الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«القوة الناعمة» الراقصة

«القوة الناعمة» الراقصة
21 أكتوبر 2015 22:25
لا تساوي القوّة الناعمة للبريكس مثيلتها في الولايات المتّحدة بالتأكيد، لكنها تنافس بشدّة القوّة الناعمة للبلدان الأوروبية، الناطقة بالفرنسية أو بالإنجليزية أو بالإسبانية. يبدو أن البريكس ملتزمة «معركة من أجل الهيمنة الثقافية»، وذلك في موازاة محاولات تأكيد حضورها الاقتصادي والعسكري. ويمكن للمرء أن يفهم جيداً رغبة هذه الدول في تنظيم احتفالات رياضية عالمية كبرى (مثل الألعاب الأولمبية، كأس العالم للركبي، كأس العالم لكرة القدم، إلخ) من شأنها أن تحقق لهذه الدول أهدافاً عدّة، كتعزيز التماسك الداخلي، وتحسين البنية التحتية وشرعية الحكّام، والإعلان عن عظمة جديدة أو مُستعادَة على الساحة الدولية. إن «تجمع البريكس»، والذي تبلغ مساحة دوله مجتمعةً 40 مليون كلم مربع، وعدد سكانه حوالي 3 مليارات نسمة، ويملك أكثر من خمس الناتج القومي العالمي، بات يشكل قوة عولمية مواجهة لقوة الثالوث العولمي المهيمن السائد: الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي واليابان، خصوصاً من النواحي الاقتصادية والتجارية والسياسية والأمنية، لكنه لم ولن يتمكّن من النجاح في المواجهة المتكاملة والفاعلة مع العولمة الغربية، من دون عنصر الثقافة وجاذبيتها الكبرى، وهو الأمر الذي بات محلّ انتباه في العمق لتجمّع دول البريكس، وعلى نحو غير مسبوق. وقد بدأ بالتعليم وتوجيهه كمكوّن أساس لقوة الثقافة ونهضتها. وفي هذا الصدد، كان تنادى وزراء التربية في كل من: البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا إلى اجتماع في مقر اليونسكو في نوفمبر من العام 2013، لوضع خطط تربوية مشتركة تكرّس التعاون الاستراتيجي في مجال التعليم. وفي اجتماع القمة السادسة لدول البريكس في مدينة فورتاليزا البرازيلية في يوليو 2014، أكّد المجتمعون على استراتيجيتهم الخاصة بالتعليم، ليس من أجل التنمية المستدامة فقط، و«إنما من أجل مواجهة الاستلاب الثقافي الغربي الأحادي، وتكريسه على مستوى دولي، والتنافس معه ليس لإلغائه بالطبع، وإنما لمنعه من الاستمرار في إلغاء ثقافة الآخرين»، على حد تعبير الكاتب الهندي راجو ب. سينغ، والذي يردف في محاضرة له ألقاها في ساوباولو البرازيلية في يوليو الفائت 2015: «نعم إننا في دول البريكس بحاجة إلى سياسات تعليمية ذات أفق تعدّدي واحد، لخلق مثقف تعدّدي واحد في بلداننا اليقظة، يؤمن بأن الثقافة الإبداعية هي حال تعدّدية عالمية مشتركة، وطنها الحرية والإنسان في كل مكان وزمان، ولا يستطيع أحد طمسها، مهما بلغ جبروته الاقتصادي والعسكري. والثقافة والنتاج الثقافي هما، في المحصلة، ملك البشرية جمعاء، لا ملك هذا التحالف الغربي أو الشرقي، و«دول البريكس»سوف تفرض هذه المعادلة، من خلال جواذبها الثقافية العالية، والتي يحترمها الجميع، بمن فيهم الخصوم الذين يعملون على شطبها». نكهة السامبا البرازيلية المعولمة منذ أكثر من عقد من الزمن، عملت الإدارة البرازيلية للشؤون الخارجية على زيادة تمثيلاتها الدبلوماسية. وقد أدّى انتخاب لويس إيناسيو لولا دا سيلفا رئيساً للبرازيل في العام 2002، المعروف باسم «لولا»، إلى امتداد واضح لحراك البرازيل على المستوى