الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التخويف وسيلة ردع مؤقتة تترك آثاراً نفسية دائمة

التخويف وسيلة ردع مؤقتة تترك آثاراً نفسية دائمة
26 أكتوبر 2013 20:59
يولد الطفل ولديه مستوى طبيعي من الخوف الانفعالي، وهي حالة خاصة بغريزة حب الذات، تتبع ردود فعله تجاه الأشياء والأحداث التي تكون عالمه. هذا الخوف عند الطفل أمر وارد ومتكرر الحدوث في كل الأوقات، وهو لا يمثل أي خلل في سلوكه طالما ظهر في إطاره المعقول والطبيعي، خاصة إذا كان هذا الخوف إحدى الوسائل النفسية الدفاعية التي يستخدمها الطفل للوقاية من الأذى، والحرص والحذر من الخطر، فقد يخاف الطفل من أشياء مختلفة مثل، الخوف من بعض الحيوانات، والظلام، والخوف من الأماكن المرتفعة. وعندما يكبر الطفل قليلاً، فإن هذا الخوف يحدث عن بعض الأطفال ولا يستطيعون التخلص منه لدرجة أنه يتمكن منهم ويستفحل لديهم كأي مرض عضوي مزمن يترك آثاره السلبية في تكوين شخصيتهم المستقبلية. هذا النوع من الخوف، تحديداً، بحسب علماء نفس وتربية، ينتج عن بعض الأخطاء التي يتبعها بعض الآباء والأمهات لإلزام الطفل بالسلوك الصحيح أو ما يرونه صحيحاً. وهو من أكثر الأساليب شيوعاً في ذلك هو تخويف أطفالهم كوسيلة عقاب وردع وتأديب مؤقتة، وربما تكون كحجة لثنيهم عن السلوكيات السلبية أو كوسيلة لحمايتهم من الأخطار بصورة مبالغ .ومن الأساليب الجديدة والحديثة التي لجأ إليها مؤخراً الكثير من أولياء الأمور تطبيق في الهاتف المتحرك يعرف بـ«شرطة الأطفال»، يتم الاستعانة به من باب تخويف الطفل، حيث يقدم الكثير من الأفكار والمقترحات والأساليب لتخويف الطفل بشتى الطرق، إضافة إلى ذلك لا يزال بعض الأمهات يلجأ للطرق التقليدية للتخويف مثل الأشباح أو طبيب الأسنان أو اللص أو الكائنات المخيفة، وربما تهديده بتركه في الظلام وحيدا، وعلى الرغم من تأثير تلك الحيل على نفسية الطفل وما تولده لدية من انطباع سيئ في داخله، فإنه يتطور إلى حالة مرضية يصعب علاجها في المستقبل. ندم بعد فوات الأوان من تجربة خولة سعيد (أم لأربعة أبناء)، التي لجأت إلى الكثير من الحيل لردع أبنائها من المشاغبة في المنزل، فإن بعض الأساليب التي اتبعتها كانت مجديه والبعض الآخر لم يفيد، لكن ابنها الصغير فيصل، ذا الخمسة أعوام، ما زال يخاف من تهديد والدته له حين تقول «بوديك للطبيب»، فبمجرد سماع كلمة طبيب تنتابه حالة من الخوف والهلع، وسرعان ما يكون النوم المنفذ الوحيد لذلك، ويصاحب ذلك أيضا قضم لأظافره. تحكي خولة، وهي نادمة من أسلوب التخويف الذي اتبعته، «غالبا ما نقصد هذه الطرق لتخويف الطفل من تكرار السلوك الخطأ. وعلى الرغم من أنه ينجح في وقته، إلا أنه بعد تكرار ذلك، قد لا ينتابه الخوف، خاصة إن هددناه بالشرطي أو بإبرة «الطبيب». وتعترف خوله بخطئها في استخدام «شخصية الشرطي» لتخويف طفلها، مع علمها بأنه إنسان يقوم بعمل مهم للحفاظ على الأمن، إلا أنها ترجع تصرفها للتقليد والتربية الخاطئة التي ترعرعت عليها مستخدمة الأسلوب ذاته. وتظهر شمسة حميد حتى