الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الانقلابيـــون» دمــروا الاقتصاد اليمني

«الانقلابيـــون» دمــروا الاقتصاد اليمني
12 مارس 2016 20:16
ماهر الشعبي (عدن) على مدى الأشهر الماضية، ظلت الميليشيات تستنزف احتياطي النقد الأجنبي من البنك المركزي اليمني لتغطية مجهودها الحربي الذي وظفته في النيل من الشعب اليمني وسرقة مقدراته، تنفيذاً لأجندة خارجية. وخلال عام كامل، حاصر الانقلابيون وحليفهم المخلوع صالح اليمنيون عسكرياً واقتصادياً، وقتلوا عشرات الآلاف منهم، وشردوا مئات الألوف من منازلهم، ودمروا المساكن والمنشآت والمصانع والمؤسسات الحكومية والخاصة. 3 ملايين يمني فقدوا أعمالهم منذ الانقلاب، ومثلهم أيضاً 3 ملايين باتوا تحت خط الفقر، و7,2 مليون بحاجة إلى مساعدة وتوفير الأمن الغذائي لهم، وفقاً لمنظمات دولية. لم يقتصر بطش الانقلابيين عند هذا المستوى، بل تعداه ليصل إلى استنزاف الاحتياطي النقدي لبنك الحكومة المركزي الخاضع لسلطة الانقلاب حينما وصلت جحافلهم ليل 21 من ديسمبر العام قبل الماضي، راحت تهرول صوب مصرف الحكومة وحاصرته بالمئات من كتائب الحسين، وسقط البنك ليلها في أيدي كتائب الحسين، ويكون بذلك سيدهم هو الآمر الناهي ليصل لمبتغاة الحقيقي ويكشف القناع عن وجهة القبيح. 5 مليارات دولار، كانت إجمالي احتياط اليمن فقط، لم يتبق منها الآن إلا مليار دولار هي الوديعة السعودية، عززت بها البنك عام 2012 م بعد رحيل الرئيس المخلوع. على مدار عام كامل، ظلت الميليشات تستنزف ذلك الاحتياطي، وجعلت تسخره لصالح مجهودها الحربي ضد أبناء اليمن والجيران العرب، غير آبهين بالعواقب الاقتصادية المترتبة جراء خطواتهم العبثية تلك، وما سيترتب عليها من خطوات مدمرة للاقتصاد اليمني برمته بعد نفاذ الاحتياطي، على الرغم من تحذيرات حكومية ومنظمات مالية وخبراء اقتصاد في هذا الجانب، لكنها لم تلتف لتلك التحذيرات. في الـ 19 من فبراير الماضي، أوقف المركزي اليمني تأمين واردات البلاد من المواد الغذائية «رز، سكر، ووقود» بالعملة الصعبة، كان يؤمنها منذ عام 2011، بعد عجزه عن الاستمرار في ذلك. وكان المصرف المركزي يغطي أهم احتياجات اليمن الأساسية من الواردات، وهي القمح، والدواء، والأرز، والسكر، والوقود منذ ثورة الشباب بسعر الصرف الرسمي 215 ريالاً للدولار، عندما صعد لأول مرة ارتفاع الدولار مقابل الريال عقب اندلاع ثورة الشباب، واستمر على ذلك من ذلك الوقت، وهو ما عزز بقاء سعر الصرف، كما كان عليه من سابق حتى منتصف فبراير الماضي رغم هبوط العملة لمرة واحدة كانت في أكتوبر عام 2015 عندما وصل سعر الصرف إلى 260 ريالاً للدولار الواحد، الأمر الذي استدعى من الحكومة والرئاسة إقناع محافظ البنك المركزي إلى العودة للعاصمة المحتلة صنعاء، فضلاً عن تواصلات لمنظمات مالية دولية أقنعت المحافظ بالعودة إلى مباشرة عمله، وتدارك الأمور التي كان قد تركها المحافظ بن همام وقرر الاعتكاف في منزله بمنطقة غيل بن يامين محافظة حضرموت جنوب شرقي اليمن، وعقب أيام عادت العملة إلى وضعها الطبيعي. يعيش المصرف المركزي حالة من التخبط وعدم القدرة على إمساك زمام الوضع المالي في البلاد جراء الركود الاقتصادي التام والمضاربة على النقد الأجنبي، وعجزه عن التدخل في سوق الصرافة وحسم هذه المعضلة. وانهارت العملة بشكل غير مسبوق بعد ساعات قليلة من قرار المركزي، ما حدث بعملية تزاحم ومضاربة في السوق السوداء لشراء العملات الأجنبية من قبل مستوردين وتجار، ووصل الريال اليمني إلى 280 مقابل الدولار الواحد بدلاً من 215 أواسط فبراير، والحال نفسها بالنسبة للريال السعودي الذي قفز إلى 70 ريالاً يمنياً مقابل الريال السعودي بدلاً من 58، فضلاً عن قفز بقية العملات الأجنبية الأخرى مقابل الريال. ووفقاً لاقتصاديين، فإن التوقعات