الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

العالم امرأة - السعد عمر المنهالي

26 فبراير 2007 02:07
نبهات البيرق·· ولاء بين هويّتين السعد عمر المنهالي: هل جوازات سفرنا التي نحملها في حقائبنا صك تأكيد على ولائنا لمكان إصدار تلك الوثيقة؟ وهل ولاءاتنا دليل على حبنا لبلد ما دون غيره، وهل هذا الحب يفضي بالضرورة إلى عطاء وتضحية لهذا البلد؟ ولمن يكون الحب، للتراب أم للقانون أم للسلطة الحاكمة في ذلك البلد؟ ومن له الحق في الإجابة على الأسئلة؟، حسنا،، لم تنته استفهاماتي، كما أنها لن تنتهيَ عند الكثيرين من الذين تطرقوا لهذا الموضوع، والذين أفردوا له من التأملات الفلسفية ما يكفي لمجلدات· هناك الكثير من الاستفهامات التي تثيرها قضية الولاء والتي ستبقى طويلا بلا إجابات، وقد لا يجد إجابتها أحد، ولكنها رغم ذلك تظل ذات رونق جاذب لإثارتها من وقت لآخر لأغراض أخرى بعيدة عن كل تلك التساؤلات· وهو الغرض الذي يثار الآن في هولندا· ففي الوقت الذي يقر فيه القانون الهولندي بجواز حمل موطنيه لجنسية ثانية، يصر السياسيون هناك على التشكيك بولاء حاملي الجنسية الثانية مطالبين إياهم بالتخلي عنها، مما دفع وزيرة العدل الجديدة في الحكومة الهولندية ''نبهات البيرق'' لقولها علنا في الثاني والعشرين من فبراير الجاري: ''لن أتخلى عن جنسيتي التركية، ولم أفعل ما يخالف القانون''!! أثار ردها العلني هذا بعد إعلانها عضواً في حكومة ''يان بيتر بالكنينده'' حفيظة اليمين المتطرف، الذي طالب من جانبه رئيس الحكومة بسحب تعيينها ووزير آخر، مشككا بولائهما بذريعة حملهما للجنسية المزدوجة· وللوزيرة الجديدة خبرات سابقة في إثارة الآخرين على الطرف المقابل، فعندما استلمت ملف طالبي اللجوء أثناء عملها بوزارة الداخلية رفضت طلب لجوء العراقيين القادمين من شمال العراق خاصة أنها منطقة آمنة، الأمر الذي عرضها في تلك الفترة للتهديد بالقتل، في حين اتهمها البعض بأنها ''هولندية'' بشكل زائد، وبين هذا وذاك كانت حياة أول وزيرة مسلمة من أصل تركي تصل إلى هذا المنصب في تاريخ هولندا· بين سيفاس وروتردام إحدى أكثر المناطق حضورا في تاريخ المأساة الأرمينية في تركيا بولاية ''سيفاس'' بتركيا- ولدت ''نبهات البيرق'' لعائلة اشتغلت في الفلاحة في العاشر من ابريل عام ،1968 غير أنها لم تشهد طفولتها هناك، فقد غادرت مع أسرتها المكونة من سبعة أفراد إلى هولندا عام ،1970 وفي مدينة ''روتردام'' استقرت رغم أنه كان في نية الوالد العودة إلى تركيا، وهناك تحولت مهنة الأب من الفلاحة إلى البناء· لا تبدو دوافع أسرة ''نبهات'' التي استدعت هجرتهم واضحة، سيما أنها ظلت محتفظة بجنسيتها التركية· كان استقرار الأسرة في هولندا بقرار واع ومدروس، توج بالتعليم العالي الذي حصل عليه أبناء الأسرة، فبعد انتهاء ''نبهات'' من مدرستها الثانوية عام ،1987 التحقت ''نبهات'' بجامعة ''ليدن'' ودرست فيها القانون الدولي والأوربي الذي حصلت فيه على شهادة بكالوريوس وهي في الثالثة والعشرين من عمرها، وكانت في ذلك الوقت تعمل أيضا في المكتب الوطني لمكافحة العنصرية في مدينة ''أوترخت''· انتقلت بعدها إلى تركيا لدراسة الحقوق في جامعة ''أنقرة'' في الوقت الذي كانت تعمل فيه متدربة في القسم الاقتصادي في المفوضية الأوروبية لمدة ستة أشهر خلال عامي 1991 وعام ،1992 ويبدو أن ''نبهات'' تتمتع بقدرات غير اعتيادية، فقد التحقت بمعهد الدراسات الفرنسية في الوقت الذي كانت تتابع فيه دراستها للقانون وعملها في المفوضية! توجت ''نبهات'' دراستها في المعهد الفرنسي بالمغادرة إلى فرنسا بعد ثلاث سنوات لدراسة العلوم السياسية في معهد ''الدراسات السياسية'' بباريس، وبعد انتهائها من دراستها عادت إلى هولندا عام 1993 لتعمل في إدارة الشؤون الدولية والأوربية بوزارة الداخلية حتى عام ،1995 ثم انتقلت إلى إدارة تنسيق سياسة اندماج الأقليات في نفس الوزارة لمدة ثلاث سنوات· ساهمت الخبرات العلمية والعملية التي تتمتع بها ''نبهات البيرق'' في توسيع مداركها فيما يتعلق بشؤون اللاجئين وقوانين هولندا المتعلقة بهم خاصة بعد عملها في المكتب الوطني لمكافحة العنصرية في سنوات حياتها المبكرة، ثم في مكتب تنسيق سياسة اندماج الأقليات بعد انتهاء دراستها، إضافة إلى تحدثها بخمس لغات، وغير ذلك من صفات عرفت عنها كعزيمتها المطلقة، وهي الأسباب