الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

متى بدأ كل شيء؟

متى بدأ كل شيء؟
28 أكتوبر 2011 22:20
تثير أعصابي بجنون الطريقة التي تتناول بها الصحف بعض الأخبار. مثلاً أنا أتابع بدقة جريدة «الصرصور الثرثار»، ولا أفوت سطراً منها.. فجأة أجد هذا الخبر يوم الثلاثاء مثلاً: التشريح لم يثبت شيئاً في جثة عباس أبي شفة. من هو عباس أبو شفة؟.. لماذا يشرحونه؟.. معنى هذا أن هناك سبباً قوياً للتشريح، ومعنى هذا أني لا أدقق في قراءة الصحف بما يكفي.. هكذا أعود للصحف السابقة فأجد هذا الخبر الصغير: عباس أبو شفة الذي التهم سلحفاة يموت في المستشفى.. أعود لأعداد سابقة من الجريدة، فلا أجد أي خبر. هذا يثير غضبي.. الجرائد لا تحوي سوى تطورات حالة عباس أبي شفة التالية لالتهام السلحفاة. لكن أين القصة الكاملة؟.. متى بدأ كل شيء؟... ما الظروف التي تدفع إنسانًا بكامل قواه العقلية لالتهام سلحفاة؟ أريد أن أجد الخبر الأول الذي يبدأ كل شيء، ونصه: نتيجة لفقد قواه العقلية قام محاسب في الأربعين من عمره بالتهام سلحفاة، وتكون هذه هي البداية، لكن الصحفيين جميعاً لا يفعلون هذا. لا أحد يعبأ براحتي النفسية أو إسعادي. إنهم قساة فعلاً. بعد أيام أرى خبراً يقول: لا صحة للإشاعة التي انتشرت حول محمود الشبراوي.. من هو محمود الشبراوي؟.. وما هذه الإشاعة؟.. ولماذا اختلقها وغد ما؟.. اقرأ الخبر بعناية فأعرف أن من يدعى محمود الشبراوي ينفي تماماً الإشاعة التي أحاطت به، ويؤكد أن أعداء النجاح هم من أطلقوها عليه. هكذا لا أعرف شيئاً على الإطلاق. بعد يومين أفتح الصحف لأجد أن الشبراوي يقاضي التهامي بسبب الإشاعة التي أطلقت عليه. أريد ببساطة أن أجد الخبر السعيد الذي يقول: التهامي يزعم أن الفنان محمود الشبراوي يأكل الموز بقشره.. هكذا يصير تسلسل الأخبار صحيحاً.. زعم ثم نفي ثم مقاضاة.. عندما أنوي أن أسرق المصرف مثلاً سوف أرسل للصحف أخبرها بالتفاصيل منذ أول لحظة: محمد حمدان ينوي سرقة المصرف اليوم في الساعة الثالثة مساء، ثم أرسل للصحف في اليوم التالي: محمد حمدان سرق المصرف وتمكن من تهريب المال ويقوم بعده الآن في مقره السري. في اليوم الثالث أرسل للصحف: الشرطة تطارد حامد حمدان وتوشك على مهاجمة مخبئه. في اليوم الرابع يكون الخبر: حامد حمدان سارق المصرف في قبضة الشرطة. حامد حمدان يزعم أنه لم يسرق المال. ثم: حامد حمدان في السجن. هكذا يحترم المرء عقلية القارئ ويحافظ على التتابع المنطقي للأحداث، ويكون بوسع القارئ أن يعرف كل بدأ كل شيء وكيف تطور، بدلاً من أن يكون الخبر: القبض على محمد حمدان، دون أن يعرف القارئ من هو ولا متى قرر أن يسرق المصرف. كيف بدأ كل شيء؟.. هذا أهم شيء عندي.. لقد رأيت في طفولتي مشاجرة عنيفة في الشارع، فدنوت من أحد الواقفين أسأله، فقال لي: لقد ركله في ظهره! من ركل من؟.. ولماذا؟.. وكيف بدأ كل شيء؟.. لا أحد يجيب ولا وقت لأحد كي يشرح لك.. كأنهم يتلذذون بإشعارك بأنك جئت متأخراً جداً، وأنك آخر من يعلم. لكن لو كان هذا مبرراً لدى العامة في الشارع، فلا أفهم لماذا تصر الصحافة على الشيء نفسه؟ د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©