نقدم هنا أهم سمات الأمن القومي الأميركي على المستوى الإقليمي والدولي والعالمي، بعدما عرضنا أهم التحديات على المستوى المحلي في المقالة السابقة. 
فعلى المستوى الإقليمي والدولي، تبرز دائماً في الجوار الجغرافي للولايات المتحدة الهجرة غير الشرعية، وتهريب المخدرات كقضايا تهدد الأمن الأميركي، ولكن عندما نتحدث عن الجوار الجغرافي تتبادر إلى أذهاننا أميركا اللاتينية و«مبدأ مونرو» مع تطوراته، التي تبرر التدخلات الأميركية فيها من منطلق الأمن الأميركي. لا شك أن استقرار ونمو دول أميركا اللاتينية والجوار الجغرافي للولايات المتحدة، يمثل عاملاً لتوفر الأسواق والتبادل التجاري واستيراد السلع الأساسية، ولكن لا يمكن أن تقبل الولايات المتحدة بتحول دولة في محيطها الجغرافي إلى دولة كبرى منافسة، كما أن واشنطن تكبح دائماً توغل النفوذ الروسي والصيني في هذا الجوار.
وتهدف واشنطن للحفاظ على ريادتها الدولية، من خلال إمكانية إعادة توزيع القوى لصالحها مع الاتحاد الأوروبي للحد من تعاظم صعود الاقتصاديات في آسيا وخاصةً الصين، لذا من الأهمية بمكان بقاء الاتحاد الأوروبي متماسكاً وقوياً، فواشنطن باتت تخشى وصول فاشيين إلى السلطة في أوروبا، الأمر الذي سيضعف من تكتلها الاقتصادي والأمني، وسيشعل شرارة العرقيات والقوميات في القارة الأوروبية. ومقابل ذلك، من مصلحة واشنطن أن تكون روسيا دولة قوية، وفي الوقت نفسه، ألا تكون ندّاً للهيمنة الأميركية، حتى لا تحدث فوضى داخلية تتسع إلى أوروبا في بلد يمتلك قدرات هائلة من الأسلحة النووية.
ونكتشف بأن قدرة الولايات المتحدة على المساهمة في حفظ أمن أقاليم عدة في العالم من أوروبا والشرق الأوسط وحتى آسيا، يمثل عاملاً رئيسياً في تدفق التجارة الدولية وعبور الطاقة مع القدرة على تقييد الدول المتمردة المزعزعة للأمن والسلام الدوليين. وتتيح واشنطن مجالاً للمشاركة الإقليمية في أهدافها. ولعل الشرق الأوسط مُقبل على تكتل إقليمي يحفظ استقرار المنطقة ومصالحه المتداخلة مع المصالح الأميركية، خصوصاً بعد الاتفاق الإبراهيمي، كما أن إدارة «بايدن»، ستسعى من جديد لحل الدولتين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ربما تخلت «واشنطن» عن أفكار بعض المستشرقين المشوهة في سياساتها نحو إعادة تشكيل خريطة الدول في الشرق الأوسط عبر العرقيات والقوميات. ومقياس ذلك أن تعمل «واشنطن» على تعزيز سيادة الدول في المنطقة ضد الحركات والسياسات والأفكار العابرة للحدود المنتهكة لسيادة واستقرار الدول. 
بالفعل، ستمثل الديمقراطية والبعد الإنساني، لا سيما في النزاعات والحروب، محدِّداً إلى حد ما في السياسة الأميركية الدولية، ومن هذا المنطلق، سنشهد دعماً لمطالب الأقليات والقوميات الاثنية في بعض الدول. والمثالية تتبدد أمام الواقعية والبراجماتية في حالات عديدة، فضمان وصول الولايات المتحدة إلى مخزونات الموارد الطبيعية يحتل أولية في الأمن الأميركي. 
وأخيراً على المستوى العالمي، ستحافظ الولايات المتحدة على تفرد قدراتها العسكرية العالمية، مع الدور الريادي في قيادة المنظومة الرأسمالية العالمية، كما ستتحدد سياساتها الدولية عبر الاتفاقيات الدولية وانتشار الديمقراطية والحد من انتشار الأسلحة النووية، ودعم الحلفاء التقليديين، والمساهمة الكبيرة في حفظ الأمن والسلام الدوليين. ومن الأدوار العالمية التي تشق الولايات المتحدة الطريق نحوها تنوع مصادر الطاقة الصديقة للبيئة.