التي دفعت حزب العمل- الديموقراطي الاجتماعي- إلى تقديمها للانتخابات البرلمانية التي جرت في هولندا في مايو عام ،1998 وبالفعل استطاعت ''نبهات'' دخول البرلمان، وهناك أصبحت عضواً في لجنة العدالة والشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي، وهي لا تزال في الثلاثين من عمرها· في دهاليز السياسة عندما انضمت ''نبهات البيرق'' كانت لا تزال طالبة جامعية، وداخل الفرع النسائي في الحزب ''الديموقراطي الاجتماعي'' استطاعت أن تكون من العضوات البارزات والمميزات، ولذلك كان حصولها على فرصة مناسبة لارتقاء السلم الحزبي توج بعد لقائها رئيس المجموعة البرلمانية الذي دفعها لترشيح نفسها في انتخابات الحزب البرلمانية، لتصبح في السادس من مايو عام 1998 نائبة في البرلمان الهولندي لتصرخ فرحة وبحماس ''غير معقول، لقد نجحت!'' تبدو فكرة المعقول وغير المعقول في البيئة التي نشأت فيها ''نبهات'' فكرة للتندر فقط، وليست للتطبيق، فالمجتمع الغربي بالمفاهيم التي أعلنها طويلا قيما حضارية له تجاوز خطوط المعقول في تعامله مع الهويات المختلفة التي وردت له من كافة أرجاء المعمورة، ومهما ظهرت بعض الزوابع إلا أن الصورة تظل مشرقة، فالقانون يجبر الجميع في النهاية، وهذا ما أكدت عليه ''نبهات البيرق'' في حوار صحفي معها كانت قد أجرته بعد دخولها البرلمان الهولندي، قالت فيه: إن البيئة التي نشأت فيها طرحت أمامها خيارات وجهزت لها كل الوسائل لتختار منها بحرية، حتى الهوية! وتصر ''نبهات البيرق'' على أنها هولندية مائة بالمائة، وتركية بالمائة بالمائة، وأن مفاهيم الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان هي مفاهيم عالمية وليست حكرا على أوروبا، وأن أهم سمة توجد في أوروبا هي احترام الحرية الشخصية لكل إنسان، سيما النساء· كما أنها تصر أنه ليس لأوروبا ثقافة واحدة، ولذلك يبدو الخلاف واضحا بين بعض دوله التي تسعى جاهدة للحفاظ على هويتها خوفا من الهويات الأخرى لباقي الدول الأوروبية، وهي اختلافات لن تنصهر على المدى المنظور، وما يزيد من تباعدها المصالح المتباينة بين هذه الدول· أما ما يخص الطريقة التي تنظر بها إلى قضايا اللاجئين سيما الأتراك، فإن ''البيرق'' عملت خلال عضويتها في البرلمان الهولندي على تقديم اقتراحات تحد من التأثيرات السلبية للسياسات المتخذة ضد الأجانب على النساء على وجه الخصوص، خاصة تلك التي تجبر الزوجة لكي تحصل على جنسية زوجها الهولندي أن تظل معه لأكثر من ثلاث سنوات مما يعني في المقابل تعرضهن للاضطهاد في بعض الأحيان لضمان الحصول على الجنسية، بالإضافة إلى عملها على فضح وتغيير سياسة التمييز المنظم ضد المرأة في مواقع العمل· كما دعت ''نبهات'' أثناء علمها في البرلمان إلى النظر في حال الأقلية التركية- الأكبر- الموجودة في هولندا، والعمل على توسيع فائدتهم من التنمية الاقتصادية في البلاد، ومن التعليم والعمل، ومعالجة قضاياهم المتعلقة باللغة والبطالة· هولندية أم تركية؟ حسنا·· ظل هذا الاتهام لصيقا بـ''نبهات البيرق'' ويعتقد أنه سيظل طويلا وحتى بعد خروجها من الحياة السياسية الهولندية، خاصة إذا استمرت في عدم إظهار العداء لهويتها التركية، وهو الأمر الذي- وعلى ما يبدو- أصبح صك الغفران الوحيد الذي يمكن أن يتقبله اليمين في هولندا، وهو الخط الذي رفضته ''نبهات'' في عدد من المواقف سيما عندما رفضت التوقيع على وثيقة تعترف بإبادة الشعب الأرميني من قبل الأتراك في الحرب العالمية الأولى· فإثبات العداء لهويتها التركية أمر غير وارد على الإطلاق، بل إن إعلانها تمسكها بها زاد من حفيظة اليمين المتطرف هناك، وقد بلغت ثورة الأحزاب اليمينية ذروتها قبل إعلان التشكيلة الحكومية الجديدة لوزارة ''يان بيتر بالكنينده'' الرابعة، فقد أثار حزب ''الحرية'' طلبا استهجنه الكثيرون عندما طالب المسلمين الذين يريدون أن يعيشوا في هولندا أن يقطعوا نصف القرآن، كما أنه تعمد إلى إثارة ضجة حول ازدواج الجنسية، وشكك في ولاء الوزراء الجدد المعينين وهم ''نبهات البيرق'' ومغربي وهو احمد أبو طالب الذي تقلد وزارة الدولة للشؤون الاجتماعية، غير أن تأكيد رئيس الوزراء ''بالكنينده'' بعد لقائه الوزيرين أعرب عن قبوله بهما ومؤكدا على أن للوزيرين من التاريخ ما يؤكد ولاءهما لهولندا دون غيرها وتابع·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©