الدولي. حيث بانَ الطموحُ القديم للبرازيل، وبرز تميّز قوّتها الناعمة، والمتمثّلة بتركيز «الدبلوماسية النقابية» على ماضي البلاد، وعلى شبكة علاقات الرئيس السابق لحزب العمّال، فضلاً عن تنظيم الاجتماعات الدولية مثل المنتدى الاجتماعي العالمي (FSM) في بورتو أليغري Porto Alegre في الأعوام 2001 و2002 و2003 و2005، أو في بيليم Belém في العام 2009. ومنذ العام 2011، وسّعت الرئيسة الجديدة ديلما روسيف، وهي أوّل امرأة تُنتخب رئيسة في البرازيل، من هذا الهجوم الثقافي. فانتشرت الثقافة البرازيلية في العالم من خلال قنوات أو أنساق شعبية عدّة (موسيقى، رقص، كرنفال، مسلسلات تلفزيونية، أزياء) أو من خلال أعمال نخبويّة (هندسة معمارية، وإثنوغرافيا، كابويرا، مسرح). ففي 23 مايو 2008، وقّعت 12 دولة من أميركا الجنوبية في برازيليا معاهدة إنشاء اتحاد دول أميركا الجنوبية (يوناسور Unasur: Uni?n de Naciones Suramericanas). ولئن كنّا بعيدين عن حلم «الوطن الأميركي اللاتيني بأبعاده السياسية والثقافية» لسيمون بوليفار Sim?n Bol?var في القرن التاسع عشر، فإن اتحاد دول أميركا الجنوبية Unasur يعمل على تقوية الهويّة السياسية والثقافية التي يمكن أن تؤدّي، في نهاية المطاف، إلى مشروع اتحادي ملموس على غرار الاتحاد الأوروبي، مع ما يتضمّنه ذلك من عملة موحّدة، وبرلمان، ومواطنة، وجواز سفر مشترك، أو تحالف عسكري. نعم، فمصطلح «ثقافة كرة القدم» تقدّم على ما عداه في السنوات السبع الأخيرة، بخاصة بعدما أعلنت «الفيفا» اختيار البرازيل لاستضافة الدورة الأخيرة الفائتة (2014) لبطولة كأس العالم. ومع ما يعنيه اسم البرازيل من إيقاع قوي ودامغ على صعيد هذه الرياضة الشعبية، ومؤثراتها الثقافية المتبادلة بين شعوب الأرض قاطبة، بدأت تتكرّس من جديد مسلّمة أن رياضة كرة القدم، ليست ثقافة شعبية فقط، وإنما هي نخبوية أيضاً، تحدث عنها، وكتب بوحيها، كبار الكتّاب والروائيين في العالم أمثال الكولومبي غابرييل غارسيا مركيز، والذي كان لاعباً في فريق «أتليتيكو جونيور» الكولومبي، ولم يترك اللعبة إلا بعد إصابته إصابة بالغة في بطنه. وكان صرّح مرة للإذاعة المكسيكية: «ثمة إبداع ذهني وبدني مشترك في كرة القدم، يجتمعان في الممارسة الفردية الحاذقة، التي تُنزل الخيال بجبروته إلى ميدان الواقع». وكتب الروائي الإيطالي إمبرتو إيكو العديد من المقالات حول هذه اللعبة جاء في إحداها:«إنها أوركسترا بشرية تعصف أنغامها في أرواحنا، تماماً مثلما تعزف في أرواح معدّيها على المربع الأخضر». كما صرّح الروائي البرازيلي جورجي آمادو في حوار أجراه معه الناقد الارجنتيني رودلفو كارينباري:«سحر لعبة كرة القدم يهيّمن عليّ باستمرار، ولو كنت لاعباً محترفاً لزاوجت بين ملعبين: ملعب الكرة، إلى جانب مزاولتي ملعب الكتابة». أما الكاتب الأرغواني إدواردو غاليانو، فوضع كتاباً حول هذه اللعبة سمّاه: «في الكرة وفي الشمس وفي الظل»، ذكر فيه أن هذه اللعبة تتكلم بجميع اللغات، وتطلق الأهواء وتلهب المشاعر والأفئدة». كما تحدث غاليانو عن الكاتب الفرنسي الكبير ألبير كامو، عندما كان حارساً لمرمى نادي فريق جامعة وهران الجزائرية. وبالفعل كان البير كامو عاشقاً لكرة القدم، حتى في قمة اغترابه وتعقّد موقفه الفلسفي الوجودي. ونستدرك فنقول إن بيتر هاندكه، الكاتب