تتجه العلاقات التركية- الإسرائيلية في مستواها السياسي إلى مرحلة جديدة لن يكون عنوانها فقط زيارة الرئيس الإسرائيلي اسحق هرتسوج لتركيا في 9 مارس المقبل بل ستمتد إلى مجالات أخرى، وهو ما يؤكد على المقاربة الجديدة بالنسبة للجانبين.

فبالنسبة للجانب التركي، فإن الهدف الرئيس للحكومة الحالية تصفير المشكلات، والانتقال من الصدامات إلى التوافقات، وبناء علاقات أكثر رسوخاً وأولوية مع إسرائيل، وإن ظلت بعض التباينات في بعض الرؤى السياسية، والتي ستحتاج إلى بعض الوقت لحلها والتوافق بشأنها، وهو ما يجري في الوقت الراهن، الأمر الذي يدفع إلى بناء شراكات اقتصادية، ومصلحية خاصة مع المشكلات التي تواجه الاقتصاد التركي، وتأثر الليرة بالسياسات التي تم تبنيها خلال الأشهر الأخيرة، ونجحت الحكومة التركية في مواجهتها إضافة لحرص الرئيس اردوجان على أن يعيد بناء شعبيته وقاعدته الجماهيرية مع قرب إجراء الانتخابات التركية، وهو أمر مهم بالنسبة للرئيس أردوغان، ولدائرة النفوذ في حزب العدالة والتنمية.

 الجانب التركي يرى أن استمرار وتنمية العلاقات مع إسرائيل سيطور منظومة التعاون العسكري والاقتصادي، والواقع أن هذا المجال لم يتأثر – من واقع الأرقام والمؤشرات المعلنة – بأي تطوير سلبي في مسارات العلاقات بين أنقرة وتل أبيب حتى بعد أحداث الباخرة مرمرة، أو الكشف عن بعض أحداث التجسس حيث ظلت العلاقات في مجالها الأمني والاستخباراتي العسكري قوية، وهو ما يؤكد على أن الجانب التركي في مجمل حركته يركز على أن المصالح الثنائية وهي تعلو على أي صدامات بسبب ملف حركة «حماس»، إذ ظل الخطاب السياسي التركي عاماً، كما ظل الرد الإسرائيلي في سياقه غير تصادمي خاصة أن التقييم العام الإسرائيلي للسياسة التركية ظل في إطاره المحدد بالتأكيد على أن مساحات التفاهم والتقارب أكبر من أي مساحات للتجاذب وهو ما برز بالفعل في مرحلة ما بعد تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين وتبادل السفراء.

وبالنسبة للجانب الإسرائيلي، فإن الانفتاح على تركيا يحمل أهمية سياسية واستراتيجية مهمة متعلقة بالدور المحوري التي تلعبه تركيا في الإقليم بصرف النظر عن هذا الدور التدخلي، والذي يمكن أن يتشابك مع الطرح الإسرائيلي خاصة مع انفتاح إسرائيل على دول الإقليم، والعمل على بناء رؤية جديدة قوامها المصالح المشتركة، وهي معادلة مهمة ستحكم الحضور الإسرائيلي في المنطقة الأمر الذي يتطلب التعامل مع تركيا وفق معادلة مهمة أساسها أن تركيا تتحرك في مناطق تماس في سوريا والعراق والخليج العربي ومصر وصولاً إلى المنطقة المغاربية، الأمر الذي يؤكد على ضرورة تخفيض مستوي الصراع السياسي مع أنقرة حيث تشير تقييمات أجهزة المعلومات الإسرائيلية إلى ضرورة العمل مع التطورات الجارية في الإقليم بواقعية، ووفق استراتيجية الحسم، والانتقال من رصد التحولات، والمتغيرات إلى الانطلاق إلى مرحلة من التعاملات الحقيقية البناءة.

وتركز حكومة «بينيت» على ضرورة تطوير منظومات التعاون مع تركيا ومصر والإمارات والأردن، وهو ما سيعطي للسياسة الإسرائيلية زخماً حقيقياً وفاعلاً، خاصة أن إسرائيل باتت تُنسق في إطار دفاعها على مصالحها في الإقليم بالعمل معاً، وبناء استراتيجية تفاعلىة مهمة يمكن لإسرائيل الانطلاق منها إلى التنسيق في مجالات الدعم الاستراتيجي، وهو ما يتضح في الوقت الراهن عبر مشاركات في الدفاع عن أمن الإقليم بل، وفي مناطق الصراعات المحتملة سواء في شرق المتوسط، أو في البحر الأحمر إضافة لمنطقة الخليج العربي، وفي ظل التهديدات التي تمثلها إيران في الإقليم، وهو أمر ممتد حتى في ظل التوقع بحدوث تطورات مصلحية يمكن أن تكون مدخلاً إلى ما هو قادم من تطورات تجري في الشرق الأوسط.

وترى إسرائيل أن التعامل مع تركيا سيمتد إلى ملفات أخرى منها ما هو عاجل، ومنها ما هو ممتد وفي ظل بأن المستوى الأمني والاستراتيجي والعسكري التي وصلت إليه العلاقات مع الجانب التركي سيكون له تأثيره المهم على السلوك التركي في الفترة المقبلة بصرف النظر عن استمرار الدعم التركي في المجال السياسي للسلطة الفلسطينية، أو لحركة «حماس»، فهذا الأمر يُفهم في إطاره وفي منظومة ما سيجري من تطورات في مستوى العلاقات السياسية، والتي ستخدم البلدين، وفي ظل ما يجري من تحولات حقيقية في بنية النظام الشرق أوسطي الراهن، وهو ما سيدفع الحكومة الإسرائيلية لاستكمال تنفيذ اتفاق الشراكة بين رئيس الوزراء نفتالي بينت، مما يعيد تقديم نفسها للجمهور الإسرائيلي.

من مصلحة الحكومة الإسرائيلية تحقيق نجاحات وإنجازات حقيقية مع تركيا والأردن ومصر ودولة الإمارات العربية والبحرين وبناء مصالح مستمرة وممتدة. وبالتالي فإن أي مقاربة تركية إسرائيلية سيكون عنوانها في الفترة المقبلة معا لبناء مصالح ممتدة على قاعدة راسخة من التربيطات والحسابات النفعية.

* أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية والعلوم السياسية.