الأحد 12 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«إبرة».. سؤال الجُرح في الوجدان الإنساني

جانب من مسرحية «إبرة» (من المصدر)
24 أكتوبر 2023 01:16

نوف الموسى (دبي)

لعل أكثر ما يُمكن تأمله بشكل رئيس في مسرحية «إبرة» لجمعية دبا للثقافة والفنون والمسرح المقدمة ضمن فعاليات مهرجان دبي لمسرح الشباب في النسخة الرابعة عشرة، كيف بنى المخرج المسرحي إبراهيم القحومي، والمؤلف حمد الظنحاني، العالم الذي يُحيط الجُرح في الوجدان الإنساني، وعندما نقول العالم فإننا نقصد طبيعة المشاعر الإنسانية، والمعتقدات الاجتماعية، والأعراف الموروثة، والمرويات الخبيئة في جعبة الأذهان والأجساد.
وهكذا يتشكل السؤال: هل الجرح يُشكلنا بطريقة ما، أم أننا ندفع بقدرية الحياة نحو افتعال الجرح، الذي لطالما يعيدنا إلى لحظة الألم الأولى في الولادة؟ أليس جرحاً أن تنتزع من كينونة دفء الأمومة، وما جراحك المتتالية سوى رغبة دفينة للعودة إلى تلك الحميمية الخالصة، وربما ما استطاع المخرج إبراهيم القحومي تحقيقه هو تأزيم مفهوم الجرح من خلال سرد حكاية شخص ذهب لزيارة صديقه بالمستشفى ليدعو له بالشفاء العاجل، وإذا به يرى بنفسه ملقياً على سرير في غرفة الجراحة الطبية، وقد تم تخديره موضوعياً، من قبل الطاقم الطبي، فلا يدري أهو هنا في واقع الحياة اليومية، أم أنه في متاهات الوهم الممتدة بين الوعي واللاوعي، محاولاً النفاذ من المشرط، من الشق العميق في الروح قبل الجسد، إذ سمعهم يتحدثون أن هناك «دودة زائدة» عليهم إزالتها، بينما هو يعلم تماماً، أن في جعبته خوفاً منيعاً، لم يستطع مجابهته، وما الخطأ الطبي، إلا قدرية الحياة في أن تجعله يرى أعماقه لأول مرة!

استلهامات عابرة
«لا تنتظر أحداً يخيط جرحك»، هذه العبارة قد تكون أحد الاستلهامات العابرة التي يجدها المتلقي، إبان حديث شخصية «الممرض» التي قدمها الممثل خليفة ناصر، وشخصية «المتدربة» في مجال التمريض، وقدمتها الممثلة جودي النبهان، حيث وجه المريض، قدم الشخصية الممثل أيمن الخديم، تعبيراً حاداً للمتدربة بقوله إنه مسموحٌ لها أن تتعاطف، لا أن تتأثر، وفي اعتقادي أنها جملةٌ رصينة تحمل أبعاداً جوهرية في كيفية بناء التجربة الشعورية لدى الإنسان، فالعاطفة مسألة دقيقة جداً، ومتى ما فقدت اتزانها فإنها تسحب الإنسان إلى مستويات من الألم تصعب العودة منها. وفي المقابل فإن اعتراف الممرض بفقدانه لحس القرار، نتيجة طفولة صعبة عاشها مع والديه، يعكس غياب المسؤولية ومآلاته في التفاعل الإنساني اليومي. ولنا أن نتخيل أن الشخصيتين «الممرض» و«المتدربة» هما من يتوليان المشاركة في تنفيذ العملية الجراحية، وبالتالي فإن أبعاد تلك الشخصيات تعبر بالضرورة مجازياً عن المكنون الداخلي للمريض «صاحب الجرح» يوازيها حضور شخصية «الدكتور»، وقدمها الممثل عادل سبيت، ممثلةً خبرة الجيل السابق ومتانة السمعة والمكانة الاجتماعية والثوابت، الذي ربما بان عجزه التام أمام صراع الفريق الطبي في غرفة العمليات، فكيف يصحح خطأ طبياً قد يخسره سنوات طويلة من التقدير والاحتفاء، وإذا به يُحدث فتحة بمثابة جرح في جسد المريض بعيداً عن «الدودة الزائدة» ليجد بحسب تعبيره ورماً مؤذياً يستدعي الاستئصال، ومنه تشعبت الحكاية، ووقع الجميع في ورطة محاولة الإنقاذ، تلك التي رفضها المريض الذي وضع على السرير بالخطأ راجياً من الفريق الطبي أنهم إذا ما ضمدوا (خاطوا) الجرح، فلن يخبر أحداً بما حدث! 

إسقاطات مذهلة
واللافت كيف أن الحضور في الندوة التطبيقية المصاحبة للعرض المسرحي، أشاد بتصميم الإضاءة التي أبدعها المصمم راشد عبدالله راشد، ما جعلها أنيقة فعلياً عبر إسقاطات مذهلة على خشبة المسرح، فقد تماهت وبشكل استثنائي، مع تقنية الإيهام التي استخدمها المخرج إبراهيم القحومي في مسرحية «إبرة»، من خلال الارتكاز على أداء الممثلين: حيث ينتبه المشاهد على يد الممرض وهو يفتح الباب، ولا وجود للباب فعلياً، وقد تبحث المتدربة بين الملفات الطبية من دون وجود مادي لها. وبالنسبة للمتابع العام فإنها من بين التقنيات المسرحية الأكثر تحفيزاً للمخيلة الإنسانية، وخاصة أن الحضور في هذه اللحظة يشارك في بناء العرض، من خلال تصوراته الذاتية، وفي اعتقادي أنها ممارسة إبداعية أتقنها الممثلون، وأسهمت في إضفاء تكاملية بين العرض المسرحي والجمهور.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©