تشير إلى أن الريال سيواصل انهياره جراء رفع المركزي اليمني التأمين النقدي على عمليات استيراد المواد الغذائية التي تتم لحساب المؤسسات والشركات التجارية باستثناء مادتي القمح والدواء، كخطوة منه تستهدف مواجهة أزمة شح وندرة العملة الأجنبية في البنك. وفي حين نفى مصدر رفيع في مصرف اليمن المركزي لـ «الاتحاد»: أن يكون البنك قد اتخذ قراراً رسمياً عن توقفه لتغطية الاعتمادات، لكنه على وشك اتخاذها، لقد وصل الوضع إلى الهاوية ولم يتبق من الاحتياطي النقدي سوى 1,6 مليار كما يؤكد. وأضاف: «المليار الدولار وديعة السعودية ولم اطلع على شروطها، لكن ما أعرفه جيداً بأنه يتوجب سدادها على شكل أقساط والفائدة مناصفة، إما شروط السحب لا أعرف ما إذا كان بالإمكان السحب منها، وبخصوص 600 مليون دولار المتبقية كم بإمكانها أن تغطي وإلى متى لن تصمد سوى أشهر قليلة، الوضع كارثي فعلاً. وقال المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه: «في إحدى الفترات من عام 2011 إثر ارتفاع الدولار التزم البنك تغطية الاعتماد للبنوك، أي أنه سيدفع قيمة الاعتماد عن البنوك لكي تخف عملية التزاحم على شراء الدولار، ويقوم البنك بتغطية المبلغ بالريال التي كان يدفعها من الاحتياطي، وسارت العملية منذ ذلك الوقت، لكن ما حصل الآن هو عجز وشلل أصاب البنك عقب توقف إنتاج النفط، وانعدام الإيرادات الجمركية والضريبة والنفطية وتلاشي الاحتياطي». مؤكداً: «بعد انخفاض الاحتياطي، صار البنك يغطي الاحتياجات الضرورية فقط مثل القمح واستيراد البترول فقط، في الوقت الحالي البنوك تريد أن تغطي اعتماداتها بنفسها ولديها عمله تريد نقلها إلى الخارج». وتابع: «الحكومة الشرعية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور رفضت طباعة عملة جديدة، حصل ذلك في الاجتماع الأخير في الأردن، وتمت مناقشة هذا الجانب، لكي تضيق الخناق على الحوثيين». وبخصوص نقل مبالغ أجنبية تنوي البنوك اليمنية ترحيلها إلى الخارج منذ أشهر لتغطية أرصدتها لدى مرسليها، قال: «لم تبت حتى اللحظة وزارة المالية في هذا الموضوع لكي يتسنى لهذه البنوك نقل تلك المبالغ». ويعتبر المحلل الاقتصادي عبد الله ناجي علي، أن انهيار الريال اليمني مقابل الدولار شيء متوقع لكون البلد تعيش حالة حرب مع الانقلابين. ويقول عبد الله ناجي لـ «الاتحاد»، إن الحرب أثرت كثيراً على النشاط الاقتصادي، خاصة عائدات النفط والموارد المالية الأخرى، ونقصد هنا الإيرادات المغذية للموازنة العامة للدولة. مضيفاً: «تآكل الاحتياطي النقدي أثر كثيراً على انهيار الريال اليمني، خاصة أن الانقلابيين حولوا معظم الموارد الاقتصادية إلى مجهود حربي، وقد صرفوا من البنك المركزي إلى بداية هذا العام ما يقارب 1,500 مليار». ويؤكد ناجي أن الاحتياطي من العملة الصعبة الدولار في انخفاض مستمر وقد تجاوز حد الأمان، لهذا لا يستطيع البنك المركزي تغطية كل السلع الضرورية التي كانت الدولة تدعمها. وعن الحلول التي يمكن لها أن توقف هذا الانهيار، يقول المحلل الاقتصادي عبد الله ناجي: «أعتقد أن الحلول المناسبة هي إعادة تصدير النفط كمصدر أساسي لإيرادات الدولة التي تمول الموازنة العامة، إضافة إلى الخطوة الأهم من هذا كله، وهي إيقاف الصرف العبثي الذي تمارسه الميليشيات الانقلابية بتحويل جزء كبير من مصروفات الدولة إلى مجهود حربي». وزاد: «أعتقد أن المنظمات الدولية ممثلة بصندوق النقد الدولي يجب أن تتدخل وبشكل سريع لإنقاذ الوضع الاقتصادي اليمني باعتباره من يقود الإصلاحات الاقتصادية في بلادنا منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي». واعتبر الخبير الاقتصادي رئيس مصلحة الضرائب اليمنية الأسبق الدكتور أحمد أحمد غالب الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي مؤخراً، وهو الامتناع