النمساوي المعروف، استوحى في واحدة من قصصه اضطراب وقلق شخصية حارس المرمى في عمله المُعنّون:خوف حارس المرمى في أثناء ضربة الجزاء. كما أن التركي أورخان باموك كتب حول لعبة كرة القدم في واحدة من رواياته. وقال للإذاعة السويدية:تشغلني كرة القدم، خصوصاً في زمن كأس العالم فأتحمس لها بالسوية نفسها للحظة كتابة ضاغطة عليّ. ومن جاذبية الثقافة الرياضية البرازيلية، إلى جاذبية فن العمارة فيها، والتي يمثل ريادتها بجدارة أوسكار ينماير، المعماري البرازيلي الأكبر والأشهر في القرن العشرين، والذي توزعت أعماله العملاقة على قارات العالم الخمس، بدءاً من مبنى الأمم المتحدة في نيويورك، إلى مبنى قصر الأونيسكو في باريس، ومن تصميم العاصمة الجديدة برازيليا، إلى تصميمه مبنى جامعة قسنطينة في الجزائر، والذي يعتبر الأحبّ إلى قلبه.. مروراً بالكثير من التصاميم المنفذة لناطحات سحاب، وكاتدرائيات، ومساجد، ومتاحف، ومباني كونغرس، ونصب تذكارية داخل البرازيل وخارجها، وقد منحته الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا واليابان العديد من الجوائز الدولية في مجال الهندسة المعمارية، لعل أهمها جائزة بريتزكر الأميركية للفن المعماري، على الرغم من اختلافه الحاد والقاطع مع سياسات الولايات المتحدة. جنوب أفريقيا.. أمة قوس قزح أما عبارة أمّة قوس قزح، التي أطلقها رئيس الأساقفة ديزموند توتو Desmond Tutu، على دولة جنوب إفريقيا، فتعبّر مدلولاتها عن النموذج الثقافي والسياسي الذي تجري محاولات لفرضه حالياً، وذلك بعد نصف قرن من نظام الفصل العنصري (1948-1991). ففي بلدٍ يعترف دستوره بإحدى عشرة لغة (الإنجليزية، الأفريقية afrikaans، الزولو zoulou، خوزا xhosa، زوازي zwazi، نديبيلي ndébélé، السوتو الجنوبية sesotho، سبيدي sepedi، سيتسوانا setswana، زيتسونغا xitsonga، تشيفاندا tshivenda)، تمثّل الإنجليزية اللغة الأكثر شيوعاً، وتشكّل ضمانةً لوحدة البلد، فضلاً عن تشكيلها آلية لتصدير ثقافة جنوب أفريقيا، ولاسيّما الموسيقى والأدب. فثمّة في جنوب أفريقيا عدد من الكتّاب من ذوي الشهرة العالمية، وقد حصل اثنان منهم على جائزة نوبل للآداب، وهما نادين غورديمر Nadine Gordimer (جائزة 2001) وجون ماكسويل كويتزي John Maxwell Coetzee (جائزة 2003). وثمّة روائيون مثل أندريه برينك Andre Brink مؤلّف رواية موسم أبيض وجاف Une saison blanche et sèche. الروائيون الرومنسيون مثل ألان باتون Alain Paton، ودامون غالغوت Damon Galgut، وسيريدوين دوفي Ceridwen Dovey وغيرهم من الكتّاب، يحملون أقلامهم ليس للتعبير عن جرح الفصل العنصري فقط، ولكن لنشر الأحلام الأفريقيّة أو أحلام الزولو (قبائل إفريقية اشتهرت بولعها بالحروب، وهي الآن أقوى جماعة بين مواطني جنوب إفريقيا)، وبالطبع يمكن إضافة نيلسون مانديلا Nelson Mandela الذي كتب سيرته الذاتية: الطريق الطويل نحو الحرية Un long chemin vers la liberté، تلك السيرة التي دوّنها سراً في السجن، وأكملها بعد الإفراج عنه، ملخّصاً في آن، عظمة الحياة وعظمة الأمة، بحيث أصبح هذا الكتاب من أكثر الكتب مبيعاً في القارّات كلّها. والقوّة الناعمة في جنوب أفريقيا، كما هو حالها في البرازيل، تعتمد أيضاً على شاشات التلفزة والإذاعة العامة (هيئة إذاعة جنوب أفريقيا، SABC) أو