السبت 18 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الشعر اليمني.. لحظة الحداثة

الشعر اليمني.. لحظة الحداثة
24 مارس 2022 00:48

عبد الوهاب العريض

يحفل اليمن بوجود عدد كبير من الشعراء المنفتحين على المدارس الشعرية المختلفة، إذ إن استقبال خطاب الحداثة الشعرية في العالم العربي مليء بالكثير من الرؤى المتقدمة ضمن أساليب الكتابة، وقد برز عدد كبير من الشعراء اليمنيين في مطلع التسعينيات، وهذا الصعود تقارب مع المشهد العربي والخليجي في الكتابة الشعرية، إذ صعدت قصيدة النثر، وأخذت تتنامى بين جيل الشباب في تلك الفترة، وأصبحت حاضرة في جميع المهرجانات العربية والعالمية. والمشهد اليمني الذي غاب خلال العشر سنوات الماضية، بقي حاضراً في ذاكرة الشعراء والكتاب، وهنا نستضيف ثلاثة من أبرز الكتاب والشعراء في اليمن ليتحدثوا عن تجربة التسعينيات الشعرية، وهم: محمد عبدالوهاب الشيباني، ومحمد اللوزي، ومحمد محمد إبراهيم.
في البداية، يقول محمد الشيباني: عند معاينة تجربة التسعينيات الشعرية في اليمن، لابد من قراءتها من زاويتين: الأولى تنطلق من (التركيم) الشعري الجديد الذي أسس له جيل السبعينيات والثمانينيات وهو موضوع تصعب مقاربته هنا لضيق المساحة المتاحة، والثاني من جملة التحولات السياسية الجديدة التي عصفت باليمن والعالم.
فمع مطلع التسعينيات كان اليمن جغرافياً قد دخل منعطفا تاريخياً جديداً باندماج الشطرين في دولة واحدة، وكان للشعراء الشباب مغامراتهم الأكثر جرأة في التماهي مع هذه اللحظة الفارقة، ولهذا صار الحديث عن كسر تابوهات الشكل ويقين السطوة، أهم أدوات هذه المغامرة حتى وهي تعبِّر عن وجودها باضطراب بيّن. وقد وجد هؤلاء الشعراء، في هذا الحدث الكبير، مساحة لمعاينة السؤال الوجودي.. من نحن وماذا نريد؟!، ومع هذا السؤال استطال مفهوم التجييل، الذي تحول في القراءات النقدية الى مجهر معاينة لخصوصية هذا الصوت باندفاعه الحالم وتالياً بارتطاماته الصعبة.

  • محمد اللوزي
    محمد اللوزي

تحول الكتابة
وحده الشعر ظل يستنهض حلماً من ركام السياسة، فالتدفق الشعري في التسعينيات لم يكن فقط في (التطييف) اللوني للأسماء ولا في تعدد مرجعيات هذه التجارب الطرية، وإنما في تحول الكتابة ذاتها إلى هجاء لتحديات الواقع، التي من شدة سيولتها لم تعد تغري في تمثلها الكثير منهم، كما كان الحال عند من سبقوهم من آباء الشعر منذ الثلاثينيات، فمتلازمة المثقف المناضل والشاعر السياسي، التي حكمت حضور أهم الأسماء الشعرية طيلة الفترات السابقة لذلك العقد تلاشت مع هذا الجيل بسبب سقوط اليقينيات الكبرى، وبدلاً عن شاعرة واحدة يتيمة في عقد الثمانينيات، ظهر في التسعينيات العديد من الشواعر اللواتي اخترن الكتابة الشعرية الجديدة للتعبير عن حضورهن في المشهد.
ويضيف الشيباني: غير أن اللافت في التجارب الشعرية لهذا الجيل هي تلك المتجاورات الصعبة لأشكال الكتابة، إذ سيلحظ متفحص الخريطة الشعرية أن شعراء قصيدة النثر حضرواً جنباً إلى جنب مع كتَّاب القصيدة العمودية، الذين لم يبتعدوا بخطوات واسعة عن كتاب العمود من أقرانهم، ومرد ذلك حسب ظني إلى الإرباكات الشديدة في وعي منتجي النصوص، التي ضاعفت من ترددهم في حسم مسألة الشكل، لأن هشاشة الحوامل المعرفية بتمثلاتها القرائية بدرجة رئيسية عند أكثرهم صنعت هذا الاضطراب، ومع صعوبة الفرز لموجات الكتابة داخل هذا الجيل يبقى شعراء قصيدة النثر هم العنوان البارز في هذا المشهد لأن الضوء الذي سلط على أصواته وتعدد منابر التعبير عنهم كان قوياً وكاشفاً، فصار الحديث عن التسعينيين، عند أكثر المتابعين، إحالة قوية إلى كتاب قصيدة النثر دون غيرهم، حتى وهم يشكلون النسبة غير الكبيرة داخل مشهد متنوع يقطره في آن البردوني ودرويش والماغوط والسياب وأدونيس.