عن تغطية واردات بعض السلع واقتصار تغطيته للواردات بالسعر الرسمي على القمح والدواء فقط كان متوقعاً، في ضوء تآكل الاحتياطيات الخارجية بصوره متسارعة تخطت الحدود الآمنة، بل إن تغطيته للقمح والدواء ربما لن تكون ممكنة إذا استمر الوضع على ماهو عليه دون معالجة. ويمضي قائلاً: «خاصة استعادة الموارد من المصادر الخارجية، واستمرار غياب التنسيق والتعاون إن لم يكن التصادم بين السلطتين المالية والنقدية، بل إن إجراء البنك المركزي الأخير مع ما يسببه من ضغوط على العملة الوطنية لتوجه المستوردين إلى السوق الموازية للحصول على القطع الأجنبي». مؤكداً: «لن تحل المشكلة أو يحد من تصاعدها طالما هذه الأموال لن تجد طريقاً آمناً للوصول إلى البنوك المراسلة خارج البلد بسبب تعنت بعض المسؤولين الرسميين أو بالتحديد مسؤول رسمي مع الأسف، وأكررها رسمي للأسف من الحصول على إذن لترحيل تلك الأموال إلى الخارج حتى تتمكن البنوك الوطنية من فتح الاعتمادات لتغطية واردات عملائها من السلع والخدمات برغم جهود الأخ محافظ البنك المركزي وجمعية البنوك والقطاع المصرفي ومحاولاتهم المتكررة للحصول على إذن ومنذ شهور لنقل الأموال المتراكمة لديها من العملات الأجنبية المختلفة التي باتت تقترب من مليار دولار». وفي مناشدة عاجلة وجهها الخبير الاقتصادي، حذر غالب الاقتصاديين من انهيار اقتصادي وشيك ربما يسبب انهياراً شاملاً لما تبقى من آثار حياة في البلد ما لم يتم الاتفاق على إجراءات جادة وصارمة تستعيد استقلالية وحياد المؤسسات المالية، وإعادة تحصيل كافة موارد الخزينة العامة، بما في ذلك استئناف إنتاج وتصدير النفط وإعادة تطبيع العلاقات مع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية للحصول على تمويلات جديدة أو السحب من التمويلات المتعاقد عليها. مضيفاً: «كما سبق أيضاً التنبيه إلى أن الإجراءات التي يتخذها البنك المركزي هي إجراءات إدارية غير اقتصادية ومسكنات مؤقتة في وضع استثنائي لن تصمد طويلاً، ما لم تعالج الأسباب الرئيسة للمشكلة». ترحيل سيولة البنوك حصلت «الاتحاد» على مذكرة وجهها محافظ المركزي اليمني إلى وزير المالية في الـ 29 من ديسمبر العام الماضي، طلب فيها من الوزير التخاطب مع التحالف العربي، والحصول على موافقة بالترخيص لترحيل سيولة البنوك من النقد الأجنبي الفائض ونقلها إلى الخارج لتغطية أرصدتها. شملت المذكرة ثمانية بنوك محلية، وتشحن تلك المبالغ على ثماني دفع متفرقة، وعلى متن طائرة خاصة تنقل إلى مطار المنامة مملكة البحرين، وتسلم في مطار المنامة لشركة البحرين المالية. والبنوك التي شملها الخطاب: بنك اليمن والكويت، مصرف اليمن والبحرين الشامل، البنك العربي، بنك اليمن الدولي، البنك اليمني للإنشاء والتعمير، بنك سبأ الإسلامي، مصرف ألكريمي والبنك التجاري اليمني. اليمن بعد عام من الانقلاب حذر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً من انضمام 3 ملايين شخص إلى قائمة الجياع، وأن 7,6 مليون بحاجة إلى الأمن الغذائي، فضلاً عن 21,2 مليون بحاجة إلى مساعدات إنسانية. فيما قدر البنك الدولي نسبة الفقر بـ 54,5% من إجمالي عدد السكان، في حين فقد قرابة 3 ملايين يمني أعمالهم خلال عام من الحرب وارتفعت البطالة إلى 60%. في حين تقول التقارير الدولية والمحلية، إن إنتاج النفط اليمني هوى من 400 ألف برميل يومياً قبيل اندلاع ثورة الشباب عام 2011م ليصل إلى 100 ألف برميل يومياً بعد سيطرة المتمردين الحوثيين على البلاد، وغادرت 10 شركات اليمن بعد الانقلاب واندلاع الحرب. وأشارت تقارير المنظمات الدولية إلى توقف 60% من الأنشطة الصناعية والزراعية، كما فقدت البلاد نحو 4 مليارات دولار سنوياً، بعد توقف أعمال تصدير الغاز من ميناء بلحاف النفطي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©