أثارت التوترات بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا المجاورة، والظهور المفاجئ لجماعة متمردة كان يُخشى منها ذات يوم في شرق الكونغو، مخاوفَ من تجدد صراع واسع النطاق في منطقة البحيرات العظمى المضطربة.

فقد اندلعت التوترات الأسبوع الماضي بعد أن هاجم متمردو (حركة 23 مارس) القوات الكونغولية بالقرب من جوما، أكبر مدينة في شرق الكونغو الغني بالمعادن والمتاخمة لرواندا وأوغندا وبوروندي وتنزانيا

 وتكافح الأمم المتحدة والقوات الكونغولية منذ فترة طويلة لاحتواء العنف في الشرق تقوده عشرات الجماعات المسلحة وتعقده الخصومات القومية والعرقية. وقالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يوم الجمعة الماضي إن أكثر من 72 ألف شخص نزحوا بسبب القتال في إقليم «شمال كيفو». وفي يوم الجمعة، استدعى رئيس الكونغو، فيليكس تشيسكيدي، سفير رواندا، وعلق رحلات الخطوط الجوية الرواندية ومنع تحليق شركة الطيران الوطنية، وألقى باللوم على كيجالي في دعم (حركة 23 مارس).

ومن جانبها، نفت رواندا دعمها لميليشيا التوتسي العرقية، التي اتهمتها الأمم المتحدة بتنفيذ عمليات إعدام بإجراءات موجزة واغتصاب واستخدام جنود أطفال خلال تمرد وحشي قبل قرابة عقدين من الزمان. لكن الجماعة ظلت هادئة في الغالب منذ إلقاء سلاحها عام 2013. وقال مسؤول حكومي أميركي سابق يركز على أفريقيا، ولديه معرفة مباشرة بالمحادثات الإقليمية: «من المحتمل أننا نشهد تعثراً في صراع لم يكن المقصود منه أن يكون صراعاً».

جاءت هجمات (حركة 23 مارس) بعدما أعلنت رواندا أن اثنين من جنودها محتجزان شرق الكونغو من قبل ما يسمى بـ «القوات الديمقراطية لتحرير رواندا»، وهي ميليشيا منافسة أسسها الهوتو الروانديون الذين شاركوا في أعمال وحشية منافية لحقوق الإنسان ضد التوتسي. وجاء في بيان صادر عن الحكومة الرواندية يوم السبت: «ندعو سلطات جمهورية الكونغو الديمقراطية التي تعمل عن كثب مع هذه الجماعات المسلحة التي تمارس الإبادة الجماعية لتأمين إطلاق سراح جنود قوات الدفاع الرواندية».

وأكد وزير خارجية رواندا، «فينسينت بيروتا»، للصحفيين يوم الثلاثاء الماضي إن كيجالي مهتمة بالعمل مع الكونغو لاستعادة الاستقرار، لكنه حذر من أنها ستستخدم القوة إذا لزم الأمر. ونقلت رويترز عن بيروتا قوله «إذا استمرت الهجمات فلن نقف مكتوفي الأيدي». سيكون لرواندا الحق في الرد لحماية أمن البلاد وحماية أمن مواطنيها ولدينا الوسائل للقيام بذلك.

من جانبه، أعرب الرئيس السنغالي، «ماكي سال»، الذي يترأس الاتحاد الأفريقي، عن قلقه من تصاعد العنف. وكتب على تويتر يوم الأحد الماضي: «أدعو إلى الهدوء والحوار بين البلدين والحل السلمي للأزمة بدعم من الآليات الإقليمية والاتحاد الأفريقي». وكانت العلاقات قد تحسنت بين الدول المجاورة في منطقة البحيرات العظمى في السنوات الأخيرة. واقترحت كينيا تشكيل قوة تدخل من شرق أفريقيا للتعامل مع نشاط الميليشيات، وانضمت الكونغو إلى الكتلة التجارية لمجموعة شرق أفريقيا في مارس الماضي. لكن الهدوء الهش في المنطقة تعرض لاختبار في أواخر العام الماضي، بعد أن سمح رئيس الكونغو، «تشيسكيدي»، للقوات الأوغندية بدخول شرق الكونغو لمواجهة جماعة إسلامية متمردة يُلقى عليها باللوم في تفجير مميت وقع في كمبالا.

وفي الشهر التالي، عَبَرَ الجنود البورونديون الحدود إلى شرق الكونغو لمحاربة جماعة «ريد- تابارا» المتمردة، التي استخدمت المنطقة كقاعدة لشن هجمات داخل بوروندي. كما حذرت رواندا من أنها سترسل جنوداً إلى المنطقة، وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن «مجموعة الأزمات الدولية».

وقالت نيليكي فان دي والي، مديرة مجموعة الأزمات الدولية لمنطقة «البحيرات العظمى»، إن التوترات بين الكونغو ورواندا اندلعت مرة أخرى بعد أن بدا أن كينشاسا كانت تقترب أكثر من أوغندا وبوروندي. وأضافت أن «رواندا لديها أيضاً جماعات متمردة مناهضة لكيجالي على الأراضي الكونغولية، وقد ذكرت رواندا في الماضي أنها تريد محاربة تلك الجماعات أيضاً. والأمر الذي قد يمثل تحدياً هو أن تتدخل رواندا على الجبهة العسكرية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية».

وأوضحت فان دي والي أن رواندا وأوغندا لا تهتمان فقط بالتصدي للميليشيات في شرق الكونغو، لكنهما أيضاً حريصتان على الاستفادة من الثروة المعدنية الهائلة في المنطقة. وقالت إن «حقيقة أن تشيسكيدي سمح للأوغنديين بالدخول إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية ليس فقط لإجراء عمليات عسكرية، ولكن أيضاً للقيام بإنشاء الطرق لتحسين التجارة بين شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا، تضيف أيضاً إلى هذا المزيج».

في الوقت الذي تقاتل فيه القوى الأكبر للسيطرة على شرق الكونغو على مدى عقود، يتحمل المدنيون الثمن الأكبر، حيث يفرون في كثير من الأحيان إلى رواندا وأوغندا ويقيمون في مخيمات اللاجئين لسنوات. وحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن العائلات كانت قد بدأت للتو في العودة إلى أراضيها قبل القتال الأخير في شمال كيفو. والآن، فإنهم يضطرون مرة أخرى إلى ترك منازلهم ومتاجرهم وحقولهم التي يعتمد عليها الكثيرون منهم في الحصول على الغذاء منها. وأضافت الوكالة: «لقد أصبحت دائرة العنف والنزوح هذه مصدراً متكرراً لليأس والخطر». وقد أطلع مبعوث الأمم المتحدة الخاص لمنطقة البحيرات العظمى، هوانج شيا، مجلس الأمن في وقت متأخر من يوم الثلاثاء على الوضع في شرق الكونغو، ومن المتوقع وصوله إلى رواندا في وقت لاحق من هذا الأسبوع.

ليسلي روتون*

تكتب عن الشؤون الأفريقية لصحيفة «واشنطن بوست».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوسنت وبلومبيرج نيوز سيرفس»