشد ثاني كتابه هامساً: “تصبحون على خير أيها السعداء،/ المملوءون حتى البهجة بماء الأبد،/ النائمون الآن كأمواج في المحيط...” المخطوط على الغلاف الأخير من كتاب يقول الشاعر والفنان التشكيلي محمد المزروعي “وجدت مخطوطة هذا الكتاب إلكترونياً، كان قد راجعها أحمد.. وهيأها للطبع، مذيلاً آخرها بـ“أبوظبي- ديسمبر 2011.” ويشير المزروعي إلى أنه أضاف إلى عنوان الكتاب “لذة المرض”، عنواناً فرعياً هو “سيرة المستشفى” ويضيف “أن هناك أكثر من عشرين مخطوطة أخرى بين شعر وسرد ومسرح وبحوث”.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©