بالتوازي مع نمو الاقتصاد الهندي، تسعى الهند إلى تقوية عملتها الوطنية «الروبية»، من خلال وسائل تشمل إقامة تجارة مع دول أخرى عبر حسابات بالروبية، وإطلاق روبية رقمية بهدف تسهيل إجراءات الدفع المالي عبر الحدود. وفي هذا الإطار، وافقت سريلانكا مؤخراً على استخدام الروبية الهندية في التجارة الخارجية بعد إعلان الحكومة الهندية سعيها لضم بلدان تسجّل نقصاً في الدولارات إلى استحداث آلية لتسوية التجارة بالروبية الهندية. ويأتي ذلك بعد أن أنشأ «بنك الاحتياط الهندي» (البنك الهندي المركزي) آليةً لتسهيل التجارة بالروبية. ووفقاً لخطة «بنك الاحتياطي الهندي»، فإن كل التجارة الدولية التي تجري بموجب هذا الإجراء يمكن أن تتم وتَصدُر لها فواتيرٌ بالروبية على أن يُحدَّد سعرُ صرف عملتي البلدين الشريكين التجاريين وفق سعر السوق. 

وكانت الوحدة الدولية التابعة لـ«مؤسسة المدفوعات الوطنية الهندية» قد وقّعتْ اتفاقياتٍ مع شركات وبنوك مركزية أجنبية خلال العامين الماضيين. وترمي الخطة إلى جعل «واجهة المدفوعات الموحدة» (الـ«يو بي آي»)، وهو نظام للدفع المالي الفوري في الزمن الحقيقي، خدمةً عالميةً وجعل عمليات الدفع أسرع وكذلك أقل كلفة. وتتيح الـ«يو بي آي» تحويل الأموال في الزمن الحقيقي عبر الأجهزة المتحركة على مدار 24 ساعة في اليوم، كما تتيح الوصول إلى عدة حسابات بنكية من خلال تطبيق واحد على جهاز متحرك. 
وفي يوليو 2021، أصبحت بوتان أولَ بلد يتبنى معايير الـ«يو بي آي» والبلد الوحيد الذي يقبل بطاقات RuPay. وفي فبراير الماضي امتد استخدام الـ«يو بي آي» إلى النيبال، ثم إلى المملكة المتحدة في أغسطس. كما عقدت «مؤسسة المدفوعات الوطنية الهندية»، التي تشغّل الـ«يو بي آي»، اتفاقيةَ شراكة مع مقدِّم خدمات الدفع الأوروبي «وورلدلاين» للسماح للمسافرين الهنود بالدفع عبر الـ«يو بي آي» على أجهزة نقاط البيع التابعة لهذه الأخيرة عبر أوروبا. وهذه الخدمة متاحة في بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ وسويسرا، ومن المرتقب أن يوسّع استخدامها لتشمل دولا أوروبية أخرى. 
وتستعد الهندُ لأن تصبح اقتصاداً رقمياً بقيمة تريليون دولار، ويمكن أن تدعم 60 إلى 65 مليون وظيفة تعتمد التكنولوجيا الرقمية بحلول عام 2025-2026. وعلى نحو منفصل، قال «بنك الاحتياطي الفيدرالي الهندي» إنه في سبيل تحسين إجراءات الدفع العابر للحدود، فإنه يبحث حالياً إمكانيةَ ربط واجهة المدفوعات الموحدة الـ«يو بي آي» بأنظمة مماثلة في بلدان أخرى، وخاصة في بلدان مجموعة العشرين. وإلى ذلك فثمة تقارير تفيد بأن الحكومةَ الهندية تُجري مباحثاتٍ مع بلدان أخرى سعياً إلى توسيع التجارة الثنائية من خلال حسابات بالروبية الهندية. 
وعلاوة على ذلك، تحاول الحكومة الهندية استبدال «سويفت» والاستغناء عنه تدريجياً. ووفقاً لأحد التقارير، فإن الهدف هو استبدال نظام «التراسل المالي العالمي» («سويفت») وإنشاء نظام دفع آخر. وتشمل قائمةُ البلدان التي تتباحث معها الهندُ دولا أفريقيةً مثل زيمبابوي وجيبوتي وإثيوبيا ومالاوي والسودان. وهنا أيضا من المحتمل استخدام الـ«يو بي آي». ويمكن تسوية التجارة الهندية مع جيبوتي وناميبيا وإثيوبيا وكينيا وكوبا من خلال حسابات بالروبية الهندية. ويندرج كل هذا في إطار الخطوة الكبيرة التي تخطوها الهند نحو الأمام باقتصادها الرقمي والرقمنة عبر إدخال الروبية الإلكترونية الهندية، والتي أُطلقت تجارب بشأنها منذ مطلع نوفمبر 2022. 
والسؤال الآن هو إلى أي مدى يمكن أن تصبح الـ«يو بي آي» دوليةً؟ في عام 2021، عالجت الـ«يو بي آي» حوالي 39 مليار عملية بلغت قيمتها الإجمالية نحو 940 مليار دولار، أي ما يعادل 31٪ من الناتج المحلي الإجمالي للهند. ويهدف الاقتصاد الرقمي إلى تحويل النظام المالي إلى نظام أكثر كفاءةً وفعاليةً وأقلَّ كُلفةً، بما يؤدي إلى تقليص الاعتماد على الدفع نقداً ويتيح بديلاً للعملات المشفرة. ومن جهة أخرى، تتطلع الحكومة الهندية إلى إطلاق الروبية الرقمية بعد إنهاء مشاريع تجريبية متواصلة في الوقت الراهن.
في شهر نوفمبر الماضي أطلق «بنك الاحتياطي الهندي» مشروعاً تجريبياً لعملته الرقمية، إذ سمح لتسعة 9 بنوك، بما فيها بنك «إس بي آي»، بالاتجار في السندات عبر استخدام العملة الجديدة. وبعد شهر على إطلاق المشروع التجريبي للعملة في القطاع البنكي، أعلن «بنك الاحتياطي الهندي» عن استخدام تجريبي للروبية الهندية في قطاع البيع بالتجزئة مع 4 بنوك في 4 مدن مشاركة في البرنامج التجريبي. وضمن هذا البرنامج، شاركت مواقع مختارة ضمن مجموعة مستخدمين محددة تتألف من زبائن وتجار مشاركين في هذه التجارب. 
وفي الأثناء، شرعت الصين أيضاً في الكشف عن عملتها الرقمية، وهي تحث مواطنيها حالياً على تبني اليوان الإلكتروني الجديد، الذي بات متاحاً في مدن مختارة. وقد خضع هذا الأخير لتجارب عمليات الدفع العابرة للحدود بواسطة العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية التابعة للصين وهونج كونج وتايلند والإمارات. هذا وأطلقت أقل من 6 بلدان عملةً رقميةً في العامين الماضيين، بدءاً بالباهاماس في عام 2020. ومن البلدان الأخرى هناك جامايكا ونيجيريا وبعض بلدان الكرايبي. 
وختاماً، فإن عملة الهند الرقمية تنمو بسرعة، وقد نمت أسرع بحوالي مرتين ونصف من الاقتصاد الهندي نفسه خلال الفترة الممتدة من 2014 إلى 2019، مما أدى إلى خلق حوالي 62,4 مليون وظيفة. كما نما حجم الاقتصاد الرقمي من 197,7 مليون دولار في 2014 إلى 22,5 مليار دولار في 2019. ويقول صندوق النقد الدولي إن الروبية الرقمية يمكن أن تقلّص كلفةَ إدارة العملات. 

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي