الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سينما تتلمس إبداعاتها ومخرجات واعدات يتناولن مدارات الأنوثة وحيرتها

سينما تتلمس إبداعاتها ومخرجات واعدات يتناولن مدارات الأنوثة وحيرتها
16 أكتوبر 2012
تسيّد خطاب الأنوثة المشوب بالحيرة والأسئلة الذاتية، والطامح للانعتاق من هيمنة التسلّط والنظرة الملتبسة، على معظم النتاجات الفيلمية المعروضة في المسابقة الإماراتية لأفلام الطلبة الروائية القصيرة، وذلك ضمن البرامج والأقسام المتنوعة في الدورة السادسة لمهرجان أبوظبي السينمائي الدولي. ويحقق وجود أفلام للطلبة في مناسبات سينمائية كبرى مثل مهرجان أبوظبي، عدة مكاسب لمخرجين يافعين يختبرون أدواتهم الفنية، ويتلمسون ملامح إبداعاتهم المبكرة، حيث أنها أفلام تقدم فرصة ذهبية للتواصل مع مناخ فني تفاعلي يتلمسه الطالب من خلال ردات فعل الجمهور ومن خلال تعاطيه مع الأجواء الاحترافية في مهرجانات السينما. كما أنها أفلام تشير وبقوة إلى وجود اهتمام بالناحية العملية والتطبيقية لمفهوم الفيلم وكيفية تنفيذه، دون الاعتماد وبشكل كلي على الأطروحات والدراسات النظرية، والتي لا يمكن أن تشبع وحدها نهم الإلمام بأسرار وطرائق وأساليب إنتاج الأعمال المرئية والتفاعلية. وبدا واضحا من خلال الأفلام المعروضة في مسابقة الطلبة، وجود هذا الانشغال الجدي والحماس الوافر من قبل الطالبات للتصدي والتعامل مع فن الإخراج، وهو انطباع يستقيه المتابع أيضا للمشهد القصصي والروائي في الإمارات، حيث برزت أسماء عديدة لكاتبات استطعن خلال السنوات القليلة الفائتة أن يقدمن نتاجات أدبية ملفتة ومتفوقة كما ونوعا على نتاجات الرجال المنتمين لحقلي القصة والرواية. 13 مخرجة احتوى برنامج الأفلام الروائية القصيرة على أسماء لـ 13 مخرجة، بينما تصدى أربعة مخرجين فقط لباقي الأفلام في البرنامج، وهي نسبة طاغية وتحمل دلالاتها الخاصة حول رغبة هؤلاء المخرجات في التعبير الإبداعي الحرّ، عبر وسيط فني يترجم رؤاهن الخاصة، ويحقق ذواتهن ويقدمهن للمشهد السينمائي المحلي اعتمادا على الموهبة والابتكار والشغف بعالم الفن السابع. ففي فيلم بعنوان: “تغيير ولكن” للمخرجتين حصة الشويهي وريم الفلاحي اللتين درستا تخصص الإعلام في كليات التقنية بدبي، نستمع لمونولوج داخلي تصدّره لنا فتاة شابة تخاطب مرآتها وتفاصيلها الأنثوية الحميمة، لتقدّم لنا أحلامها الجامحة وقراءتها الخاصة للحياة المختلفة القابعة خارج إطار غرفتها أو ملكوتها السري، حيث تتشكّل قي هذه الغرفة ملامح حريتها المؤقتة والمقاومة للتدخلات والإملاءات والقوانين الكثيرة والخانقة المحيطة بها، وتستثمر الكاميرا هنا دلالات وأبعاد الصورة المقربة والكادرات المتوسطة، كي تلامس نبض هذه الانشغالات الحبيسة في حيزها الصغير، والتي تحاول التمرد على وضعها حتى لو كان صوت هذا التمرد خافتا ومشمولا بالحوار مع الذات، وتحييد العذابات والحيرة الداخلية، حيث نرى الفتاة وهي تتجول في مملكتها الصغيرة هذه وتقوم بتغيير مكياجها وملابسها وهيئتها في مشاهد متتابعة ومتبدّلة، في دلالة قوية على رغبتها في التغيير وكسر الإطار الجامد والضاغط على حريتها، ونجحت مخرجتا الفيلم في نقل المشاعر المبطنة والمستترة في دواخل الفتاة، بالتوازي مع كثافة ودقة وجرأة المونولوج الداخلي نفسه، والذي تحول إلى صورة بديلة تختصر الكثير من المشاهد الذي يمكن أن يؤدي تنفيذها إلى إرباك وتشويش الإيقاع العام والمتآلف داخل النسيج البصري والإيحائي للفيلم. وفي خيار فني مشابه تلجأ المخرجة مرام عاشور للحوار الداخلي أيضا كي تعبّر في فيلمها: “المتنازلة” عن التوق المتوهج لدى الأنثى في تحقيق ذاتها وأهدافها، ولكنها تصطدم بالكثير من العوائق التي تجبرها على التنازل والخضوع للأمر الواقع. درست مرام عاشور فن تصميم الوسائط المتعددة ـ تخصص أفلام ـ في الجامعة الأميركية بالشارقة، وأعانها هذا التخصص كما كان واضحا في ثنايا الفيلم على قدرتها في صياغة مسارات سردية موفقة، عززتها بنقلات مشهدية تتناوب بين منطقة التمني ـ النابع من أحلام اليقظة ـ وبين منطقة أخرى صارمة تجسدها الأعراف المتوارثة والصيرورة المكررة لمتواليات الزواج التقليدي، والمشاركة الجبرية، والحمل والولادة، التي تعيد في النهاية إكمال الدائرة المغلقة والنمطية حول المرأة ومفهوم الأنوثة، وبكل الثقل الاجتماعي والتصنيف المجحف والصارم اللصيق بها وبعالمها المسور بنوايا شكوكية مسبقة وقاطعة. بلا اسم وفي فيلم: “عيب” الجريء والصادم والذي لم يرد اسم مخرجته على تترات النهاية، نستمع أيضا لفتاة جميلة وهي تروي تفاصيل معاناتها مع كلمة: “عيب” الشائعة والمكررة والتي سمعتها في طفولتها ومازال صداها يرنّ في ذاكرتها، ويتردد من حولها رغم وصولها لسن النضج والتمييز بين الصواب والخطأ، ولكن الوقع المهيب لهذه الكلمة، ومحاصرتها لحركتها اليومية، تدفعها إلى التمرد المطلق، وإلى ردة فعل متطرفة، من خلال ارتدائها لملابس مثيرة تحت عباءتها وقيادتها للسيارة كي تخرج لمواعدة شاب متزوج، إمعانا في الانتقام من مصطلح: “العيب”، وإمعانا أيضا في كسر القيد النفسي والأخلاقي، الذي باتت في عداء واضح مع شروطه الصارمة واللاإنسانية ـ من وجهة نظرها ـ وهي وجهة نظر لا يمكن تعميمها بالطبع، لأنها قد تصدر من خبرات حياتية عنيفة ونفسيات غير سوية، ومصابة بخلل وشرخ في تفسير الواقع وكيفية التعامل معه، واعتماد الفيلم على طرح فكرته الجريئة هذه، جعلته أسيرا لتأثيره المستفز والمبالغ به، وبالتالي لم ترق الأدوات التعبيرية في العمل إلى مستوى التعاطي مع هذه الفكرة الطاغية عليه، فجاءت المعالجة الإخراجية مباشرة وفجّة، انشغلت بإبراز عنوان الفيلم، دون أن تبتكر حلولا وبدائل تخلق مستويات جمالية ورمزية تتعدد فيها زوايا القراءة والتواصل مع الحبكة الأساسية للفيلم. والغريب أيضا أن يضع المخرج أو مخرجة الفيلم على مدونة الفيلم اسم: “مجهول” لوصف شخصيته، بدل أن يضع اسمه الحقيقي، وهذا التصرف يناقض تماما رغبة صانع الفيلم في كسر حاجز الخوف والمجابهة المباشرة مع القضية الحساسة المطروحة في فيلمه! أناقة مشهدية وفي سياق آخر معاكس لفيلم: “عيب”، ويدلّل على أهمية القراءة العمودية للأفكار والسيناريوهات السينمائية، نجد في فيلم: “عشر ساعات” الأناقة المشهدية والنسق التعبيري العالي الذي تستحقه حكاية الفيلم والذي نفذته أربع طالبات من الجامعة الأميركية بالشارقة هن: سارة العقروبي، ومرام عاشور، وأمنية العفيفي، وماهيا سلطاني وبمشاركة مخرج واحد هو محمد ممدوح، حيث تبدأ اللقطة الأولى للفيلم باستعارة شعرية وكادر مرهف نرى فيه امرأة سارحة في الشرفة، وكأنها تحدق في السهو اللذيذ والخيالات الشفافة المحيطة بها، وفي اللقطة التالية نستمع لها وهي تخاطب زوجها في الهاتف، والذي يخبرها بأنها قادم إليها بعد عشر ساعات، وتتواصل خلال مدة الانتظار هذه حوارات المرأة الداخلية الموحية والمعبرة عن تأثير ومعاني الرقم عشرة، ومع التناقص التدريجي للأرقام تكون هناك وقفة وقراءة واستدلال لمعنى وقيمة كل رقم، وساهم هذا التعامل الإخراجي الذكي مع الانسحاب المتلاحق للزمن في خلق تنويعات مشهدية مشوقة، ومعبّرة عن الطقوس الأنثوية الرقيقة والفوّاحة في تجليّات العشق والانتظار والترقب، غير أن المكالمة التالية من الزوج والذي يعتذر عن المجيء، تقلب هذا الوضع الرومانسي نحو الجهة المضادة تماما، حيث نكتشف أن المرأة ما هي إلا عشيقة عابرة، وأنها عاشت لعشر ساعات دور الزوجة الهانئة والمستقرة في منزلها، وأن كل طقوس الانتظار والوله، كانت مجرد تعويض نفسي وحيلة مؤقتة لاستجلاب الدفء والاطمئنان، لامرأة تعيش في هامش الحياة وفي هامش الروح أيضا، لأنها اعتادت على منح جسدها للآخرين، ولم تلتفت إلى أن هناك حاجات عاطفية لا يمكن تلبيتها إلا من خلال علاقة حقيقية ومستقرة ودائمة.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©