هذه اللحظة نادمة على الطريقة التي تهدد بها ابنها عبد الله، في الصف الثاني الابتدائي، حين يرتكب خطأ أو يشاغب في المنزل، فمجرد قولها إنها ستذهب به إلى طبيب الأسنان، فإنه من شدة الخوف لا إراديا«يتبول في ثيابه» وعلى الرغم من ذهابها للكثير من المختصين النفسيين لعلاج هذه المشكلة إلا أن تأثيرها ما زال مستمراً حتى اليوم. وتضيف وعلامات الندم واضحة على وجهها «ارتكبت خطأ فادحاً بحق ابني وعليّ تصحيحه مهما كلف الأمر، فلجوئي لهذا الأسلوب كان من باب الردع والتأديب، لكن لم أتصور أن يصل به الموضوع إلى ذلك الأمر». تأثير نفسي من جانبه، يعترض هلال خلفان (ولي أمر) على أساليب التخويف التي تتخذها بعض الأمهات حين تهدد الطفل الصغير بالشرطي أو الإبرة أو وضعه في غرفة مظلمة أو إنه سيأتيه الشبح ليلاً ليأخذه معه، بسبب تصرفات يرتكبها. ويقول «لو سمعت زوجتي تقوم بذلك سيكون هذا آخر يوم تجلس فيه بالبيت، فتأديب الطفل أو ردعه عن أي تصرف خاطئ بدر منه بالإمكان علاجه بأساليب تربوية حديثه»، مؤكداً أن الكثير من الأطفال اليوم لديهم حالة من «الخوف» بسبب تهديدات أمهاتهم بعقاب صارم، وهن لا يدركن إن ذلك يؤثر على نفسيات وسلوكات الأطفال عندما يكبرون، حيث لا ينفكون عن انتهاج هذه الطريقة وبشكل شبه يومي. مطالباً هلال من جميع أولياء الأمور الذين يلجأون لهذه الحيل التخويفية بضرورة مراعاة احتياجات الطفل ونفسيته لأنها تؤثر على سلوكه وردود أفعاله. ويورد خلفان «من الطرق المثلى لمعاقبة الطفل وردعه عن التصرفات الخاطئة، الحرمان مما يحبه الطفل عقاباً على الخطأ، وهي من الطرق الناجحة، والتي يمكن أن تربي الطفل، ولا تؤذي نفسيته في الوقت ذاته». وتلفت شيخة السويدي، أم لثلاثة أطفال، إلى أنها استعانت مؤخرا بتطبيق في الهاتف المتحرك. ويعرف بـ «شرطة الأطفال»، وهذا التطبيق فور التحدث معه والشكوى من تصرفات الطفل، فإنه يقدم الحلول السريعة لإخافة الطفل، ويكون ذلك بنبرة صوت تخيف الطفل، لمنعه من تكرار الفعل الخاطئ الذي ارتكبه. في هذا الشأن تقول السويدي «على الرغم من علمي أن هذا الأسلوب، يولد لدى أبنائي انطباعاً سيئاً ورهبة شديدة تؤثر في نفسيتهم وتضر بحالتهم الجسدية والنفسية. إلا أنني أستخدمه عند إقبالهم على أي عمل سيئ، ما يولد لديهم شعورا بالخوف من كل شيء، فمن وجهه نظري هو حل مؤقت للتخلص من نشاطهم الزائد ومشاغبتهم المستمرة في المنزل». أسلوب خاطئ لا يعلم بعض الآباء والأمهات أن التخويف خطأ فادح نظراً إلى آثاره النفسية السلبية التي تستمر مع الطفل مدى حياته. في هذا السياق، يقول الدكتور أحمد عموش، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماع بجامعة الشارقة إن «تخويف الأم لطفلها من عناصر معينة مثل الأشباح والظلام والشرطي والحقن والدواء وغيرها، يعد أسلوباً خاطئاً في تربيته». ويضيف «حين يلجأ الآباء والأمهات إلى تهديد أطفالهم وتخويفهم لإحكام السيطرة على تصرفاتهم وثنيهم عن السلوكيات السلبية التي يقومون بها، فإنهم بذلك يرتكبون خطأً فادحاً في حق الطفل تكون