السبت 11 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

جمال الغيطاني و«المتتاليات الرمضانية»

جمال الغيطاني
24 ابريل 2022 02:33

إيهاب الملاح (القاهرة)

كان الأديب والبحاثة والروائي الراحل جمال الغيطاني (1945-2015) أحد أغزر الكتاب والروائيين المصريين والعرب إنتاجاً خلال العقود السبعة الماضية، وهو ينتمي إلى جيل الستينيات الأدبي الشهير، وقد ترك ما يزيد على 70 كتاباً ما بين الرواية والقصة والدراسة الأدبية والتاريخية والتراثية، وغيرها من النصوص الرائعة التي احتلت مكانة بارزة في مدونة الأدب العربي المعاصر. وكان الغيطاني، قد اشتهر بولعه بالتراث، واستلهامه كتابة ونصوصاً وبرامجَ تلفزيونية، وهو من القلَّة التي كادت تخص رمضان بكتابٍ كامل (ربما فكر في ذلك فعلاً قبل رحيله) فقد كتب الكثير طوال عقود عن رمضان، تاريخاً وتراثاً وشخصيات، وحضوراً فلكلورياً حياً متوهجاً، ورصداً واستلهاماً في عديد من نصوصه الروائية والقصصية.
وقد سجل الغيطاني معظم ما كتبه عن شهر رمضان من ذكريات واستدعاءات وتناولات ودراسات تحت عنوان جامع هو «متتاليات رمضانية» وقد نشر حلقات عديدة منها على صفحات مجلة «العربي» الكويتية، وبعضها على صفحات «أخبار الأدب» التي ترأس تحريرها منذ تأسيسها عام 1991، وأيضاً في يومياته بصحيفة «الأخبار»، وغيرها من الصحف والمجلات العربية.
وبالنسبة للغيطاني، يُعد شهر رمضان من العلامات الفارقة، البارزة، منذ أن وعَى به، وبدلالاته، وبما يرتبط به من مباهج، ولذلك يقول: «بقدر ابتهاجي بقدوم العيد، وما يعنيه ذلك من فرح، وانتظار ملابس جديدة، وانطلاق، بقدر ما يكون شجني لفراق رمضان.. ما زال لشهر رمضان التأثير والقدرة بالرغم من تبدل الأحوال».
ويضيف الغيطاني: «في طفولتي، كنت أنتظر قدوم أول أيامه كما أنتظر حلول ضيف عزيز طيب الإقامة، يصحب معه كل جميل، تصورته بمخيلتي شيخاً مهيباً، كل ما يمت إليه أبيض، وحتى الآن».
ويبدو خيال الروائي هنا وقدرته على التمثيل والتجسيد في أحسن حالاته، فهذا الشيخ الجليل الذي تصور عليه الشهر الكريم «يجيء بعلاماتٍ معينة، منها ثبوت الرؤية، فور الإعلان أن أول أيام الصيام غداً، تبدأ ملامح الواقع في التغير، أول شيء يراودني ذلك الشعور العميق بالاطمئنان، فطبقاً لما يقول أبي فإن العفاريت تحبس في رمضان، وبذلك يمكن لنا نحن الأطفال أن يمتد لعبنا ومرحنا في الحارة إلى ساعة متأخرة من الليل».
ولأن الغيطاني ممن نشأوا في حي الجمالية التاريخي العريق، فلا يفوت أبداً فرصة توصيف وتوثيق مفردات هذا الحي جمالياً وتاريخياً، فيقول «كنا نسكن حارة عتيقة من حارات القاهرة القديمة، درب الطبلاوي، وكانت حارة سد، لا تؤدي إلى حارة أخرى، الغرباء الذين يدخلون إليها معروفون، معظمهم باعة خضر وصحف ولوازم البيوت، وبالرغم من ذلك كان الأهل يطلبون منا العودة قبل الغروب، فالظلام مخيف وثمة عفاريت تظهر بين الحين والحين، كما كانوا يقولون لنا».
ويرصد صاحب «الزيني بركات» ببراعة «باعة الفول الذين يظهرون قبل شروق الشمس، ولكل منهم موقع معلوم، لا بد أنهم أعدوا عدتهم تحسباً لمجيء الشهر الفضيل، كما يبدأ طواف باعة الزبادي، ينادون عليه إذ إنه من لوازم السحور، يحمل كل منهم طاولة خشبية مستديرة فوق رأسه، وتحت إبطه حاملٌ خشبي، يغرزه عند وقوفه، كان الزبادي يباع وقتئذ في أوانٍ صغيرة من الفخار، اسم الآنية «سلطانية»، ما زلتُ أذكر مذاقه، بالتأكيد مختلف عن الزبادي المعبأ الآن بوسائل حديثة، لكنه لا يوفر المذاق القديم الأقرب إلى الطبيعة».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©