الإثنين 13 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«الغبار».. صائد الميكروبات

«الغبار».. صائد الميكروبات
25 سبتمبر 2021 00:15

أحمد مراد (القاهرة)

من منّا لم يتأذَ من سوء الأحوال الجوية التي يصاحبها موجات من الغبار والأتربة، والتي عادة ما تتكرر عدة مرات في السنة الواحدة، ولكن هل تخيلت يوماً أن لموجات الغبار هذه بعض الفوائد التي تعود بالنفع على الإنسان والبيئة المحيطة به؟!
والغبار مسحوق جاف وناعم، ويتكون من جزيئات التربة الموجودة في الغلاف الجوي، والتي رُفعت وتحركت بفعل عوامل الطقس، مثل الرياح أو الانفجارات البركانية، أو تلوث الهواء، ما يؤدي إلى انتشاره في البيئات البشرية المختلفة، ويعلق بكل الأجسام التي تقابله، مثل فرو الحيوانات، وألياف النسيج، والألياف الورقية، والجهاز التنفسي عند الإنسان. وأهم ما يميز الغبار أنه ثقيل بما فيه الكفاية لرؤيته، وخفيف بما يكفي لتحمله الرياح، فعندما يكون الجو عاصفاً يمكن رؤية جزيئات الغبار تتحرك في الجو، وتُسمى الكميات الكبيرة من الغبار التي تحملها الرياح القوية عبر الغلاف الجوي بـ«العواصف الرملية» التي تحدث في الغالب في المناطق الجافة المفتوحة. وتتواجد ذرات الغبار في عدة أشكال وأحجام، فمنها بسيط يتكوّن من مركب واحد، وبعضها الآخر معقد يتكون من عدة مركبات.

معادن وبكتيريا ونيزك
يحتوي الغبار الموجود في البيئات البشرية المختلفة كالمنازل، والمكاتب، والمصانع، على كميات صغيرة من حبوب اللقاح النباتية، والشعر البشري والحيواني، والمعادن من التربة الخارجية، وخلايا الجلد البشرية، وجزيئات النيزك المحترق، والعديد من المواد الأخرى التي قد توجد في البيئات البشرية. وفي بعض الأحيان، يتكوّن الغبار من البكتيريا، والدخان، والرماد، وبلورات الملح القادمة من المحيط، وقطع صغيرة من الصخور، وحبات الرمال.

وجه آخر لـ «الاحتباس الحراري»
يعمل الغبار المحمول في الهواء بطريقة مشابهة لتأثير الاحتباس الحراري، فهو يمتص ويشتت الإشعاع الشمسي الذي يدخل الغلاف الجوي، ويقلل من الكمية التي تصل إلى سطح الأرض، ويمتص أيضاً إشعاع الموجات الطويلة المرتد عن السطح، ويشتتها في جميع الاتجاهات، وتعتمد قدرة جزيئات الغبار على امتصاص الإشعاع الشمسي على حجم الجزيئات وشكلها وتركيبها المعدني والكيميائي، وكذلك على التوزيع الرأسي للغبار في الهواء، وخصائص السطح السفلي.

نواة للسحب الدافئة والباردة
تشكل جزيئات الغبار نواة تكثيف لتكوين السحب الدافئة، ونواة لتكون الجليد في السحب الباردة، وتعتمد قدرة جزيئات الغبار في هذا الشأن على حجمها وشكلها وتكوينها، التي تعتمد بدورها على طبيعة التربة الأصلية التي جاءت منها جزيئات الغبار، وعمليات النقل.
ويؤدي التعديل في تركيب السحب وما تحتويه من جزيئات إلى تغيير قدرتها على امتصاص الإشعاع الشمسي، مما يؤثر بشكل غير مباشر على الطاقة التي تصل إلى سطح الأرض، وبسبب تأثير جزيئات الغبار أيضاً على نمو القطرات السحابية وبلورات الجليد، تتأثر كمية الأمطار وموقع الهطول.

عواصف رملية وغبارية
هناك فارق بين العواصف الرملية والعواصف الغبارية، فمصطلح العاصفة الرملية يشير إلى العواصف الرملية الصحراوية، خاصة في الصحراء الكبرى وصحراء الجزيرة العربية، أو الأماكن التي تكون فيها التربة الرملية هي السائدة، بحيث تحمل الرياح كميات كبيرة من الجزيئات الرملية التي تتطاير بالقرب من السطح، بالإضافة إلى الجسيمات الدقيقة العالقة في الهواء والتي تحجب الرؤية.

وتتشكل العواصف الرملية نتيجة عدة عوامل أبرزها غياب الغطاء النباتي والجفاف، حيث تعمل الرياح السطحية القوية على إثارة الرمال وحملها إلى الغلاف الجوي، وقد يبقى الغبار الجوي عالقاً في الهواء لعدة أيام، وذلك اعتماداً على ظروف الطقس السائدة.
أما مصطلح العاصفة الغبارية، فيستخدم عندما تتطاير الجسيمات الدقيقة، وتنتشر لمسافات طويلة، وتؤثر على المناطق الحضرية.