فاصلة في مسار الأدب
ويرى محمد اللوزي، أن بروز قصيدة النثر في التسعينيات في اليمن كان فاصلة في مسار الأدب، من حيث الظهور القوي والنوعية التي أنتجت بها قصيدة النثر والتي تميزت بتنوع تقنياتها وتعدد سردياتها من حيث الموضوع أو التأثر، ربما أن المناخ الذي تميز به الجيل الشعري الثمانيني كان متميزاً والذي تجسد في إنتاجهم من حيث توفر مساحة أوسع، إلا أنه لم يكن هناك ملهمون لشعراء قصيدة النثر من الجيل التسعيني على المستوى المحلي وكان تأثرهم أكبر بقصيدة النثر العربية، بل إن النقد اليمني السائد حينها في التسعينيات كان ضد قصيدة النثر وضد الجيل التسعيني.
ويضيف: غير أني أؤكد أن ما ساعد كُتّاب قصيدة النثر في التسعينيات هو كثرة المنابر والصحف التي جاءت إثر تطور سياسي حينذاك، وهو ما ساعد هذا الجيل في نشر نتاجه وتكريس نفسه، إضافة إلى وجود أساتذة أدب عرب كانوا يدرّسون في جامعة صنعاء، والذين نقلوا صوراً مختلفة عن تطور الأدب في بلدانهم مثل العراق وسوريا، مما ساعد على الانفتاح على أشكال شعرية جديدة لم تكن في اليمن.
وقد واجه جيل قصيدة النثر التسعيني ممانعة من رموز وكبار الأدباء المنتمين لأجيال سابقة، والذين حاولوا رفض هذا الشكل الشعري الجديد، غير أن هذا الجيل انتصر على كل الأجيال السابقة واللاحقة.

  • محمد إبراهيم

محمد الشيباني

علامة فارقة
أما محمد إبراهيم، فيقول: المشهد الشعري التسعيني، يُعد محطة استثنائية في مسار الإنتاج الثقافي والأدبي اليمني، وعلى وجه الخصوص في مسار تفاعلات أجيال القصيدة الجديدة (التفعيلة) والأجد (قصيدة النثر)، حيث عرفت هذه المحطة بأسماء توهجت إبداعاً وبرزت في المحافل المحلية والعربية والدولية، سواء الأسماء التي كانت محسوبة على عقود زمنية سابقة أو التي كان عمرها الإبداعي مقروناً بتلك الفترة الزمنية، أو الأسماء التي اقترنت بأشكال شعرية متعددة (عمودية، تفعيلة، نثر)، ولم تلق فرصة للظهور في العقود السابقة، ووجدت في عقد التسعينيات مساحة للاتقاد والحضور وقبول التعايش بين أشكال القصيدة الحديثة.
لقد شكل العقد التسعيني من القرن الماضي حالة نادرة من التفاعل الإبداعي والشعري، وعلامة فارقة ولافتة، في مسار تاريخ القصيدة اليمنية الحديثة، التي تقاطعت وتكاملت مع مشهد القصيدة العربية عامة، والخليجية خاصة، رغم انعدام الكيان المؤسسي الرسمي الداعم والراعي للمشهد الأدبي والشعري في اليمن، ورغم غياب الجائزة المشجعة لأجناس الأدب، وفراغ الساحة اليمنية من النوادي الأدبية المفتوحة على الجمهور الواسع، كما هو حاصل في دول الخليج وبالذات المملكة العربية السعودية والإمارات.
ويشير إبراهيم، موضحاً: قد يعلم الكثيرون من معاصري المشهد الشعري التسعيني، أن الوحدة التي أعلنت بين شطري البلاد في 22 مايو 1990، كانت سبباً محورياً لطفرة التعددية السياسية والثقافية والإبداعية والشعرية، لكن قد لا يتنبه إلا النقاد الباحثون، إلى أن استقرار ظاهرة قصيدة النثر والقبول بها كشكل شعري جديد، كان استتباعاً حتمياً لمسار تحولات القصيدة في اليمن بصفة عامة وانتقالاتها من الشكل الكلاسيكي إلى التفعيلة إلى الحر (المنثور).
فقد جرت تلك التحولات على قاعدة عريضة من وحدة الأدب والفن والثقافة والهوية في ربوع اليمن، بفضل اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الذي تأسس عام 1971، ليشكل مظلة جامعة، احتضنت فعاليات المشهد الشعري، ونجحت إلى حد ما في تصدير نجومه للساحة العربية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©