الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مدرسة التطرف

10 نوفمبر 2014 22:10
أطلق إرهابيون النار على حسينية في قرية «الدالوة» بمحافظة الأحساء، شرق المملكة العربية السعودية، وأدى ذلك إلى مقتل ثمانية أشخاص وإصابة آخرين، كما أدت المواجهات في ست مدن مع الإرهابيين إلى مقتل رجلي أمن، أحدهما سبق وأن أصيب في مواجهات مع سفاكي دماء البشر التابعين لـ «القاعدة» في منطقة القصيم ذاتها، عام 2005! إنه التاريخ يعيد نفسه. أناس عقولهم ملوثة، فجار أشرار، أعمالهم من أعمال الجهال غير المبصرين، يضعون للانتهازية عناوين من الشريعة، ويقدمون لقتل الأبرياء تبريرات من الآيات، ويعطون للجشع أسماء من الدين، ويظنون أن قتل البشر عمل من أعمال الجهاد المقدس، فيأتون على الصغير والكبير، ويصبح البلد بذلك عرضة للفتن الدينية والطائفية. ولد الإرهابيون أناساً عاديين، فكل مولود يولد على الفطرة، وإنما أصبحوا إرهابيين عندما تخرجوا من مدرسة التطرف، التي تربي البشر على المظالم السياسية والمذهبية والثقافية، والتي تبرر دائماً بالدين وتسوغ بالشريعة وتجيز بالفتاوى.. وأقصد الثقافة المحلية التي عجزت عن وضع سدود حامية للعقول، وأقصد أيضاً الخلل في الإدارة والأنظمة المعنية بالأمن، كما أعني السلطة القضائية. ثقافة ومدارس بعض الأوطان حاضنة للإرهابيين، يشربون من كؤوسها وهي كؤوس مسمومة تقوي فيهم الشراهة الإرهابية، وهي جهنم النفس التي لا تمتلئ أبداً، بل تقول دائماً هل من مزيد، وتجنح إلى التسطيح المبالغ فيه وتميل إلى التضخيم، وتقاد بالألفاظ والفتاوى الفارغة، وتتحرك بالأوهام الخاطئة، وتسير بالأحلام الضالة الكاذبة، فهذه الثقافة ومدارسها هي التي تولد مثل هؤلاء الإرهابيين، بمعنى أنه يجب إعادة النظر في المؤسسات الدينية وإعادة تأهيل الحقل الديني من ألفه إلى يائه، بما في ذلك إعادة تأهيل القائمين بأمور الفتاوى، كما يجب إعادة النظر في المنظومة التربوية والتعليمية بأكملها. نوعية الثقافة التي تكونت في عقول المتطرفين مردها مجتمعاتنا لا غير، وإلا لماذا ينقاد إليها البعض؟ إذا سمعت خطب من قتل من قادتهم كابن لادن ومن لا يزال على قيد الحياة كالظواهري والبغدادي وأمثالهم، فإنهم دائماً ما يجنحون إلى التلاعب بالألفاظ والتماحك بالكلمات، فيسمون العدوان كفاحاً، والقتل جهاداً، والهزيمة نصراً، والانسحاب من المعركة تكتيكاً لإعادة تنظيم الأوراق.. وهكذا. لكن المصيبة الكبرى هي عندما يتمنطق مشايخ الغلو والتطرف والإرهاب بالدين ويتمسحون بالشريعة، هنا على الدولة أن تتدخل بقوة السيف والزجر لأنهم يجعلون من أنفسهم وكلاء عن الذات الإلهية، ومتحدثين باسم القوى الكونية، ووكلاء في تفسير القرآن والسنة، وأوصياء على عقول البشر، ورقباء على جميع الناس، ومتسلطين على رقاب العباد.. ونتيجة لهذا كله تصبح المصالح الشخصية أهدافاً للدين، وتصير الأغراض الخاصة غاية للشريعة، ويصبح من يعاديهم ليس خائناً فقط بل كافراً زنديقاً، ولا عميلاً فقط بل ملحداً مرتداً! فهل نعي حقاً حجم وهول المصيبة؟ إننا مهددون في ديننا وأوطاننا، والعالم يشير إلينا بالأصابع، ويستغل الخصومُ هذا الوباءَ ليصفونا بدول المتناقضات الشديدة والمتعارضات العنيفة، وسيُمنع في يوم من الأيام، إذا بقيت الحالة كذلك، أبناؤنا من ولوج مدارسهم وجامعاتهم. مازلت أتذكر سنة 2001، مباشرة بعد أحداث 11 سبتمبر، كنت أتغدى مع البروفسور ميشل لويس مارتن (وكان مشرفاً على طروحتي للدكتوراه) في مطعم بمدينة تولوز الفرنسية، وهو أنغلوساكسوني في فكره، من كبار تلامذة موريس جانوفيتس والذي هو أيضاً من كبار المتخصصين في العلاقات الدولية في أميركا، وبالضبط في مجال السوسيولوجيا العسكرية، قال لي: أنا أعرفك جيداً وأسمع بوالدك العالم ذي الفكر المتفتح وبعائلتك الفاسية، كما أعرف فكرك وتوجهاتك الليبرالية، لكن إذا استمرت هاته التفجيرات وهذا الإرهاب من العرب والمسلمين، فلن تجد مسؤولاً غربياً واحداً يثق في أي طالب أو باحث أو جامعي عربي، وما أدراك بالإنسان الغربي العادي الذي سيرى في كل عربي ومسلم مجرد قنبلة تمشي على الأرض، ولله الأمر من قبل ومن بعد. د. عبدالحق عزوزي * *أكاديمي مغربي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©