17 مليون طن غبار
كشفت إحدى الدراسات الحديثة عن احتواء الغلاف الجوي للأرض على 4 أضعاف من الغبار أكثر مما كان يعتقد العلماء، موضحة أن الغلاف الجوي لكوكب الأرض يحتوي على نحو 17 مليون طن من الغبار الخشن، ما يمثل أربعة أضعاف ما هو موجود في النماذج المناخية الحالية.
وأوضح العلماء أن زيادة الغبار المتصاعد إلى الغلاف الجوي، وسقوط مزيد منه في المحيط، يمكن أن يؤدي إلى تغيّرات كبيرة في السحب والأمطار والمناخ.

ضار بالصحة
يتسبب الغبار في أضرار صحية كثيرة باعتباره أحد ملوثات الهواء المؤثرة على البيئة، حيث يحتوي على الكثير من السموم والمعادن الثقيلة التي من الممكن أن تسبب للأطفال التسمم، والإصابة بالطفيليات والأمراض المعدية، كما تتسبب جزيئات الغبار صغيرة الحجم بأمراض الجهاز التنفسي، مثل الربو، والسعال، والعطس، وتهيج العينين، ويتسبب استنشاقه على المدى البعيد بالتهاب القصبات الهوائية وأمراض القلب والرئتين.
وتشير بعض الدراسات إلى أن 40% من الناس يعانون  الحساسية تجاه الغبار، وفي أسوأ الحالات يمكن أن تتسبب الحساسية في تطور مرض الربو القصبي الذي يتسبب في موت 5000 شخص سنوياً في أميركا.

حائط صد أمام الإشعاعات
رغم تعدد الأضرار الصحية الناتجة عن الغبار، إلا أن له فوائد عديدة للإنسان والبيئة، حيث إنه يمنع وصول الإشعاعات الضارة، ويقتل الميكروبات والغازات السامة في الهواء، ويحد من تبخر الماء في النباتات، ويقلل درجة الحرارة، ويزيد من استقرار الغلاف الجوي، وتتمثل فوائده على النحو التالي:
- يعمل الغبار على إزالة أطنان من الغازات السامة والعوادم من الجو، حيث يجدد الهواء. ووفقاً للباحثين، يتحول الغبار الناتج من الأمطار إلى سماد للأرض، ويعمل على نقل حبيبات اللقاح من العناصر الذكرية للزهرة إلى العناصر الأنثوية فيها حتى تتمّ عملية التلقيح وتكوين البذور.
- بحسب ما انتهت إليه بعض الدراسات العلمية، يساعد الغبار على تحسين مناعة الأطفال، حيث يعزز لديهم المناعة ضد أمراض الحساسية والربو، ويساهم في زيادة قدرتهم على مقاومة البكتيريا الضارة.
- يعمل الغبار على إمداد أسطح البحار والمحيطات بالعناصر المهمة كالسيلكون والنحاس، والزنك، والفسفور والحديد، وهي عناصر مهمة لتكاثر وتغذية الكائنات الدقيقة النباتية البحرية.

مقاوم للأعاصير 
تعمل العواصف الغبارية الجافة على امتصاص الرطوبة وتغير الرياح، مما يضعف الأعاصير الصغيرة قبل أن تكبر، مثلما يحدث في شأن العواصف الرملية والغبارية في الصحراء الكبرى التي تؤثر على نشاط الأعاصير في المحيط الأطلسي، حيث يمنع الغبار الصحراوي، والمعروف باسم «طبقة الهواء الصحراوية»، النشاط الاستوائي في المحيط الأطلسي.
وطبقة الهواء الصحراوية عبارة عن هواء دافئ وجاف ومغبر قادم من الصحراء الكبرى في أفريقيا، وتتحرك موجات الغبار هذه قبالة الساحل الغربي لأفريقيا، خاصة خلال أشهر الصيف، وتنتقل مع الرياح الشرقية السائدة إلى أميركا الشمالية، والأعاصير تحتاج إلى رطوبة استوائية عميقة حتى تتكون، وتحصل على طاقتها من دفء مياه المحيط، وكلما زادت درجة حرارة الماء، زادت الطاقة المتاحة، وزادت فرصة تكوين الإعصار.
ولكن العواصف الرملية والغبار تمتص بعض ضوء الشمس، وتعكس بعضاً منه، وتسمح فقط لجزء من أشعة الشمس بالمرور إلى سطح المحيط، وهذا يؤدي إلى بقاء سطح الماء والهواء فوقه بارداً تحت طبقة الغبار الدافئة، مما يعمل على استقرار الغلاف الجوي ويمنع تكون الأعاصير.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©