مجموعات خاصّة للاتصالات مثل MultiChoice أفريقيا (MCA) التي تأسّست في العام 1995، وتسيطر على قناة إم. نت M-Net. هذه الشركات تبثّ المسلسلات، وبرامج الألعاب وألعاب البطولات الرياضية (ركبي، كرة قدم، كريكيت، إلخ) في أكثر من 50 بلداً في أفريقيا والمحيط الهندي. وجنوب إفريقيا، في المناسبة، كانت الدولة الأخيرة التي التحقت بتجمّع دول البريكس في العام 2010، وهي من أكثر الدول الإفريقية استقراراً في القارة الإفريقية، ومن أكثرها جذباً سياحياً وتنوعاً بشرياً واقتصاداً متيناً. ولا غرو، فهي تسمى بلاد الألماس، لأنها الدولة الأولى في العالم إنتاجاً له. وجامعاتها متقدمة، ومشهود لخريجيها في مختلف حقول العلم والمعرفة. ولأن المهاتما غاندي سكن مدينة ديربان الساحلية، تحوّلت هذه المدينة إلى محطة هندية - آسيوية في القارة السمراء. ولأن العنصر الأبيض الجنوب أفريقي انتظم في إطار ثقافة الديمقراطية العامة في البلاد، خصوصاً بعد ملحمة المواجهة التحررية التاريخية، التي خاضها نيلسون مانديلا من سجنه الطويل (حوالي ثلاثة عقود) في جزيرة روبين، تحوّلت جنوب أفريقيا إلى بلد تعدّدي ثقافي قوي في كل شيء، وبات نسيجه البشري موحّداً في مواجهة كل الأخطار المحيقة. ومن هنا كان انضمامه لدول البريكس مؤشراً على خياره السياديّ الحر والمستقل، بعد عقود طويلة من الاستعمار البريطاني. عناوين في «البريكس» في أقلّ من عشر سنوات، نظّمت ثلاث دول من البريكس دورة الألعاب الأولمبية، الصين (بكينPekin 2008)، والبرازيل (ريو، Rio 2016) لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية، وروسيا (سوتشي، Sotchi 2014) للألعاب الشتوية. كما نظّمت الصين (نانجينغ، Nankin 2014) الدورة الثانية من الألعاب الأولمبية للشباب (JOJ)، والمخصَّصة للمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عاماً. كما استضافت الصين بطولة العالم لألعاب القوى في الهواء الطلق في أغسطس من العام الجاري 2015. وفي العام 2010، أصبحت جنوب أفريقيا أوّل بلد أفريقي يستضيف نهائيات كأس العالم لكرة القدم (ضدّ المغرب) بعد استضافة كأس العالم للركبي في العام 1995. وفي العام 2014، نظّمت البرازيل مباراة كأس العالم لكرة القدم، وستُنظَّم مباراة العام 2018 من قبل دولة أخرى من دول البريكس هي روسيا. والجدير بالذكر أن جنوب أفريقيا كانت مرشّحة لكأس العالم للركبي في العام 2015 ولدورة الألعاب الأولمبية في العام 2020. والهند ليست غائبة عن هذه الأحداث الرياضية العالمية الكبرى، ولكنّها تركّز على تنظيم كأس العالم للكريكت، وهي الرياضة التي تُبهِر كلّ جزر الهند الشرقية والغربية. إلى هذا الامتداد الدولي من خلال الرياضة، ينبغي أن يُضاف تنظيم معرض إكسبو العالمي في الصين (شنغهاي 2010)، واستضافة مؤتمرات القمّة العالمية للأمم المتّحدة أو اليونسكو UNESCO. وقد استضافت البرازيل قمّتَيْ أرض (ريو دي جانيرو في العام 1992 وريو + 20 في العام 2012). وبين التاريخين، فإن جنوب أفريقيا هي التي عملت على نشر أفضل الممارسات العالمية فيما يتعلّق بأمور البيئة والتنمية المستدامة (جوهانسبرغ 2002). كما استضافت أيضاً المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب (دوربن Durban 2001).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©