رغم أن الأمن القومي يحمل أبعاداً متعددة، سياسية واقتصادية واجتماعية وغذائية وعسكرية وأيديولوجية وجغرافية، إلا أنه يُعرف بقدرة الدولة على حماية سلامة أراضيها واستمرار الحاجات الأساسية والمصالح الحيوية، وصون القيم وتماسك الشعب في ظل التفاعلات والتهديدات الخارجية والداخلية. وفي حالة الولايات المتحدة الأميركية كقوة عظمى عالمية يمكن تحديد ورسم أهداف وملامح الأمن القومي على أربعة مستويات، المستوى المحلي، والإقليمي، والدولي، وأخيراً العالمي.
يحتل الأمن القومي الأميركي على المستوى الداخلي أولوية في الفترة المعاصرة، ففي خطاب تنصيب الرئيس السادس والأربعين جو بايدن، وعد بهزيمة نزعة تفوق العرق الأبيض والإرهاب المحلي، وفي مسألة الإرهاب المحلي يبدو الأمر ليس مقتصراً على اليمين المتطرف، بل أي حركة متطرفة كاليسارية. ومن التحديات على المستوى الداخلي أيضاً مواجهة تفشي جائحة كورونا وتحسين الخدمات الصحية وارتفاع البطالة. ففي سياسات كبح جماح اليمين الأبيض المتطرف، لدى بايدن مشروع تسهيل الهجرة إلى الولايات المتحدة مع وضع مسار قانوني واضح ومرن للإقامة الدائمة والحصول على الجنسية الأميركية، كما تقوم إدارة بايدن بإجراءات وضع صورة شخصية «هارييت تابمان» الأفريقية الأميركية على ورقة عملة الدولار فئة العشرين، لتذكير الشعب بالتاريخ والتنوع العرقي والثقافي والحرية والمساواة.
تسهيلات بايدن في الهجرة والجنسية ستقود إلى إضعاف العرق الأبيض البروتستانتي لكون معظم المهاجرين من أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا وأوروبا الشرقية والشرق الأوسط. قطعاً، الكل سيدخل في أُطر اجتماعية محددة مثل الجماعة اللاتينية والسود وغيرهم من الملونين، ولكن الذي يخفف الانقسام هو انتماؤهم للأحزاب الرئيسية «كالحزبين الديمقراطي والجمهوري»، إلى جانب الانتماء إلى ولاية معينة ناهيك عن دور اللغة الواحدة في حالة الأمة. 
ستحدث مع تسهيلات بايدن في الهجرة والجنسية زيادة شعبية الحزب «الديمقراطي»، مع بروز متزايد للدين في الولايات المتحدة على عكس الذين يتوقعون زيادة حضور العلمانية، ويرجع ذلك إلى أن المهاجرين سيكونون في الغالبية فقراء، وبطبيعة الحال، سيميلون إلى التوجه اليساري بينما سيميل البعض منهم إلى الدين. ثمة خطأ شائع بأن الحزب «الديمقراطي» علماني محض، إذ إن هناك حضوراً محدوداً للدين في التوجه الليبرالي في الحزب، مثال ذلك استخدم ليبرمان نائب آل غور البعد الديني بشكل كبير في المنافسة على الانتخابات أمام الحزب «الجمهوري»، والمرشح جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني. وعلاوة على ذلك، هناك قاعدة تحدث دائماً بين الحزبين الرئيسين «الجمهوري والديمقراطي»، حيث يصوت بعض «الديمقراطيين» في مسائل محافظة، والعكس صحيح، يُصوت بعض «الجمهوريين» لصالح مسائل ليبرالية عدة. إذن تحول الولايات المتحدة إلى دولة علمانية محضة ليس مرتبطاً بواقع المنظومة الاجتماعية، ولا بالقاعدة الحزبية والقانونية.
صحيح أن تسهيل الهجرة ومرونة الحصول على الإقامة الدائمة والجنسية الأميركية قد يقود إلى المزيد من التطرف لدى العرق الأبيض. ولإبعاد هذه السيناريو، لا بد من تبديد مخاوف أبناء العِرق الأبيض وحل قضاياهم من بطالة وفقر وتهميش قطاعاتهم كالزراعة والأعمال المتوسطة وضمان حفظ نمط عيشهم. وعلى الوجه الآخر، تحديات تماسك الأمة الأميركية ستكون محلاً لإعادة سياسات الحزب «الجمهوري» نحو جذب المزيد من غير البيض إلى صفوف الحزب «الجمهوري»، وفتح مسار لليبرالية شبه المحافظة في الحزب.