الخميس 23 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«حجراتٌ ذات نوافذ».. رحلة سير بقنديل واحد!

«حجراتٌ ذات نوافذ».. رحلة سير بقنديل واحد!
1 يونيو 2023 01:18

نوف الموسى (دبي)

عمد بعض المثقفين والكُتّاب في الإمارات والعالم عموماً إلى إرجاء البحث الثقافي والاجتماعي والكتابة عن الأزمة الصحية المتعلقة بـ«كوفيد 19»، التي أدت لتغير بعض معطيات وتفاصيل الحياة اليومية في عام 2020، مرجحين فكرة المسافة الزمنية لإدراك أثرها في السياقات العامة والخاصة في التجربة الإنسانية، وقد وصف الشاعر والكاتب الإماراتي علي الشّعالي أسبابها في كتابه «حجراتٌ ذاتُ نوافذ»، الصادر حديثاً عن دار اللوهة للنشر قائلاً: «لننشئَ وعياً متخففاً من التأثير المباشر، عسانا نستطيع أن نشكل رؤية أعمق لما مررنا به في عام 2020 وحواليه»، ما جعله يتماهى مع تلك الأيام الطويلة، والوقت المجاني، وفقاً للإجراءات الاحترازية، بحسب تعبيره، ويشرع في كتابة تأملاته حول تلك المرحلة، دونما مسارات محددة في طرح الأفكار، وآراء قاطعة، سارداً ذلك بقوله: «إنما السير مع القارئ في مساحات بعضها مجهول، وبقنديل واحد لكلينا، حيث الرفقة في التفكير مطلوبة لذاتها، والرحلة هي الغاية». 
مقالات تأملية
والمتابع لمسيرة هذه المقالات التأملية، يجد كيف أن الكاتب علي الشّعالي، لا يستطيع الفكاك من حضوره الشاعري في وصف القضايا الثقافية، ما يهدي المتلقي إحساساً دافئاً عبر اللغة، فبعد أن يشير إلى مساحة نقاشية جدلية -إن صح التعبيرـ يعود مجدداً ليرفّه المسامع باستعارات بالغة في الأنس والتطمين، فمثلاً عندما يقارع مسألة الاستهلاك العالي للمعلوماتية، حيث «يبقى الجميع متلهفاً لاستقبال المفاجأة التالية والتي بعدها»، يأتي الشّعالي هامساً في مجمل الأحاديث عن أثر ذلك في تعاظم مرجعية المشاهير كما لو أنهم يعلمون الحقيقة، ويقول: «تنتصر لإنسانيتك -أحياناًـ بقول لا». 
وتبدو في مقالات علي الشّعالي نزعة خاصة في تمازج المشهد الكلي مع المشهد الخاص، بحكم أنه شاعر، ففي القصيدة لا يُمكنك البتة إحداث انفصال لحظي، أنت داخل ديمومة، ولكل حركة في النص دلالة وولادة. ففي مقالة «كوكب الاحتمالات.. ماذا لو؟»، اقترح الكاتب الدخول إلى عوالم الاحتمالات لدقائق، متسائلاً: «هل على الناشر العربي، أن ينتظر غزواً من جيش فضائي متعطش لتعلم لغة جديدة؟»، ووازى ذلك احتمال ثان افترضه الشّعالي هو: ماذا لو شاع في الأرض فيروس بين جموع الدجاج وتسبب في رفع مستوى ذكاءاتها المتنوعة؟ وجميعها تذهب إزاء دافع إحداث اليقظة في عالم صناعة الكتب. وأكاد أتفق مع الشّعالي في أهمية دراسة المشهد الأكبر في أنه دائماً ما يحمل رسالة في منتهى الصغر، لتحريك الركود، والدفع بسريان نهر الخيال نحو الإبداع، وتوسيع خيارات القدرة الخلاقة عبر الاستمتاع بنشوة اللغة، بوصفها مجاز الصوت الروحي وصمت الطبيعة الخالصة. 
ويرتحل علي الشّعالي بنفسه، ككاتب وناشر وشاعر وقارئ بين المقالات، هو مأخوذ بفكرة التحولات في الإبداع السردي داخل المقالات التأملية على رغم عفويتها، فهو كناشر يتكئ أحياناً في حديثه على الأكتاف العريضة للقارئ البطل كما أسماه، من يذهب إلى رحلات الصيد الجريئة في غابات الحبر، ويأتي بجرأة الكاتب في حديثه عن الاستهلاك البشري لموارد الطبيعة المستدامة، وربطها بأنماط الحياة وعادات البشر عبر النصوص المقروءة. 
«الثيمات» المكررة
ويقف علي الشّعالي كقارئ أمام ما أسماه «الكذب النبيل» عندما تفوح من بعض الأعمال الأدبية رائحة فكرة البطل الخارق، تلك التي يراها علي الشّعالي وهماً لا يقبل أن يشتريه، ودغدغة عنيفة للهموم الإنسانية، وفي المقابل أوضح في مقالته «الأرقام والأوكسجين»، كيف هو الترقب والقلق بشأن قدرة الأعمال على تحقيق التباين والتنوع في ظل تشابه التجربة العالمية، موضحاً رؤيته إزاء موضوع الثيمات المكررة الممررة من تفضيلات السوق أو الملمح إليها أحياناً في الإعلام بقوله: «يتعين علينا -نحن المتلقين- كما على المسؤولين والقائمين على المشاريع الثقافية الكبرى ألا نسهم في تشجيع هذا التكرار الممضّ»، وتابع: «أظن أن قارئ اليوم يستحق أن نعينه على كسر الرتابة، وأن نفتح معه النوافذ». 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©