عواقبه وخيمة، أبرزها أحلام مزعجة وكوابيس يخاف منها ليلاً، وتبول لاإرادي، وميل إلى العزلة والانطواء، والخجل، وفقدانه الثقة بالنفس، والتردد في تصرفاته». ويوضح عموش «ثمة ضوابط لترهيب الأم لطفلها، فإذا حدث الفعل للمرة الأولى عليها أن تنبهه من دون أن تعاقبه، أما إذا تكرر فيتوجب العقاب بعد الفعل مباشرة مع تبيان سبب العقاب، كي لا يشعر أن كل ما يفعله خطأ حتى لو كان صواباً، وأن يكون الضرب أو التهديد بسيطاً غير مؤلم، لأنه يترك آثاراً سلبية في نفسيته». ومن ناحية أخرى، قد يشمل هذا الأسلوب التخويف من أشياء أو أشخاص لهم دور إيجابي في المجتمع مثل الطبيب والشرطي، في هذه الحال، فان الأهل يرتكبون خطأ فادحاً تجاه الطفل والمجتمع في آن معاً. ويضيف «يعتقد علماء النفس بأن أسلوب التخويف الذي يتبعه بعض الآباء هو من أكثر العوامل تأثيراً في شخصية الطفل فيما يتعلق بالخوف المرضي، خاصة إذا كانت هذه المخاوف تخاطب مخيلته في سنوات طفولته المبكرة. وفي هذه السنوات المبكرة غالباً ما يختلط لديه الخيال بالواقع فتختلط الأشياء في ذهنه ولا يعرف كيف يفسرها، لذلك نراه يخاف من أشياء لا تخيف بطبيعتها، وعند إقباله على أي عمل فإنه يفترض بأنه سيتعرض إلى عقاب شديد لا يعرفه وتبدأ مخيلته في العمل بتضخيم الخوف، ويصبح جزءاً من تكوينه النفسي،وسيفقد ثقته بنفسه تدريجياً نتيجة وقوعه فريسة لأوهامه الخاطئة،تلك الأوهام التي زرعها في نفسه أقرب الناس إليه وهم والداه» . عقدة الطفولة تنتقد بدرية الهرمودي، الأمهات اللواتي يُعرضن أولادهن للخوف من أمور من الأجدى أن يقمن بتحبيبهم بها، وهي تعتقد أن سلبيات هذا التصرف أكثر من إيجابياته، فمدى الخوف والحالة النفسية التي يشعر بها الطفل تتجاوز الفائدة التي قد تجنيها الأم من ذلك. الهرمودي تبرر «اشمئزازها» من موضوع تخويف الأطفال لما تحمله في نفسها من خوف من «الظلام» منذ طفولتها، واستمر لغاية الآن معها، فهي لا تستطيع النوم في غرفة معتمة، وهذا الشعور يدفعها للتعاطف مع الأطفال الذين يخافون من «ترهيب الأمهات»، على حد تعبيرها. الفرصة الكاملة ينصح علماء نفس وتربية بأن تتاح الفرصة الكاملة للطفل للتعرف إلى الشيء الذي يخيفه، إذا كان ملموساً، مثل الطفل الذي يخاف الظلام أو يخاف من وجود اللصوص أو الوحوش خلف ستائر غرفته مثلا، ويمكن للأم في هذه الحال الوجود مع الطفل في الغرفة ومشاركته مثلاً في لعبة الضوء والظلام، ومشاركته الجلوس في الغرفة، وهي مظلمة. كذلك التحقق من الستائر وما خلفها بصورة تدريجية أمام عينيه ليتأكد من عدم وجود ما يخافه. فالتفاهم مع الطفل في هذه المواقف يجب أن يكون بحوار يُبنى على الإقناع وليس الخداع. إضافة إلى تدريبه على مواجهة خوفه، وبعد موافقته على خوض التجربة من دون تهديد، ولا بأس من محاولة تغيير الأشكال والأشياء من حوله، كتغيير ديكور غرفة نومه مثلاً أو إصفاء بعض اللمسات اللونية على المكان ولصق صور الشخصيات الكرتونية التي يحبها على جدران الغرفة.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©